الخلود أوالسرمدية والأبدية والأزلية واللانهاية، والكون المتعدد المتضخم éternité et infini , Le multiunivers inflationnaire هذه هي مفردات الكون المتعدد التضخمي فهل سنتمكن من صياغة الجملة الكونية النهائية منها؟

في أواسط سنوات القرن العشرين، أدرك بعض علماء الفيزياء في ذلك الوقت المبكر، أنه حتى لو تم إطفاء الشمس وباقي نجوم مجرة درب التبانة، بل وحتى نجوم المجرات البعيدة الأخرى، فإن الفضاء الكوني لن يكون مظلماً. في واقع الأمر وبالعين البشرية المجردة لن نرى سوى الظلام ولكن لو قيض لعيوننا أن ترى الإشعاعات في مستوى الموجات الميكروية micro-ondes ، فسوف نرى شعاع غير متجانس ينتشر في جميع الاتجاهات. وإن أصل هذا الشعاع هو البداية لأن ما اكتشفه هؤلاء العلماء ما هو إلا موجات شعاع الخلفية الأحفورية الميكروية الذي يملأ الفضاء برمته وهو البصمة الباقية من آثار الخلق الكوني. إن قصة هذا الاكتشاف تتقفى اثر أجمل النجاحات التي تحققت لنظرية الانفجار العظيم، وتلقي الضوء في نفس الوقت على أحد أهم قصورها. ولقد شكل هذا الاكتشاف أرٍضية الثورة اللاحقة في مجال علم الكون الكوسمولوجيا، بعد أشغال وتجارب وأبحاث فريدمان ولوميتر:والمقصود هنا هو النظرية التضخمية. فهذه النظرية عدلت الكثير من الجوانب في نظرية الانفجار العظيم بصيغتها الأولية، وذلك بإدخالها حالة توسعية فجائية مذهلة في اللحظات الأولى للكون مباشرة بعد الانفجار العظيم الذي سمي بالتضخم inflation. وبفضل هذا التعديل الهام تم تفسير بعض الجوانب التي كانت غامضة سابقاً، بخصوص الخلفية الشعاعية الأحفورية المكروية لحدث الانفجار العظيم. واحتل علم الكون التضخمي موقعاً أساسياً في الوصف التاريخي للكوسمولوجيا، فلقد أدرك العلماء آنذاك على نحو تدريجي ، شيئاً فشيئاً، أن الصيغ الأكثر جاذبية وإفتاناً لهذه النظرية التضخمية تقود إلى افتراض إنتاج طيف واسع من الأكوان المتوازية قادرة على إعادة صياغة الواقع على نحو مغاير لما نألفه عنه.

بقايا بداية ساخنة ومضطربة تتسم بالغليان:

في بداية القرن العشرين كان عالم الفيزياء الروسي الضخم الذي يبلغ طوله متر وتسعون سنتمتراً، جورج غاموف George Gamow معروفاً بأبحاثه وتجاربه ومساهماته المهمة في مجال الفيزياء الكوانتية أو الكمومية والفيزياء النووية، ويتمتع بروحية متقدة وتوق للحرية والتمرد.حاول الهروب للمرة الأولى من الاتحاد السوفيتي سنة 1932 برفقة زوجته على متن قارب وبضعة قناني ماء وقطع شكولاته وبسكويت، إلا أن الأمواج دفعت قاربهم إلى الشواطئ السوفيتية من جديد، إلا أن هذا العالم لم يرتبك أو ينهار بل خدع حراس الشواطئ والسلطات السياسية بأنه كان يقوم بتجربة علمية في عرض البحر. وفي سنوات الأربعين تمكن غاموف من الهرب بعد مشاركته في مؤتمر علمي في الغرب حيث خرج ولم يعد وعين أستاذاً في جامعة واشنطن في سانت لوي منذ ذلك الوقت اهتم غاموف بعلم الكونيات الكوسمولوجيا عن قرب وبمساعدة تلميذه المفضل وصديقه الموهوب جداً رالف آلفرRalph Alpher، حيث قدمت أبحاث غاموف وتلميذه في هذا المجال وصفاً دقيقاً وأكثر حيوية للحظات الأولى للكون كانت أكثر تقدماً مما سبقها من أبحاث وتجارب قام بها فريدمان ، وهو بدوره عالم روسي هرب من الاتحاد السوفيتي أيضاً وكان استاذاً لغاموف في جامعة لينينغراد، إلى جانب عالم وراهب بلجيكي لم يكن معروفاً آنذاك هو جورج لوميتر. وتتلخص نظرية غاموف - آلفر على ضوء معطيات وإنجازات التقدم التكنولوجي المعاصر: بأن الكون، عند ولادته، كان لامتناهي في كثافته وسخونته وكان مسرحاً لنشاط يغلي. وفي اللحظات الأولى لولادته، شهد الفضاء توسعاً سريعاً أدى إلى برودة الكون وأتاح لحساء الجسيمات الأولية الناجمة عن البلازما البدائية أو الأولية للتفاعل. وخلال الدقائق الثلاثة الأولى من عمر الكون انخفضت درجة الحرارة بسرعة هائلة ، لكنها بقيت عالية بما فيه الكفاية لكي يظل الكون الوليد يعمل كمفاعل نووي كوني ، يقود إلى عدد لامتناهي من التركيبات النووية واندماج النوى الذرية الأكثر بساطة وهي نوى الهيدروجين والهليوم وبعض آثار من الليثيوم. ولكن خلال بضعة دقائق فقط انخفضت درجة الحرارة بقدر 108 كلفن ، أي حوالي عشرة آلاف مرة أدنى من حرارة سطح الشمس. وحتى لو كانت درجة الحرارة هذه مرتفعة مقارنة بما نألفه في حياتنا اليومية، إلا أنه يمكننا القول أن درجة حرارة الكون باتت منخفضة جداً عما كانت عليه عند الولادة في لحظة الانفجار العظيم مما لا يساعد على استمرار التفاعلات النووية ، فلقد هدأت حركة وهيجان الجسيمات الأولية وما كان يتوقع أن يحدث شيء متفرد لزمن طويل قادم لو لم يحدث ، وعلى نحو مفاجيء، تمدد أو توسع مذهل للكون وبرود حمام الجسيمات.

وبعد مرور 370000 سنة ، وانخفاض درجة حرارة الكون إلى 3000 كلفن ، أي إلى نصف درجة حرارة سطح الشمس، شهد التماثل الكوني والرتابة الكونية قفزة حاسمة، فحتى تلك اللحظة كان الفضاء الكوني مليء ببلازمات جسيمات تتمتع بشحنات كهربائية ، وعلى نحو أخص ، بروتونات وإلكترونات. فالجسيمات المشحونة كهربائياً كان بمقدورها تحريك ودفع وإعادة توجيه الفوتونات ، أي جسيمات الضوء، فالبلازمات الأولية كانت معتمة أو مضببة opaque والفوتونات تتعرض باستمرار للتصادم مع الالكترونات والبروتونات ولم يكن بمستطاعها أن تبث إلا بصيص من الضوء المشتت على غرار مصابيح السيارات من خلال الضباب الكثيف جداً. وما أن انخفضت درجة الحرارة إلى 3000 كلفن ، أبطأت الالكترونات والنوى الذرية حركتها لتتجمع وتشكل الذرات الأولى، فالنوى خطفت الالكترونات التي باتت تدور حولها في مسارات أو مدارات محددة مما شكل خطوة حاسمة في مستقبل الكون. فللبروتونات والالكترونات شحنات كهربائية متساوية لكنها متناقضة واتحادهما الذري يعتبر عديم الشحنة كهربائياً. والحال أن البلازما ذو التركيبة الكهربائية المحايدة يترك المجال لمرور الفوتونات على غرار مرور نصل السكين الساخن في قطعة الزبدة، فتشكل الذرات قشع الضباب الكوني وحرر الصدى الضوئي للانفجار العظيم. ومنذ ذلك الوقت تدور أو ترحل الفوتونات البدائية بحرية في أرجاء الكون. ولكن هناك نقطة تستحق التوقف عندها وهي أنه: حتى لو تحررت الجسيمات المشحونة كهربائياً من التدافعات ، فإن الفوتونات عانت من تأثير آخر لا يقل أهمية. فمع توسع الفضاء كل شيء بات معرضاً للذوبان والتبريد، حتى الفوتونات. ولكن على عكس جسيمات المادة ، فإن الفوتونات المبردة لم تكن فوتونات بطيئة ، ولكونها جسيمات للضوء، فإنها تتحرك دائماً بسرعة الضوء، ولو بردت فإن طاقتها وتردداتها هي التي تقل، وتغير ألوانها. فالفوتونات البنفسجية ستتجه نحو الأزرق ومن ثم الأخضر والصفر والأحمر وماتحت الحمراء ويمكن رصدها بمناظير الرؤية الليلية ، ومن ثم نحو الموجات المكروية وأخيراً مجال الترددات الراديوية.

استوعب غاموف الحالة الكونية التي صاغها نظرياً وقام مساعداه وتلميذاه الموهوبين آلفر وروبرت هيرمان Robert Herman بالحسابات الرياضياتية اللازمة لدعمها بعناية تامة، أكبر بكثير مما وردت في صلب نظرية الانفجار العظيم بصيغتها الأولية. ولقد أصر غاموف على القول أن الفضاء مليء في كل مكان وعلى نحو متماثل بالفوتونات الأثرية الأحفورية التي تولدت في بداية الكون، وهي تتحرك في كافة الاتجاهات ومحملة بتردد متذبذب fréquence vibratoire محدد بعامل التوسع الكوني facteur d’expansion وبرودته، منذ مليارات السنين التي تفصلنا عن لحظة صدورها أو انبثاقها. ولقد بينت الحسابات بأن تلك الفوتونات بردت إلى درجة حرارة قريبة من الصفر المطلق O, K وبالتالي لديها ترددات في مستوى الميكرو موجة أي الموجات المكروية micro-ondes لذلك يجري الحديث عن الخلفية الأحفورية الموجية المكروية للكون.

وكانت نتائج أبحاث هذا الثلاثي التي نشرت في أواسط أربعينات القرن المنصرم بمثابة إنجازات ثورية وأعجوبة في مجال الفيزياء النظرية رغم إن التحليل الرياضياتي لا يتطلب سوى أساسيات جيدة في الفيزياء بالمستوى الجامعي، بيد أن النتائج كانت تأسيسية. حيث يؤكد غاموف ومساعداه أننا كلنا نسبح في حمام من الفوتونات وهو الإرث الكوني الذي تركه لنا الكون عند ولادته.&

لم تلفت مقالاتهم في ذلك الوقت الأنظار لها في الوسط العلمي ومرت دون أن يلتفت أحد لأهميتها الجوهرية، ففي ذلك الوقت كان العز والمجد والهيمنة للفيزياء الكمومية أو الكوانتية وللفيزياء الذرية ولم يكن للكوسمولوجيا أو علم الكون مكانته كعلم حقيقي خاضع للحساب الرياضي ولم يكن الوسط العلمي الفيزيائي أكثر استعدادا لتقبل الأبحاث النظرية الملازمة له.

في سنوات الستينات كان هناك في جامعة برينستون عالمان شابان لم يسمعا من قبل بأبحاث غاموف ومساعديه آلفر وهرمان وهما روبرت ديك وجيم بيبلRobert Dicke , Jim Peebles ، يتبعان نفس التفكير والحدس ولقد فهما واستوعبا هما أيضاً أن ميراث الانفجار العظيم ينبغي أن يكون موجوداً في عمق أو خلفية إشعاعية أحفورية تملأ الكون الحالي ومنتشرة في كل مكان. وعلى عكس فريق غاموف، كان ديك عالم فيزياء تجريبي مشهور ولايحتاج لإقناع أحد للبحث عن شعاع الخلفية الميكروية الكونية الأحفوري في السماء فيمكنه القيام بذلك بنفسه. وبالتعاون مع طلابه دافيد ويلكنسون david Wilkinson وبيتر رول Peter Roll ، تخيل ديك تجربة ليثبت بديهية وجود تلك الفوتونات الثرية للبغ بانغ أو الانفجار العظيم. ولكن قبل أن يتمكن فريق جامعة برينستون برئاسته من تحقيق المشروع تلقوا اتصالاً هاتفياً هو الأشهر في تاريخ الفيزياء والكوسمولوجيا بل في تاريخ العلوم برمته.

فبينما كان ديك وبيبل يقومان بحساباتهما على مسافة اقل من خمسين كلم من جامعة برينستون ، وفي مختبرات شركة بل Bell للاتصالات كان العالمان الفيزيائيان آرنو بينزياس Arno Penzias وروبيرت ويلسون Robert Wilson يعالجان معضلة وجود أصوات مشوشة في هوائي الاتصالات الذي سبق للعالم ديك أن صممه في سنوات الأربعينات لصالح شركة بيل ، وعلى الرغم من كل محاولاتهم ظل الهوائي يسجل ضوضاء خلفية مستمرة لم يفلحا بالتخلص منها. وكانا يعتقدان أن أجهزتهما مصابة بعطل. وتبع ذلك سلسلة من النقاشات أدت إلى التصريح باكتشاف الخلفية الإشعاعية الأحفورية الميكرو موجية المنتشرة للكون. وبدأ كل شيء بمؤتمر نظمه بيبل في شباط 1965 في جامعة جون هوبكنس&

وقد حضر المؤتمر عالم الفلك الراديوي كينيث تيورنرKenneth Turner الذي سبق أن حدث زميله العالم بيرنارد بيورك Bernard Burke بالنتائج التي توصل إليها فريق بنزياس – نيسلون وكان على اتصال ببينزياس. حينها فهم فريق عمل مختبر بيل أن جهازهم هو الذي اكتشف شعاع الخلفية الكونية الميكرو موجية الأحفوري le micro-ondes du fond de rayonnement fossile cosmologique فاتصل بينزياس بديك الذي أكد لهما بسرعة إنهما اكتشفا عن طريق الصدفة أهم اكتشاف علمي في القرن العشرين الذي هو الصدى الباقي إلى اليوم من حدث الانفجار العظيم.

اتفق الفريقان ، فريق بيل وفريق برينستون، على نشر مقالاتهم في نفس الوقت في الصحيفة الفلكية Astronomical journal. قدم فريق برينستون نظريته عن أصل الأشعة الخلفية الميكرو موجية الكونية الأحفوري ، بينما أوضح فريق بيل بلغة تقليدية بعيدة عن علم الكونيات، أي دون الإشارة إلى أية مصطلحات أو مفاهيم كوسمولوجية، اكتشافهم لهذه الأشعة ، ولم يذكر أي من الفريقين الأبحاث السابقة عليهما التي قام بها غاموف وآلفر وهيرمان. ولقد حاز بينزياس وويلسون على جائزة نوبل على اكتشافهما هذا سنة 1978. ولقد أصاب الإحباط واليأس فريق غاموف آلفر وهيرمان لتجاهل جهودهم التي لها الأسبقية في هذا المضمار والمنشورة منذ سنوات سبقت اكتشاف فريق بيل، واحتاج الأمر لسنوات طويلة لكي يتم اعتراف الوسط العلمي وعلماء الفيزياء بفضل وأسبقية غاموف ومساعديه في هذا الاكتشاف الجوهري الهام.

البحث عن نظرية للثقالة الكمومية:

منذ أكثر من قرن كان حلم العثور على نظرية شاملة موحدة توحد بين القوى الجوهرية الأربعة للكون يداعب خيال العلماء ومن بينهم بالطبع كان البرت آينشتين الذي كرس جل حياته العلمية لتحقيق هذا الهدف ولم يفلح. ونظراً لطبيعة التناقض القائمة بين مقومات وحيثيات ومفردات ومعادلات وحسابات النسبية والكمومية أو الكوانتية ، بات لا مفر من إيجاد بديل لهما يضمهما معاً عرف باسم الثقالة الكمومية أو الجاذبية الكوانتية ، أي نظرية تقدم وصفاً كمومياً أو كوانتياً للثقالة أو الجاذبية يكون بديلاً للوصف اللاكلاسيكي الذي قدمته نسبية آينشتين للجاذبية أو الثقالة. لجأ الوسط العلمي لنظرية المجالات أو الحقول لتأطير القوانين الكونية الأربعة للطبيعة وهي الثقالة أو الجاذبية والكهرومغناطيسية والنووية الشديدة والنووية الضعيفة ، وذلك لأن صيغة الحقول أو المجالات هي الأنسب لصياغة الوصف الأكمل لطبيعة عمل الأشياء في الطبيعة من الناحية الفيزيائية. فالنسبية تتكفل بتقديم شرح وافي للتفاعل الثقالي بين الأجسام والكتل والجسيمات، مهما صغرت أو كبرت، والتي بحركتها تقوم بعملية حني للنسيج الزمكاني باعتبار أن الزمكان ليس سوى حقل أو مجال هندسي بالمعني الريماني نسبة للعالم ريمان أي هندسة الانحناء والانطواء وليس الاستواء بحيث تجتاز الأشياء أو الأجسام الزمكان من خلال مسارات جيوديسية، بعبارة أخرى تقوم الجيوميترية الآينشتينية بوصف وشرح التفاعل الثقالي بين الكتل والأجسام المتحركة لذلك اعتبرت النسبية بمثابة نظرية كلاسيكية للمجالات أو الحقول التي جاءت لتحدث انعطافة في الهندسة الاقليدية النيوتنية التي تعتبر الكون مسطحاً بينما نصت النسبية على أن الزمكان منحني أو محدب ومشوه بسبب الكتل والطاقات التي تتخلله خاصة بسبب تحرك الأشياء على نحو. جيوديسي géodésique والذي هو أقرب شيء إلى الخط المستقيم في البعد المكاني المنحني ولهذا الأمر أهمية قصوى على صعيد التطبيفات التكنولوجية العملية كما في أجهزة تحديد الاحداثيات المكانية من الفضاء المسماة أجهزة الــ جي بي أس GPS التي نستخدمها للاستدلال على العناوين في السيارات والهواتف الذكية وغيرها. كما يوجد كذلك وصف كامل للتفاعل الكهرومغناطيسي من خلال نظرية مجال أو حقل كلاسيكية متمثلة بمعادلات ماكسويل. أما القوتين النوويتين فلا يوجد لهما وصف كلاسيكي، كونهما قوتين تعملان أو تؤثران فقط في العالم الميكروسكوبي أو ما دون الذري، و الذي لا تنطبق عليه قوانين الفيزياء الكلاسيكية.

أمكن ” تكميم” الحقل الكهرومغناطيسي عبر طرق رياضياتة تعرف بتكاملات فاينمان للمسار ، و بذلك يصف الكهروديناميك التفاعلات الكهرومغناطيسية على المستوى الكمومي. و مع اكتشاف القوة النووية الضعيفة، تم تكوين ما يعرف بالديناميكا – النكهية الكمومية ، و كذلك بالنسبية للتفاعلات النووية القوية أو الشديدة و الديناميك اللوني الكمومي.

قدمت ميكانيك الكموم أو الكونتا النموذج المعياري لتفاعلات الجسيمات الأولية في إطار فيزياء الجسيمات، ثم تطور هذا النموذج المعياري ليصف التفاعلات الثلاثة بدقة كبيرة، ثم قدم وصفاً مقبولاً لتوحيد القوتين الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة سميت بالقوة الكهروضعيفة. ولم يكن بالإمكان التمييز بين القوتين عندما كان للكون البدئي ، قبل الانفجار العظيم، كثافة طاقة عالية جداً. كما تنبأت نظريات أخرى بحدوث نفس الشيء مع كثافة طاقة أعلى فيما يخص عملية التوحيد مع القوة النووية الشديدة أو القوية. فهناك وصف دقيق لكافة التفاعلات في نظريات المجال الكمومي أو الكوانتي théories des champs quantiques والتي تعرف أيضاً بالانجليزية بنظريات الحقول الكمومية Quantum Fields Theories.

العقبة الكأداء تمثلت بتفرد وتمرد القوة الكونية الجوهرية الرابعة أي الثقالة أو الجاذبية على التوحد. فعند محاولة ” تكميم” الجاذبية، بالطرق المعتادة لفعل ذلك ، إما عن طريق التكميم المخروطي أو تكاملات فاينمان للمسار، ينتهي الأمرفي كل مرة بكارثة رياضياتية، ولم تنجح هذه الطرق بل خرجت بنتائج غير منطقية! مما يعني أن الفيزياء على مفترق طرق فهذا التناقض في الحسابات الرياضياتية بين النسبية والكمومية خلق ما يعرف بشبه الاستحالة لتوحيد القوى الأربعة وإخضاع الثقالة لميكانيك الكموم أو الكوانتوم.

خرجت في الآونة الأخيرة نظريات طموحة مثل نظرية التناظر الفائق ونظرية الأوتار الفائقة والنظرية م أو نظرية كل شيء، وغيرها،&

إلا أنها لم تنضج بعد بما فيه الكفاية للخروج من مأزق التوحيد. لا بد لأية نظرية كمومية للثقالة أن تتعامل مع نظرية المعلومات la théorie d’informations ومع الديناميك الحراري le thermo - dynamique ، وكان مجال التجريب الفكري الوحيد الممكن للجمع بين النسبية والكوانتية هو الثقوب السوداء كما وصفها ونظر لها ستيفن هاوكينغ. فهذه الأخيرة تشبه الفرادة الكونية التي سبقت الانفجار العظيم حيث تتركز وتتكثف كتل هائلة في حيز مكاني بالغ الصغر. و مع تركيز العلماء على الثقوب السوداء، تمكن هاوكينغ من إثبات وجود أنتروبي للثقب الأسود، و بدارسة ( أثر كازيمير) على أفق الحدث للثقب الأسود بين ستيفن هاوكينغ أن تلك الثقوب تشع طاقة عن طريق ما يعرف الآن باشعاع هاوكينغ، أي أنها تتبخر مع مرور الوقت. و من هنا فإن دراسة الديناميك الحراري للثقوب السوداء سيقربنا من فهم تكميم الجاذبية. أما بالنسبة لنظرية المعلومات الكمومية théorie d’information quantique، فهي تعالج أحد أغرب الظواهر الكمومية، المعروف بإسم التشابك الكمومي الذي قد يقدم طريقة لفهم الزمكان كوانتياً أو كمومياً. فأي زوجين كموميين أو كوانتيين، يتصرفان كأنهما كم واحد مهما كانت المسافة القائمة بينهما. فقياس أحد الكمومين يقودنا على الفور لمعرفة حالة الكم الثاني. ولأن القياس يؤدي ” لانهيار ” التابع الموجي، فإن هذا يعني تأثر الكم غير المقاس مباشرة بقياسات الكم الأول المقاس. إلا أن التشابك الكمومي نفسه يعتمد على المسافة بين الكمين، فكلما كان الزوجان الكموميان أقرب لبعضهما، كان التشابك الكمومي بينهما أكبر، و من هنا فإنه بالإمكان قول العكس: كلما كان التشابك الكمومي بين زوجين كموميين أكبر، كانت المسافة بينهما أقل، مما سيساعدنا على فهم أفضل لمفهوم المسافة. ففي الكون البدئي لم تكن هناك مسافات وكانت القوى الأربعة متحدة كما يعتقد أغلب علماء الفيزياء، حيث كانت الطاقة ذات كثافة مهولة لا يمكن للعلماء اليوم الإتيان بمثلها في مسرعات الجسيمات مهما تقدمت تكنولوجياً، وبالتالي شبه استحالة اكتشاف جسيمات الثقالة الجاذبة وهي الغرافيتونات لكونها ضعيفة ولا تتفاعل بسهولة مع باقي المجالات أو الحقول الكمومية. فالطريقة الوحيدة الممكنة نظرياً لاكتشاف أو رصد الغرافيتونات هي الموجات الثقالية التي تم اكتشافها مؤخراً.

&

إن العقبة الأساسية للجاذبية أو الثقالة الكمومية gravité quantique هي أبعادها الضئيلة للغاية التي تتعاطى معها هذه النظرية حسب العلاقة القائمة بين ” الأبعاد الضئيلة” والطاقة وفق المعادلة التالية E = hc/λ. والحال كلما زدنا من مستوى الطاقة وحشرناه في حيز مكاني صغير للغاية كلما ساعدنا على توفير ظروف نشأة ثقب أسود وفق المعادلة التالية Rs= 2MG/c^2 والمعروفة بعلاقة نصف قطر ( شفارزتشايلد) حيث لو وصلت الطاقة لدرجة ما تكافىء كتلة بلانك، والتي تساوي تقريبا 22 ميكروغرام، مضروبة بسرعة الضوء، ففي هذه الحالة سيتكون ثقب أسود مجهري ، و يزداد نصف قطره بزيادة الطاقة وفقا للمعادلة المذكورة أعلاه. وبالتالي هناك محدودية بكمية الطاقة التي نستطيع حشرها في مجال ضيق “لرؤية” أبعاد أدق.

فالعلماء والباحثون يتنافسون اليوم على صياغة هذه النظرية الشمولية التي تعرف بنظرية كل شيء وكان آينشتين أحدهم قبل بضعة عقود، والتي من المفروض أنها ستكون البديل عن جميع القوانين والفرضيات والنظريات الكلاسيكية تصاغ على نسق واحد يسهل الرجوع إليه على كافة الصعد والمستويات ، من المستوى الذري ومادون الذري ، أي اللامتناهي في الصغر، إلى المستوى الحياتي واليومي وما يتجاوزه أي اللامتناهي في الكبر أي عالم الكواكب والنجوم والمجرات والعناقيد المجرية والسدم الكونية.

ولكن قبل الخوض في ذلك علينا أن نتذكر بعض السمات التي تميز الجسيمات الأولية وأهمها ازدواجية الطبيعة المادية في مستوياتها الذرية وما دون الذرية فهي في آن واحد موجة وجسيم حبيبي، وبات مقبولا اليوم اعتبار جسيمات الضوء أي الفوتونات والجسيمات الأخرى، وهي تتصرف كموجات وكجسيمات ذرية ومادون ذرية، فالضوء الذي نراه في حياتنا اليومية يحتوي على عدد هائل من الفوتونات، فالمصباح العادي الذي لا تتعدى قوته وات واحد يصدر مايزيد عن مليار فوتون في الثانية. وهذه الجسيمات الأولية تخضع لمبدأ عدم اليقين أو مبدأ الريبة لهايزنبيرغ الذي وضعه سنة 1926 principe d’incertitude وينص على عدم قدرتنا على عمل القياس المتكرر لمدخلات معينة، مثل موقع وسرعة الجسيم في نفس الوقت. فحسب هذه الخاصية، فإن حاصل ضرب مبدأ الريبة أو عدم اليقين في موقع الجسيم ، أو في عزمه، ، وهو حاصل ضرب كتلة الجسيم في سرعته، يعطينا نتيجة لا يمكن أن تكون أصغر من كمية محدد تعرف بثابت بلانك constant de Planck ، فكلما كنا دقيقين في قياس سرعة الجسيم أو الفوتون كلما أصبحت الدقة معدومة في قياس موقعه والعكس صحيح. فالطبيعة لا تفرض نتائج أية عملية أو اختبار أو تجربة حتى في أبسط أوضاعها بل تسمح باحتمالات عديدة، فكل حالة تمتلك إحتمالية حدوث معينة، وبالتالي تقودنا الطبيعة إلى الموافقة على صورة جديدة للوجود المادي. فبمعرفة وضع نظام معين في وقت معين، تعمل قوانين الطبيعة على إيجاد احتمالات مستقبلية وماضوية بدلا من إيجاد وضع مستقبلي وماضوي واحد لهذا النظام. والجدير بالذكر بخصوص الطبيعة الاحتمالية للتنبؤات الفيزيائية، هو أننا يجب أن نميز بين الإحتمالات في الفيزياء الكمومية أو الكوانتية وتلك الموجودة في الفيزياء النيوتنية أو الاحتمالات العادية في حياتنا اليومية. فالاحتمالات في الفيزياء النووية والذرية تعكس العشوائية الابتدائية في تصرف الطبيعة والنموذج الذري للطبيعة يحتوي على أساسيات تتعارض مع تجاربنا اليومية وتقديراتنا الحسية والشعورية ومنطقنا البشري، بالرغم من غرابة الأمر على غير المتخصصين. من السمات الغريبة للفيزياء الكمومية أو الكوانتية وهي أن مراقبة ومشاهدة النظام من شأنه أن يغير مجرى أحداثه ، أي إن عملية المشاهدة تؤثر على النتيجة الحسابية للقياس وكذلك نوعية أجهزة القياس، بمعنى آخر إن فيزياء الكموم أو الكوانتا تلزم بأنه حتى تتم المشاهدة يجب على المشاهد أن يتفاعل مع الجسيم الذي يشاهده ويقيسه، وهو أمر في حد ذاته شديد الغرابة وما يزال العلماء يسعون لمعرفة لغزه. بتعبير آخر تقول الفيزياء الكمومية أو الكوانتية أنه على الرغم من بديهياتنا ومسلماتنا بشأن الواقع فإن الماضي، الذي لم نقم بمشاهدته، كما هو المستقبل الذي لم يحدث بعد ولانعرفه، هما غير مؤكدان على نحو قطعي لأنهما يتواجدان في حيز من عدة احتمالات، وبالتالي فإن العالم ، وفق الميكانيك الكمومي أو الكوانتي، لا يوجد له ماضي واحد أو تاريخ واحد، بل عدة تواريخ وأحوال ومواقع محتملة.

الأمر الذي لا يجب أن ننساه هو معلومة باتت جوهرية اليوم وهي عدم وجود فراغ مكاني أو فضاء خاليمن كل شيء، فالجسيمات ، من كل نوع ، تنتشر بصورة دائمة في الكون، وذلك لأن الفضاء الخالي أو الفارغ يعني أن قيمة الحقل أو المجال ودرجة تغيره هو صفر بالضبط، وإذا لم تكن درجة تغيير الحقل أو المجال صفراً فهذا يعني أن الفضاء لن يضل خالياً ، وبما أن مبدأ عدم اليقين أو مبدأ الريبة لا يسمح لقيمة الإثنين ، أي المجال ودرجة تغييره، في أن يكونا دقيقان ومضبوطان في آن واحد، لذا لا يمكن للفضاء أن يكون فارغاً أو خالياً بل هو في وضع الممكن للطاقة الأقل أو الأدنى مستوى ، أو القريبة من الصفر لكنها ليست صفراً، وهذه الحالة تسمى تذبذبات أو تقلبات الفراغ الكمومية أو الكوانتية fluctuations quantiques de vide أو تذبذبات وتقلبات بالجزيئات والحقول أو المجالات القافزة في الوجود وخارجه، وهذا يعني أن الشيء ممكن أن يتواجد من اللاشيء عندما يكون المجال الذري ومادون الذري، خاضع لتقلبات الفراغ الكوانتي أو الكمومي وهو بالانجليزي Vacuum Fluctuations and Quivering in and out of Existence. وبالإمكان تصور تذبذب الفراغ كزوجين من الجسيمات أحدهما قرين الآخر، مساوي له بالمقدار ومخالف له بالشحنة ويظهران مع بعض في وقت معين ثم يبتعدا عن بعض فيحدثان طاقة صغيرة في الفراغ ومن ثم يتقابلان ليقضي أحدهما على تأثير الآخر أو يفني أحدهما الآخر وتصبح الطاقة في الفراغ في هذه اللحظة صفراً وهذه الجسيمات افتراضية particules virtuelles إذ لا يمكن كشفها عن طريق كاشف الجسيمات على خلاف الجسيمات الواقعية المرصودة ولكن من الممكن قياس تأثيرها غير المباشر كالتغيير الصغير في الطاقة الذي تحدثه في المدار الإلكتروني للإلكترون ، وباتفاق تام مع التوقعات أو التنبؤات النظرية. بيد أن هناك مشكلة تتعلق بامتلاك الجسيمات الافتراضية للطاقة ، وبما أن هناك عدد لانهائي من هذه الأزواج الافتراضية من الجسيمات فهناك إذا كمية كبيرة من الطاقة لايمكن إهمالها، مما يعني أن هذه الجسيمات الافتراضية تعمل على إنحناء العالم إلى قياس لانهائي في الصغر. وعلى ضوء ذلك ظهرت نظرية التماثل أو التناظر الفائق super symétrie عام 1976 في محاولة لإيجاد النسخة الذرية للجاذبية أو الثقالة، وهذا يعني أن لكل جسيم قرين مساوي له بالمقدار ومخالف له في الاتجاه ، أي إن جسيم القوة وجسيم المادة هما في واقع الأمر وجهين لعملة واحدة، فكل جسيم مادي مهما صغر كالكوارك على سبيل المثال، لديه قرين هو جسيم القوى أو الطاقة مثل الفوتون لذلك يعتقد العلماء أن الجاذبية الخارقة أو الثقالة الفائقة هي الاحتمال الأقوى المرشح للإجابة على مشكلة توحيد الجاذبية مع القوى الجوهرية الثلاثة الأخرى في المستوى الذري وما دون الذري أي في مستوى اللامتناهي في الصغر.

لنعد إلى النظرية الكلية الموحدة والشاملة والوحيدة أو نظرية كل شيء، لكون اتضح أنه غير متجانس أو متسق أو متماثل في جميع أجزائه والذي تختلف قوانينه حسب مستوياته فلكل مستوى قوانين تختلف وتتباين بل وتتناقض مع قوانين مستوى آخر كما شاهدنا في مستوى اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر. والحال إن تعدد النظريات ومعادلاتها الرياضياتية تكمل بعضها الأخرى. فالكون يتجلى لمراقبيه على عدة صيغ ونماذج كل واحد منها يشرح ويوضح جانب من جوانب الكون ولا بد من التوصل في يوم ما إلى نموذج موحد يشمل كافة النماذج المعروفة والمدروسة في الوسط العلمي.

يتبع

&