ليس هناك من ينكر أن كل جانب من جوانب الحياة الإنسانية يعكس مستواها الحضاري والحب أول هذه الجوانب، فإذا كان المجتمع حضاريا كان الحب حضاريا في شتى تجلياته، والعكس صحيح. وكما أن ترتيبنا يقع في نهاية كل قائمة تصدر عن أية جهة مكلفة بقياس مختلف المؤشرات فنحن كذلك نأتي في نهاية قائمة حضارة الحب. فكما يكون المجتمع متطورا صناعيا وعلميا وسياسيا، يكون كذلك متطوراً في الحب بحيث تكون علاقة عادلة وسليمة ولا يعقبها مآسي وويلات. فهل هذا يعني أن الحب في بلادنا يعقبه مآسي وويلات؟&
&
الجواب نعم، بالتأكيد. فالعلاقات العاطفية سواء في إطار الزواج أو خارجه ليست عادلة أبدا، فإذا كانت خارج إطار الزواج، فهناك جرائم الشرف التي تطبق على الأنثى فقط من جانب، ومن جانب آخر فنادرا ما يكون الرجل متحضرا في علاقته، ومخلصا للمرأة التي تحبه، كما أن غالبية الرجال يفضحون النساء اللواتي تعلقن بهم ويتندرون بهن في المجالس ويفتخرون بجاذبيتهم ورغبة النساء بهم وملاحقتهن لهم. ونادرا ما يتزوج الرجل المرأة التي له علاقة بها، إذ أن للزواج معايير أخرى تحددها أمه أو أخواته.&
&
أما العلاقات في إطار الزواج، فهي ليست علاقات عاطفية من حيث المبدأ، إذ أن كثيرا من الرجال تفتر عاطفتهم بعد الزواج، فيمارسون واجباتهم الزوجية بلا إحساس أو عاطفة، فتصبح العلاقة حزينة وخالية من الرضا والإشباع. زد على ذلك أن الرجل إذا غضب من زوجته، فهو يمتلك تصريحا قرآنيا بالهجر وتعدد الزوجات. ولو أن هناك آلية لقياس نسبة الرضا في الحياة الزوجية، لتبين أنه مفقود في معظم الزيجات.&
&
وإزاء هذه التعقيدات في الحب، كانت النتيجة ارتفاع نسبة العنوسة في العالم العربي أكثر من بلدان العالم كلها. وفي بعض البلاد العربية فإن الشباب يعزون ذلك إلى أسباب مادية، ولكن هذا المبرر يفقد مصداقيته حين نرى أن العنوسة في دول الخليج النفطية الثرية مرتفعة جدا، وهذا يعني ببساطة أن الشباب يحصلون على حاجاتهم من الخارج في أسفارهم السياحية وهي كثيرة جدا، كما أن هناك إبراء لهم في حديث نبوي شريف يقول "من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"، فلماذا يتزوجون ويربطون أنفسهم إذا كانت الخطايا تغتفر بقول سبحان الله وبحمده مائة مرة؟ ولو أخذنا المحاذير الاجتماعية الصارمة ضد العلاقات العاطفية خارج إطار الزواج، فهذا يعني أن كثيرا من نساء العرب لم يعرفن الحب في حياتهن، وهذه نتيجة منطقية لواقع الحال ولا عجب فيها.&
&
ولا بأس ببعض الصراحة في هذا الموضوع، ففي علم الأحياء (البيولوجيا) يصنف البشر من فصيلة الثديات، وهذه الفصيلة لها صفات خاصة بها وهي أن كل مجموعة إناث لها ذكر واحد وهذا الذكر يميل إلى التجديد في مجموعته وسرعان ما يميز الأنثى الجديدة ليلحق بها، كما أن الذكر ليس لديه غريزة الأبوة، فهو يلقح الأنثى ولا يلتفت إلى وليدها. ونظرا لأن البشر يتفوقون على الفصائل الأخرى من الثديات، فقد قاموا بتأسيس مؤسسة الزواج، وهذه المؤسسة لا تستمر إلا إذا كان طرفاها، المرأة والرجل، على قدر كبير من الحضارة والتهذيب والحكمة، بحيث يوفران البيئة المريحة التي تشجعهما على البقاء. وهذا ما أسماه سيجموند فرويد بالتسامي (sublimation) والمقصود بهذه الكلمة هو أن الإنسان يترفع ويتسامى عن طبيعته البدائية ويضبط غرائزه الهدامة ويقوم بواجباته بشكل حضاري وأخلاقي يقبله المجتمع.
&
فهل مجتمعاتنا متحضرة إلى هذا المستوى؟ إن الجدال القائم على الانطباع لا يعتبر علميا بدرجة كافية، والطريقة العلمية للوقوف على واقع الحب والزواج في مجتمعاتنا هو الاطلاع على الإحصاءات الوطنية في كل دولة، للتعرف على نسبة العوانس والطلاق وجرائم الشرف، وبعدها يستطيع المرء أن يفهم بالضبط واقع الحب والزواج في مجتمعاتنا العربية. إذن فقد حصرت طريقة إشباع الحاجات العاطفية والجسدية بالزواج، فماذا تفعل المرأة إذا كانت التقاليد لا تسمح لها بالحصول عليها خارج مؤسسة الزواج؟ لقد أصبح الزواج عملة نادرة وصارت المرأة تتحمل معظم الأعباء في سبيل الحصول على الأسرة والاستقرار، وهي تغامر بتضحيتها هذه باحتمال فقدان كل شيء إذا استخدم الرجل حقه الشرعي في الطلاق وتعدد الزوجات وعدم حصول المرأة على أية حقوق مقابل سنوات إعداد العش وإنشاء أسرة.&
&
خلاصة القول، إن واقع الحب والزواج في مجتمعنا العربي مترد وشأنه شأن بقية الجوانب الحضارية في مجتمعاتنا هشة وهزيلة. وكل عيد حب وأنتم بخير.&
&