&&ترجمة: رمزي ناري

لم يعد عيد الفالنتاين احتفالاً لقول الصدق. لا سمح الله! إن العلاقات لا تدوم طالما لا نصرح بالضبط وبشكل دائم بما نفكر به. فنحن عندما نريد أن نصرخ، فإننا نلجأ عادة لإخفاء مشاعرنا، أو نتظاهر بعكس ذلك، وأحياناً أخرى نتبسم. أي باختصار، علينا أن نكذب.
نحن جميعنا نكذب على الآخرين، وعادة ما نقول ذلك بشكل مثير للاشمئزاز. أحد البحوث يقول إن الإنسان يكذب في أحاديثه العادية، بما معدله مرتين إلى ثلاثة مرات كل عشرة دقائق. (هذا الأمر يجعلك ترغب في البقاء صامتاً بشكل كلي ليوم أو يومين، لتتخلص من هذه الإحصائيات، لكن ماذا عن الكذب عن طريق السهو؟). ونحن نكذب بشكل خاص متى ما تعلق الأمر بالحب، كوننا نهتم بالحب أكثر من اهتمامنا بباقي الأمور، ولأن الحب يحمل إلينا من المخاوف أكثر مما تحمله لنا معظم الأشياء الأخرى، والاهتمام والخوف هما اثنان من أكثر الأسباب شيوعاً في ممارسة الكذب.
بداية الموضوع عندما كنا أطفالاً. لماذا كنت تكذب وقتذاك؟ لأنك لم تكن تريد أن تقع في ورطة، وكنت تقلق بما كان يفكر به الأطفال الآخرون عنك، ولأنك كنت تخاف أن تفقد حب والدتك. "إنه قانون الطاعة الذي يخلق الرغبة بالكذب لدى الأطفال"، ذلك ما كتبه جان جاك روسو، ناصحاً إيانا ألا نجعل أطفالنا يشعرون بالخوف، وفوق كل ذلك، أقول بل هو بسبب الحاجة للحب.
فالأشخاص الذين وجدوا أنفسهم وقد تعرضوا إلى حد كبير للخيانة بسبب أكاذيب محبيهم، هم أولئك الذين لديهم الكثير من التوقعات غير الواقعية عن الصدق وقول الحقيقة. بينما الذين يميلون كثيراً لتصديق الأكاذيب ولا ينبغي أن يكونوا كذلك، هم أولئك الذين يكذبون على أنفسهم أكبر كذبة بقولهم: "أنا لا أتفوه بالأكاذيب أبداً".
إذا كنت تريد الحب في حياتك، فمن الأفضل أن تعد نفسك لقول بعض الأكاذيب وأن تصدق بعضها الآخر. فإن كان الصدق هو الأكثر أهمية بالنسبة إليك، فعليك في هذه الحال أن تعتنق حياة الصمت وتكون كأحد الرهبان الذي يعيشون ممتنعين عن الكلام. وكل ذلك يمثل خيارات بالنسبة لك. فالفيلسوف عمانوئيل كانط، الذي كان يجادل دائماً أنه من الخطأ أن نكذب أبداً، قد عاش طوال حياته أعزب. و الفيلسوف المشهور آرثر شوبنهاور، الذي كان كارهاً للشر، و مثالاً في الصدق وبنفس الوقت كان عدواً للحب الرومانسي، وقد حافظ بقوة على مبادئه هذه بكل وفاء، كان يجادل أنه لكي تتزوج فعليك أن تفعل كل ما هو ممكن لتشعرا كلاكما بالغثيان من الآخر.
ولأن معظمنا يرغب أن يحب وأن يكون محبوباً أيضاً. فما هي تلك الأكاذيب التي علينا أن نقولها للآخرين وأن نصدقها بنفس الوقت؟
فكر ملياً بعشرات الأكاذيب التي تخبر بها أطفالك (أو التي قالها لك والديك) لكي تساعدهم أن يثقوا بأنفسهم: "بإمكانك أن تكون ما تشاء أن تكون"، أو "إن الحياة تزداد سهولة".
كل تلك الأقاويل عرفتها منذ طفولتي، وقد جعلتني طفلاً غير محبوب، مثل: "الأطفال الآخرين يغارون منك لأنك طفل ذكي". وهذه الأكاذيب عن الحب نقوم بممارستها من يوم لآخر، مثل: "أنتِ المرأة الأكثر جمالاً في هذه الغرفة"، أو "أنتَ الرجل الوحيد الذي يقدر أن يفهمني على الإطلاق".
فما هو حقيقة خلال ساعة يمكن أن يكون كذبة في الساعة التي بعدها، والعكس بالعكس. في بعض الأيام عندما تقول عبارة: "أنا أحبك" ربما لا تكون صادقاً تماماً،& لكنها تعبر عن حقيقة عميقة، بأنه من الضروري أن يكون الحب مصاناً.
ثمة أكاذيب كنا أنا وزوجتي نقولها بعضنا البعض ونثق بها. فأنا أسألها: "بماذا تفكرين؟" فترد علي بتأكيد وبكذبة لطيفة أنها تخطط لما سترتديه على العشاء. أو تسألني هي بدورها، "هل كان قول ذلك الشيء مؤلماً؟"، فأجيبها وبكل تأكيد: "كلا يا عزيزتي".
&لكن يوجد هناك كذب جيد وكذب سيء. فأنا كنت قد تزوجت مرتين من قبل. والمرة الوحيدة التي تشاجرت فيها بعداوة كانت مع زوجتي الثانية، في موقف سيارات المدرسة الابتدائية التي كانت تدرس فيها ابنتنا. كنا منفصلين، وقريباً نستكمل إجراءات الطلاق، وكنا في تلك المرحلة التي تكون فيها الأكثر قرباً، لكن بشكل مثير للاشمئزاز، أكثر مما لو كنت متزوجاً. وتحولت الأمور من اللين إلى الشدة. بحيث يقول كل منا للآخر ما يشاء. صرخت علي زوجتي: "أتمنى لو كنتَ ميتاً!". وأكملت، بينما كان أحد المارة يعبر الشارع ويرمقنا بنظراته، "أنت أسوأ شيء حصل لنا على الإطلاق! أتمنى لو تغادر ولا تعود مطلقاً!".
&لقد كانت زوجتي على حق. فقبل سنة تقريباً من ذلك الشجار، كنت أحضر مؤتمراً أكاديمياً والتقيت مع إحدى زميلاتي لتناول فنجان من القهوة. وفي طريق عودتنا لغرفتي في الفندق، كنت لا أزال أقول لنفسي: أنا رجل متزوج وسعيد. وسوف لن أذهب لممارسة الجنس مع هذه المرأة. لقد كنت أكذب على نفسي حتى اللحظة التي قالت فيها، "دعنا نذهب إلى الفراش". وكغيري من الناس الذين يأتون أمراً مأساوياً، بقيت غير متأكد من السبب لما اقترفته، لكني أعتقد أنه نوع من الغطرسة والغرور. فقد شعرت بالإغراء بسبب رغبتها بي. وعندما سلط الضوء على تلك القضية، كان زواجي قد انتهى.
ما هي أقوى نصيحة ملموسة أستطيع أن أقدمها لنفسي، أنا الرجل الذي كان في مقتبل العمر، وانقاد نحو ذلك السرير، ودمرّ إلى الأبد حياة زوجته وابنته؟ الجواب بالطبع: أفحص دوافعك، ولا تخدع أحداً. فمن بين جميع الأشياء الخاطئة التي اقترفتها، لم يكن أسوأها أنني كنت أتكلم كذباً. بسبب خداع النفس والإنكار، اللذين لم يساعدني في الكثير من الأمور، بل كان سبب فشلي الحقيقي هو قلة الاهتمام والمحافظة على تعهداتي.
الآن أنا وزوجتي السابقة صديقان طيبان، وأشعر بالامتنان لذلك. وكل منا يهتم بالآخر، وأقولها مرة أخرى، أننا نكذب متى ما كانت هناك حاجة لفعل هذا الأمر.
وبقدر ما يتعلق الأمر بالحب، فكل من الصدق والخداع ينبغي ممارستهما باعتدال. عندها فقط يمكنك أن تحتفل بأوهام الحب التي تكاد تفقدك صوابك. فجميع العظماء الذين نجلّهم أمثال أوديسيوس، وكليوباترا، وشهرزاد، ودون كيشوت، ودون جوان، ومولي بلوم كانوا كاذبين أسطوريين ودعاة ومراوغين. وأيضاً بينلوب، التي كانت مثالاً عظيماً في الوفاء والإخلاص ظلّت منغمسة فيه – هل تعتقد حقاً أنها جعلت جميع أولئك الذين تقدموا لخطبتها ينتظرون عشرين عاماً فقط كونها كانت تُحيك نسيجاً مطرزاً ثم تعيد فتح ما حاكته سابقاً (عملية خداع بحد ذاتها؟) أو ربما كانت تحيك في النهار وتعيد فتح ما حاكته في الليل حسب استعارة هوميروس، كان عملاً معقداً انشغلت فيه حقيقة؟ في الواقع، كان أمراً بسيطاً جداً، وأكثر إنسانية وتصديقاً.
إن للحب قيمة أعظم من الحقيقة. فلا الزواج ولا محبة الوالدين لطفلهما يمكننا فحصهما بدقة كما يفعل الطبيب الشرعي بجثة ما. أما سعيك الذي لا يعرف الكلل لأجل الحقيقة، فدعه للفحص المخبري. فنحن المحبون نود أن نكون مثل شكسبير:
لذلك أكذب معها، وهي تكذب معي،
وكل منا يجامل الآخر بالكذب الذي نغلفه بأخطائنا
لا تقلقوا كثيراً بشأن الحقيقة، بل الاحرى بكم ان تهتموا بعضكم البعض.

كلانسي مارتن فيلسوف وروائي كندي، أستاذ مادة الفلسفة بجامعة مدينة ميسوري – كانساس، ومؤلف كتاب "الحب والأكاذيب". (عن صحيفة "نيويورك تايمز" 07/02/2015)

رمزي ناري: كاتب ومترجم عراقي مقيم في الأردن