ينشر التحالف الدولي الذي يدّعي محاربة تنظيم "داعش" عشرات الطائرات بدون طيار في الأجواء السورية والعراقية على حد سواء.&

ومن المعلوم أن هذه الطائرات تتمتع بقدرات هائلة لا بل مخيفة، إذ يمكنها أن تحلق لأكثر من 30 ساعة متواصلة، كما يمكنها أن توفّر صوراً عالية الدقة لما يجري على الأرض من تحركات (صغيرة كانت أو كبيرة)، ناهيك عن إمكانية كشف وتتبّع الأهداف المتحركة (أشخاص – آليات وغيرها) بشكل دقيق للغاية.&

من هنا، ينبغي أن نتساءل كيف يمكن لـ "داعش" أن يقوم بإنتاج فيلم أقل ما يقال إنه "هوليوودي – بوليوودي" في فضاء مفتوح، يحتاج عدة أيام على أقل تقدير لتصويره وإخراجه بهذه الجودة والحرفية العالية، من دون أن تتمكن طائرات التحالف من رصد عناصر التنظيم، إن لم نقل قصفهم كونها مزودة بالصورايخ؟!

الملابسات في جريمة إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، مختلفة كلياً عن كل عمليات القتل الأخرى التي نفذها "داعش"، فكل الفواحش والموبقات السابقة كانت عبارة عن حلقات من الذبح البشع، قد تكون تمت في غضون دقائق معدودة، ونفذها 3 أشخاص أو أربعة على أبعد تقدير، لذا ربما يشفع قصر المدة الزمنية وضيق البقعة الجغرافية لطائرات التحالف الدولي في إخفاقها برصد تلك الجرائم، ولكن أن يقوم عشرات "الدواعش" باستعراض سينمائي مخيف في وضح النهار (وهم في حالة حرب)، بما يتضمن هذا الاستعراض من انتشار وحركات مدروسة لـ "الممثلين" الملثمين، فضلاً عن توزيع عدد غير قليل من الكاميرات ومعدات التصوير، من دون أن تتمكن تلك الطائرات من ملاحظة ما يجري أو الاشتباه بشيء ما، فهذا "خللٌ مقصود" يستدعي الكثير من علامات التساؤل والاستفهام وحتى التشكيك.

من كان يريد أن يعرف ولو قليلاً عن قدرات الطائرات بدون طيار، ليس عليه سوى أن يقرأ بضعة سطور عن مئات عمليات الاغتيال التي طالت عناصر تنظيم القاعدة و"طالبان" وحركة الشباب المجاهدين، في كل من أفغانستان وباكستان واليمن والصومال، وعليه أن يعود أيضاً إلى تصريحات الجنرال الإسرائيلي دان حالوتس، الذي عزى الفضل كل الفضل في نجاح سلطات الاحتلال باغتيال العشرات من قيادات وكوادر حركة حماس في فلسطين إلى الطائرات بدون طيارة، تارة من خلال الرصد، وطوراً بالقصف المباشر.

ولعل اللافت في الموضوع، أن أكثر من ثلث ضحايا عمليات القصف تلك، كانوا من المدنيين، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الإسرائيليين والأميركيين ومن خلفهم قوات حلف شمال الأطلسي، لا تأبه لأرواح المدنيين، فبمجرد أن ترصد طائراتهم (مطلوباً) حتى وإن كان في منطقة مأهولة أو مكتظة لا تتوانى عن قصفه ولو للحظة واحدة.

في كثير من الأحيان، تقوم هذه الطائرات لمجرد الاشتباه بشخص ما، بقصف تجمع مدني بالكامل، قبل أن تسارع وكالات الأنباء العالمية إلى تناقل خبر مفاده أن واشنطن أو "الأطلسي" يعتذر ويأسف "بشدة" لخسارة أرواح بريئة قضت في القصف الذي طال هذا البلد أو ذاك، بذريعة أنه كان يستهدف موقعاً عسكرياً لـ "المتشددين" أو "الإرهابيين".

وعليه، كيف يمكن أن نستوعب أن طائرات التحالف التي تسرح وتمرح في الأجواء العراقية والسورية، لم تلمح المشهد الهوليوودي؟ وأبعد من ذلك، كيف لنا أن نصدّق أن قوافل وجحافل "داعش" العسكرية تجوب مناطق شاسعة في سورية والعراق بهذه الأريحية المطلقة؟!&

وفي زحمة الأسئلة، يخرج علينا مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) للتأكيد بأن "داعش" لم يخسر بعد كل هذه الأشهر الطويلة من القصف المتواصل سوى 700 كلم مربع من الأراضي التي يسيطر عليها، أي ما نسبته واحداً في المئة فقط من إجمالي 55 ألف كلم مربع سيطر عليها التنظيم بسرعة "غرندايزر" الخرافية.

وعلى الرغم من إقرار "البنتاغون" بأن التنظيم انسحب من نسبة ضئيلة فقط، إلا أنه يحاول بشتى الوسائل والسبل التقليل من شأن هذا الأمر، بالقول إن "التنظيم المتطرف بات في موقع الدفاع، إذ لم نعد نراه يحاول السيطرة على مزيد من الأراضي بل يسعى لحماية المناطق الخاضعة له".

في المقابل، يخرج قائد سلاح الجو الملكي الأردني اللواء الركن الطيار منصور الجبور، ليؤكد انه "تم تدمير ما يوازي 20 في المئة من القدرات القتالية لتنظيم (داعش) وقتل 7 آلاف إرهابي منذ المشاركة مع قوات التحالف الدولي". إلا أن الأدهى والأخطر من ذلك التقارير التي تحدثت عن أن القوات الأميركية ألقت أسلحة وذخائر عن طريق الخطأ إلى "داعش" في مدينة عين العرب (كوباني)!

ضبابيةٌ ومتناقضةٌ معلومات وتقارير دول التحالف عن التنظيم الأسطوري، فبعضها يقول إن عدد عناصره لا يتجاوز بضعة آلاف، والبعض الآخر يجزم بأنهم يزيدون على 20 وربما 30 ألفاً، على أن أحداً من تلك الدول لم يخبرنا قبل ذلك من هو "داعش"؟ من أين وكيف أتى؟ وبين هذه السؤالين أسئلة وأسئلة ستبقى حتماً بلا أجوبة!

&

صحافي لبناني