أثار العمل الإجرامي البشع للقتلة في تنظيم داعش الإرهابي المتمثل في حرق الطيار الأردني "معاذ الكساسبة" ، موضوعا مهما في الفقه الإسلامي الخاص بأحاديث الرسول محمد (ص) والسنّة النبوية وأفعال الصحابة، هذه الأحاديث والأفعال التي لها في المكتبة الإسلامية العديد من المصادر والمراجع والروايات المختلفة و المتناقضة من الصعب إحصائها أو قراءتها وتمحيصها كلها حتى من غالبية المتخصصين في الفقه الإسلامي.

وكمثال واحد فقط،
كان التنظيم الإرهابي "داعش" قد برّر إعدامه للطيار الاردني "معاذ الكساسبة"& حرقا باعتماده على فتوى شرعية لابن تيمية تشير إلى أن "التحريق بالنار يجوز عند المماثلة" في اشارة من التنظيم إلى الحروق التي تتركها قنابل الطائرات الحربية التابعة للتحالف الدولي ضده بأجساد مقاتليه ومناصريهم في المناطق التي يسيطرون عليها معتبرين أنّها بداية لخلافة إسلامية تشمل الكون كله حسب وهمهم. ودعمت "هيئة البحوث والافتاء" الداعشية حرقهم هذا بفتوى أو قول ل "الحافظ ابن حجر" يقول فيه: ( يدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمّى النبي (ص) أعين العرنيين بالحديد المحمّى وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردّة ". و واصل تنظيم داعش في الفيديو الذي نشره لعملية حرق الطيّار الأردني عرض رسالة ورد فيها: " ، "فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع".

بماذا ردّ رافضو تبيرات داعش هذه؟
لقد ردّ كثيرون من الشيوخ ومراجع إسلامية على تبريرات داعش هذه، من خلال تكرار معلومة واحدة بصيغ مختلفة مفادها& أنّهم " اتهموا التنظيم بتحريف الفتوى وإخراجها من سياقها، مشيرين إلى أنها تتعلق بجثث من يوصفون بـالكفار وليس بالأحياء ". وكذلك تذكيرهم بأمر الرسول حول عدم جواز قتل أحد بالنار لقوله " لا يعذّب بالنار إلا رب النار ". وواصل هؤلاء الشيوخ والمراجع الإسلامية الردّ على ما أنتجه فعل داعش من نبش في كتب التاريخ الإسلامي للتذكير بروايات ومحكيات مشابهة لفعل داعش، تكرّرت بشكل مثير في مواقع الإنترنت و كلها روايات ومحكيات مذكورة في كتب تاريخ إسلامي معترف بها ومنها الروايات التالية:

رواية حرق أبو بكر الصديق للفجاءة السلمي
ويردّ رافضو الرواية عليها من أجل دحضها بالقول: " الزعم بأن الصحابي أبوبكر الصديق أحرق "الفجاءة السلمي" حيًّا غير صحيح وساقط باطل لا سند له، لأن رواية إحراق "أبي بكر" للفجاءة باطلة مدار سندها على "علوان بن دَاوُدَ البجلي"، وهو رجل مطعون في روايته، قال الحافظ بن حجر في لسان الميزان: "قال البخاري: علوان بن داود- ويقال بن صالح- منكر الحديث".

رواية حرق خالد بن الوليد لرأس مالك بن نويرة
يردّ رافضو هذه الرواية بالقول: " إنّ اتهام الصحابي خالد بن الوليد بحرق رأس مالك بن نويرة بن نويرة هي رواية باطلة في سندها محمد بْنُ حميد الرازي وهو كذاب، قال عنه الإمام ابنُ حِبَّان: "كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات. قال أبو زرعة ومحمد بن مسلم بن وَارَة: صَحَّ عندنا أَنَّهُ يكذب ". وتقول الرواية التي يدحضونها أنّ خالد بن الوليد بعد حرقه لرأس مالك بن نويرة تزوج زوجته الموصوفة بجمالها المثير " أم تميم بنت المنهال ".

وروايات قطع الرؤوس لا تنتهي،
فتمتلىء كتب التاريخ الإسلامي التي يعتدّ كثيرون بمصداقيتها بروايات قطع رؤوس شخصيات مشهورة، يمكن لقرائتها أن ترفع الضغط أو تصيب بالإغماء عند البعض خاصة قصة قطع رأس الحسين التي لها روايات متعدّدة أشبه بأفلام الرعب الهوليودية إن لم تتفوق عليها، وكذلك قصص وروايات قطع رأس المختار بن أبي عبيد الثقفي على يد مصعب بن الزبير ثم قطع رأس مصعب بن الزبير نفسه، وقص راس الجعد بن درهم صبيحة عيد الأضحى بيد والي الكوفة عبد الله القسري على منبر السمجد أمام المصلين لصلاة عيد الأضحى عام 105 هجري الموافق 724 ميلادي ...وهكذا مسلسلات لا تنتهي في كتب التاريخ الإسلامي.

فهل يردع مجرمي داعش القول إنها روايات ضعيفة؟
وهل نحن بصدّد باحثين أكاديميين في التراث الإسلامي لنذكر الرواية ونقيضها؟ أم نحن في مواجهة قتلة يتلحفون بغطاء إسلامي يبحثون من خلاله عن هكذا روايات وأحاديث ضعيفة أم قوية لتبرير جرائمهم؟. هذه هي المشكلة والمعضلة: هذه الروايات والأحاديث والقصص موجودة في كتب تاريخ إسلامي مشهورة ومعترف بها، وبالتالي فليست مسؤولية مجرمي داعش التمحيص في هذه الروايات والأحاديث وفرزها إلى ضعيف و قوي وأصحابها إلى كاذب وصادق، فكل همّهم الوصول إلى رواية أو حديث يبرّر جرائمهم كونهم دعاة خلافة إسلامية ستشمل العالم كله حسب أوهامهم.

وكذلك يتمّ استخدام القرآن مبررا لجرائمهم،
فقد نشرت العديد من المواقع المؤيدة لجرائم داعش مبررات لعملية حرق الطيّار الأردني، معتمدة ومكرّرة لقول الله تعالى " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ " (126)، سورة النحل. ويتذرع الدواعش بأنّ حرقه بالنار هو مثل حرقه وطائرات التحالف بالنار لأعضاء داعش ومقاتليها. ويتمّ الرد على الدواعش وكأنّهم باحثون أكاديميون متخصصون في الدين الإسلامي فيقال لهم: " يجب عدم اجتزاء النصف الأول من الآية المذكور، ونسيان النصف الآخر من الآية الذي يقول: " ولئن صبرتم لهو خير للصابرين "، فما هو خطأهم إن لم يصبروا ولا يريدون أن ينالوا خير الصابرين؟ هل من يقوم بكل هذه الجرائم طوال ما يزيد على ثلاثة سنين يتوق لنيل خيرا؟

ما الحل ونحن نواجه قتلة وليس متخصصين في التراث الإسلامي؟
الحل ليس سهلا وليس متوفرا الآن في ظل سيادة الفقه التكفيري (التكفير بدلا من التفكير) وفي وجود ما لا يقل عن ثلاثة ألاف معهد وكلية وجامعة دينية تعمل كل واحدة منها على مزاج وفقه القائمين عليها دون رقابة مركزية توجهها نحو التفكير بدلا من التكفير، ويكفي التذكير بدعاء أغلبهم الإسبوعي بحق من يطلقون عليهم "أحفاد القردة والخنازير"، دعاؤهم الذي يقول: "& "اللَّهُمَّ أرِنا فيهم يومًا أسودَ كيوم قارون وفرعون وهامان"، والمضحك المبكي أنّ هؤلاء أصحاب الدعاء يعيشون كل نواحي حياتهم على صناعات أحفاد القردة والخنازيز من الإبرة إلى سجادة الصلاة إلى السيارة والثلاجة والطائرة والإنترنت الذين ينشرون تكفيرهم وحرقهم من خلاله. الحل إن تمّ السيطرة على كليات ومعاهد وجامعات الدراسات الدينية وتقليصها لتصبح على الأقل بعدد كليات وجامعات التكنولوجيا، يحتاج على الأقل لثلاثة أو أربعة أجيال قادمة تكون قد خرجت من عباءة التكفير داخلة في عصر التفكير حيث تسود مفاهيم حضارية مثل: ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) و ( يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ) و ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًاأَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ).
www.drabumatar.com
&