سألته لماذا تركت الصلاة، كان يتهرب ويتملص من الجواب ويلف ويدور لأنه يعلم ليس لديه رد مقنع، ولكي لا أتسبب بمزيد من الاحراج له خاصة وأن حديثي دار معه بوجود أصدقاء آخرين لذلك قلت له، هل تتصور ان الناس لا يرتكبون الذنوب، وهل تعلم ان أكبر علماء الدين غير منزه عن ارتكاب الذنوب، بل ربما يرتكب الذنوب ولكن سرعان ما يلتفت لنفسه فيعود ويستغفر من ذنبه.

كنت أعلم ان فطرته لا تزال سليمة ولم تتلوث بالكامل ولم ينغمس في وحل الموبقات المحرمة غاية ما في الأمر انه لا يريد أن يكون ازدواجيا ويخدع نفسه فيظهر مرة في وجه المطيع لله ومرة أخرى العاصي له، لذلك يختار القريب لنفسه وأهوائه والأسهل، فيترك الصلاة والعبادات ويمارس الذنوب وغالبا الذنوب ليست من النوع التي لا يمكن مقاومتها.

هذا ديدن الكثير من الناس، فانهم لا يحبون أن يكونوا منافقين في حياتهم بل انهم يمقتون النفاق والتملق والتزلف ويستهزءون بالمنافقين ويسخرون من المتملقين ويعشقون العزة والكرامة لأنفسهم، لذلك تراهم لا يريدون أن يظهروا بمظهر المنافقين أمام ربهم، خاصة وأنهم يعلمون ان الله جل وعلا يعلم بكل مكنوناتهم ولا تغيب عنه صغيرة وكبيرة إلا أحصاها.

ولكن هل يرتاح بال الانسان لو تخلى عن طاعة ربه، وهل يتركه ضميره، وهل تتركه نفسه اللوامة عن التأنيب والتوبيخ والتقريع المستمر ليعود الى ربه ويغير من سلوكه وممارساته، بالتأكيد كلا، منذ اليوم الأول الذي يبدأ فيه بالتخلي عن طاعة الله والوقوع في معاصيه يبدأ صراعا مريرا ومحتدما مع نفسه، ويشعر أن قوتين في داخله تتجاذبه، احداهما تدعوه الى مواصلة ركوب المعاصي والايغال في الوقوع بالرذيلة، والثانية تدعوه الى الأوبة والتوبة وتغيير الطريق والسلوك.

هناك ظاهرة ربما القليل من الناس يلتفت اليها وقد تكون تعليقات بعض القراء على بعض المقالات التي تنشر في ايلاف أحد تجلياتها، وهي ان الانسان المسلم يسعى الى اقناع نفسه بأنه ليس وحده الذي ارتمى في حضن الرذيلة وانما هناك الكثيرون مثله، ومن تجليات ذلك أنه يسعى الى الحصول على أصدقاء يؤيدون سلوكياته، أو انه يجهر بالمعصية، فلا يتورع بأن يقول أنا اشرب الخمر أو أمارس الزنا أو اللواط أو انه ملحد ويكفر بالدين، الهدف من كل ذلك هو أنه يحاول تهدئة نفسه والتغلب على نفسه اللوامة التي طالما أزعجته بتأنيبها، وطالما نغصت عليه لهوه وملذاته وجعلته يتجرع المر حتى عندما يتذوق العسل.

أنه يسعى أن يتصالح مع نفسه ولكن أنى له ذلك، فتراه يهجر كل ما يربطه بدائرة طاعة الله، حتى انه يهجر أقرب الناس اليه ويبتعد عنهم لكي لا يسمع منهم كلمة تأنيب ونصيحة تعكر عليه لذاته، ورغم ذلك يبقى الصراع في نفسه ولا يفارقه.

ربما تتكرر هذه الظاهرة في مجتمعاتنا الاسلامية فنرى أن بعض المسلمين يتحولون الى بؤرة من الرذائل والموبقات وليس هناك سيئة في الكون يعرفها البشر الا مارسوها، ولا تجد مثل هذا الانغماس في الرذيلة لدى غير المسلمين، والسبب واضح وطبيعي وهو ان الشيطان يريد أن يعطي نموذجا سيئا للمسلم، والنموذج الصالح لغيره.

الخطأ الكبير الذي يرتكبه الانسان هو تركه للصلاة، ليكن عدم التخلي عن الصلاة مبدأ أساسيا في حياة المسلم، فمهما حدث لا ينبغي عليه أن يتخلى عن الصلاة، وأما الأسوأ من التخلي عن الصلاة فهو اليأس من رحمة الله، لأن اليأس من رحمة الله يأتي نتيجة شعور المسلم بأنه ارتكب من المعاصي ما لن يغفرها رب العالمين، بينما هذا الشعور خاطئ جدا، فان الله أرحم الراحمين.

يروى ان نبيا من الانبياء لم يكن يتناول غذائه الا وجنبه من يشاركه في الطعام، وذات مرة كان في الطريق وانتظر كثيرا ليأتي أحد ويشاركه في طعامه، حتى مر عليه رجل فطلب منه أن يأكل معه، وبعد الأخذ والرد في الحديث علم أنه كان كافرا فطرده وقال له أنا لا آكل مع كافر، فنهره رب العالمين على ما فعله، وأوحى له بأنه ما قطع رزقه عن عبده طيلة الاربعين عاما الماضية رغم أنه يعلم انه كان كافرا به، ولكنه طرده ومنعه من أكل طعامه عندما علم انه كافر، فهرول النبي وراء ذاك الانسان وطلب منه أن يعود ليشاركه في الأكل، فرفض، فأصر عليه، فقال سأعود لآكل معك بشرط أن تخبرني مالذي جعلك أن تغير رأيك، فحكى له القصة، فقال له، مادام هذا ربك فانني من الآن وصاعدا آمنت به.

السيء أن يرتكب الانسان المعاصي، ولكن الأسوأ منه هو اذاعة المعصية والمجاهرة بها وربما المفاخرة في ممارستها، فهذه تعرقل وتصعب على الانسان توبته، وتجعله يحمل وزره ووزر الذين تأثروا بكلامه أو ممارسته، ومع ذلك فان باب الله مشرعة للتائبين، وان الله يغفر الذنوب جميعا.&

لو أردنا تحليل ظاهرة العمليات الانتحارية عند الجماعات الارهابية لرأينا ان أحد أسبابها الرئيسية هي ان المنتحر يعيش صراعا محتدما مع نفسه ويرى ان عاتقه مثقل بالذنوب والمعاصي فيصل الى نتيجة خاطئة جدا وهي ان ينهي حياته بعملية "استشهادية" كما يظن، إلا أنه سيخلد في جهنم وبئس المصير.

&