أضم& جرحي بين حنايا ضلوعي.. كالأم الحنونة التي تضم رضيعها على ثديها بحنان مفرط في الأمومة.
أخاف على جرحي من نسمة فرح كيلا تهبه معها باتجاه الأمل وقد استسلمت نفسي للنزف وعشقت التلذذ بنكهة الموت البطيء.
وعندما أداعب جرحي كطفل في اللحظة التي يقسو على قلبي المكلوم، أخرج به إلى مروج الثلوج ليس من أجل أن يتشح بالبياض الذي يكسو الطبيعة، وإنما لكي يرى الحياة بوجهها الآخر عله يرحم قلبي ويرحل عن مرتعه وسط ذلك القلب الذي كان منذ الصبا مكانا للفرح والحب الذي لا تنضب أنهار عطاءه الجميل.
وكثيرا ما أتحدث برفق مع جرحي الطفل.. القاسي. فأقول له:
هل بلغت مرادك وأنت تنهل من دم شراييني ؟!
يضحك& جرحي& ساخرا.. ويرد بإستعلاء:
كلا يا حبيب قسوتي.. فلازلت في بداية الطريق.. ولك بالمرصاد.
أقول له: ولماذا يا جرحي تعاملني هكذا.. وأنا عاشق الورد.. وصديق النسيم.. ونديم العزف ؟!
لماذا.. لم تذهب الى الذين يبادلونك الشر بالشر.. ويغرسون في الطريق قنابل الموت وهم يرقصون على أنغام المجزرة مثلما تنغرس في قلبي كسكين مغروسة في حنجرة بريء تحت سطوة إرهابي ؟!
ضحك.. مرة أخرى ساخرا أيضا ثم قال: يا ذبيحي الحبيب.. ليس هناك ألذ عند الذابح التعيس من شم رائحة دم الجريح وهو ينزف تحت وطأة المغامرة.. أو المؤامرة.. أو غدر الإصابة.
قلت له: أتقصد أنك.. خنتني.. تآمرت علي.. وأصبتني في مقتل.
صرخ& جرحي.. شامتا ثم قال: وهل كان الجرح وفيا.. أو بريئا.. يا ذبيحي الساذج؟!
قلت له وأنا أحييه تحية الإنسان الياباني المنحني حتى مستوى الركبة:
لا أدرى.. يا جرحي الحبيب.. وماتراه صوابا سأراه غصبا عن ألمي وقهري.

هكذا.. هي الحياة.. تطلقنا في حقولها كي نقطف ورودها في فصول معينة لنشم عبقها الأخاذ.. ثم تطلق جروحها لتقطفنا& في فصول أخرى.. لترمينا على طرقاتها بلا عبق.
مابين عبق الوردة ورائحة الجرح: مساحة من الميتافيزيقيا.. تتقافز فيها خطوات الخيول لتعزف مع صهيلها أغنية تتحول مع مرور العزف إلى دمعة منزوية في أحضان حدقة عين باكية.
وكلما طوى العمر& صفحة من& صفحاته والجرح مستبد في برجه الفوقي.. كلما بذخ الحزن وتمادى في استنزاف الأنين كيلا يظل للإبتسامة رونق.. ولكي تستيقظ الصباحات على أنغام الكآبة.
ثم يتساءل الإنسان الحاضن جرحة بين حناياه وقد أصبح رهينة ذلك الجرح المحضون:
كيف يكون المحضون سيفا ، والحاضن غمدا.. ثم يكون المحضون قاتلا والحاضن قتيلا ؟!
يقول السيف.. الجرح:
&ليس في الحياة عدالة.. والعدالة فيها: كسهام المنايا حين تختار الأميز في ميدان المعركة كي تعمق الجرح ولتثبت لنا أن لا عدالة فيها.&
وتكون نسبة البكاء على رحيل إنسان يشبه جذع نخلة عتيقة: أقل دموع وحرقة من البكاء على إنسان في عمر غصن يانع أخضر ، كدليل على أن لاعدالة في الحياة التي تسكب الفقد في القلوب الجميلة ولا يكون الجرح بحجم العمر!
قلت له: بل قد تكون تلك الحالة الوحيدة العادلة& في قانون الحياة: فلو كان الجرح بحجم العمر.. لما بقي على وجه الأرض إنسان له قلب ينبض.
انتفض.. الجرح في داخلي ثم نزف بغرور وغطرسه وقال:
قلت لك يا صديقي: لا عدالة في الحياة.. ألا ترى كيف أتوسد قلبك رغما عن طراوته ودون إستئذان منك ؟!
ونزف مرة أخرى وهو يعصر القلب عصرا شديدا وقال: دعك من فلسفة العدالة في هذه الحياة التي ينتصر فيها الشر ويسود الأشرار أكثر من إنتصار الخير وسيادة الأخيار.
قلت له: أتدعونا ياجرح لممارسة الخطيئة ؟!
أتريد أن تقول: كن ظالما.. لتسلم.. ولتنتصر ؟!
وقبل أن يجيب قاطعته وقلت: حتى لو صدقناك ياجرح.. فالشعور بالإنتصار إثناء صناعة الألم ليس دليلا على الإنتصار بقدر ما يكون إقرارا بالهزيمة.
أنت.. تصنع لي الألم.. لكنك تموت بموتي.. كإثبات لمدى قوتي وقداسة كياني ووضاعة فعلك.
إنتفض&&& الجرح من جديد.. وغضب من إستهزائي& به وكتب بحروف حبرها من دمي النازف داخل أعماقي بفعل قصفه& الشديد وقال:
ياوسادة.. نومي
يا أيها الروح التي تعزف لي بالأنين.. أغنية
لولا القلوب المفعمة بالحب.. لما وجدت الجروح مكانا لممارسة النزف
ولولا النزف لما إستمرت القلوب الجميلة في العطاء المختوم ببصمة الألم
الجروح: كالصقور.. تعشق التحليق في الفضآت الرحبة...
وقلبك: أرحب مكان للحب.. والنزف بنوعيه:
بوحا.. ودما!!&&&&&&&&&&&&
&
&