في أحاديثهم الموثقة ‏ يطالب قادة المحاصصات في الدولة العراقية، بتسليح العشائر العراقية، في مخالفة جنونية تناقض نهظة مجتمع يطمح بالتسلح بالعلم والثقافة والألتزام بالقيم الحضارية ومناهجها التعليمية المدنية. وتبدو الصورة غائمة وكأن قائلهم يقول "ألى الجحيم بهذه الدولة "، والى الجحيم أيضاً بكل ماهو تمكين توافق المكونات المذهبية لصيانة وحدة العراق ومايصبو إليه عامة العراقيين.&

المخيف والمذهل أنه ليست في ذهنية قادة العراق "العاملين للصالح العام" كما يقولون ولا في قاموس كلماتهم اللغوية الواعدة بتسليح عشائر عراقية بالسلاح والعتاد، أي حذر من بعثرة الأسلحة وتوزيعها للعشائر، وهم عارفون مقدماً أنها مؤججة، بدورها، في أستمرار الصراع الزمني وتوسيعه والمتاجرة بأبناء العراق ‏ وإزدياد العنف الأسلامي في محافظات العراق المضطربة.&

وأساساً أقفُ في صف المناوئين والمعترضين على تسليح وتسليم الدولة مقومات وجودها الى مليشيات وتوزيع السلاح على أبناء العشائر على الطريقة الليبية واليمنية والسورية والصومالية. وأقف مع ضرورة إبقاء السلاح بيد سلطة الدولة، وتصرفه بقيد مسجل وموثق رسمياً لقوى الأمن.

تخرجُ المكاتب الاعلامية التابعة للرئاسات الثلاثة والحكومة والمجلس النيابي العراقي ببيانات صحافية تتوافق فقط مع عقلية عشائر العراق وبداوتها، ومن هو شيعي ومن هو سني ومن هو كردي، ‏وتُندد "بشكل خاص " بتشكيلات المتطوعين في الحشد الشعبي وتتهمهم بأرتكاب بعضهم جرائم ضد أبناء هذا المكون أو ذاك ‏ وتطالب في نفس الوقت، الحكومة ((وهم منها وفي قمتها)) بضرورة تسليح مواطني عشائر محافظات ‏الأنبار ونينوى وصلاح الدين من السُنة وأبنائهم وعشائر محافظات الجنوب الشيعية وأبنائهم، مما يوسَع إنغماسهم كقادة سياسين في مشاريع دعم العنف الأسلامي الذي تتبناه تركيا وإيران وتوسيع رقعة الصراع بدلاً من حصره، والذي مازال يستعر ويدفع ثمنه مئات الالاف من خيرة شباب العراق بعسكرة المجتمع العشائري والبدوي لقاطني هذه المحافظات.&

ماالذي أدركه قادة العراق من تنظيم "داعش" وعشائر البيجات والبو ناصر التكريتية الذين أعدموا المئات من المتدربين الطلبة ‏العسكريين في قاعدة (سبايكر) الواقعة شمال مدينة تكريت وسجن بادوش بمدينة الموصل، ‏عندما فرضوا وأتموا سيطرتهم منذ منتصف شهر حزيران من العام الماضي؟ ومازالت عوائل ‏الضحايا تلتمس من القيادات التحقيقية كشف مصير الضحايا المفقودين من أبنائهم والوصول ‏بنتائج التحقيق الى نهاية مفصلة لايلفها غموض. ‏

ومع أن خبرة الكثير من المسؤولين العراقيين ليست عسكرية ومقصورة على شراء العقارات وتوظيف أموال في شركات خارج العراق ‏، فأن توجهاتهم السياسية تُسهم في تأجيج الأعمال الطائفية والغليان الشعبي بأدعاء من يُمثّل السُنة أو الشيعة بدلاً من تمثيل أهل العراق. كما أنه إنفراد البعض بمعانقة ممثلي دول أجنبية، والشكوى إليهم برغبته الشخصية لدعم مليشيات جيش النقشبندية والجهاد الأسلامي بالاسلحة ورجال وأبناء العشائر يُمثّل فقدان صدق النوايا وإختياره (بكلامه المُوثق) للنقمة والحقد والأنتقام وأستمرار القتال بين مكونات العراق المذهبية وعشائره التي وتتماشى مع رذيلة الأكاذيب والعنف الأسلامي.&

يعرف هؤلاء القادة المزورون ومنذ إشغالهم مناصب قيادية في الدولة الى اليوم ‏ بانهم يضعون العراق وأبناءه امام خيارين أحدهما أخطر من الآخر. الأول منهما دعواتهم المكرّرة تسليح ابناء محافظة الانبار عشوائياً والمساومة على تشريع العنف الأسلامي ‏ دون ضوابط وخروج عن وضع القيادات العسكرية وتشكيلات متطوعي الحشد الشعبي للعمل تحت تصرف المحافظ ومجلس إدارة المحافظة ومسؤوليها الأمر الذي قد يُسبب سقوط قاعدة عين الاسد الجوية في الانبار بيد تنظيم داعش ‏. والخيار الأخر تماديهم في إهانة مكونات الشعب العراقي وتحطيم معنويات القوات المسلحة العراقية ‏ وإستماتتهم في إخراجها ((تحت أردأ الظروف ‏)) من المحافظات المضطربة التي تنتشر فيها قوى الأرهاب والقتل وتسليم الأمور الى قيادات جيش النقشبندية وفصائل حركة الجهاد الأسلامي ومليشيات شيعية والغيمة السوداء الجديدة لعصابات داعش التي حلت على أرض الرافدين.‏&

زيادة كميات الأسلحة تعني زيادة أعمال الأرهاب وتشريع القتل. تسليح أهالي الموصل والعشائر السنية ومنها حركات متطرفة ((النقشبندية والجهاد الأسلامي ))، دون معرفة أحد مصير هذه الأسلحة وأي يد شيطانية مجرمة تملكتها بعد دعوات النجيفي الى إخراج القوات المسلحة العراقية من محافظة نينوى ومدنها، لتقع في عهده أكبر كارثة حلّت بتاريخ العراق بدخول ووصول همج داعش البغدادي وسقوط المحافظة وتوسع نطاق المساحة الجغرافية لأمراء وعصابات دولة الخرافة الأسلامية.

وتحت أردأ الظروف، طالبَ أهل العراق بنزع السلاح من يد المليشيات الشيعية والسنية الغير منضبطة وعدم المساومة على تسليم السلاح وتحكيم هيئات العشائر بغياب الدولة، وعدم إشراك وإدخال تركيا وأيران ودول عربية،تحترم حريات شعوبها، في الصراع الداخلي العراقي، وكان النداء الوطني موجهاً الى سياسيي العراق بضرورة فهم وحدة مكونات العراق وإحترام عقائدهم ودياناتهم.&

&القضاء على أرهاب داعش لا يتم بتسليم أسلحة الى أبناء العشائر ولا باستدعاء ومقابلة ممثلي الأمم الأجنبية وحثهم على تزويد أبناء العشائر بالاسلحة وكثرتها، وانما بسياسة متفتحة غير طائفية تؤمن بالشعب وتعايش أبناء قواته المسلحة. السنوات والشهور الماضية بقيّت جوفاء دون أي إنجاز يُذكر ماعدا خلق الأزمات، وخلقَ صورة مشوهة لزعامات عراقية وقدرتها في العمل لتحقيق الأمن والأستقرار، وصورة مُشوهة أخرى لمكونات العراق المذهبية التي كانت سبباً في إبتعاد ونفور الكثير من المواطنين من أبناء العشائر عنهم وإستمرار هجوم انتحاريين على بغداد والمحافظات الأخرى.&

وبينما يثير قادة الكتل في بياناتهم مسألة الوضع السياسي والامني في العراق ‏ ومناقشة مشاريع قرارات الحرس الوطني وتعديلات قانون المساءلة والعدالة لاجتثاث البعث، يبقى كيان الدولة مهدداً، وتبقى مناقشاتهم وشكليتها ودورانها "دون حلول" وتساؤلات ومخاوف عن مستقبل العراق، وتضيف غيوم سوداء مضرة بالعراق من داخل المؤسسة العراقية المعاقة ‏والمُعوقة للتحضيرات الحكومية المرجوة لتحرير مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق من سيطرة "داعش". ويلوح في افق العمل تساؤلات عن " المزاج المتغير " للنجيفي وتناقض أقوله" بأن قوة التحرير ينبغي ان لا تكون من مكون واحد فقط إنما قوة مشتركة تضم مواطني المحافظة كافة فضلاً عن القوات العسكرية " التي رفض وجودها سابقاً.&

يوجد في العراق حالياً أكثر من 3 ألاف مستشار أمريكي في مهمة لايعرف أحداً إمكانية قيامهم بواجبات التدريب والاستشارة اللوجستيكية نظراً لتدخل شخصيات حكومية مدنية في العمل التكتيكي والأستراتيجي،وأبطلت فعالية العمل الميداني بصيغ مختلفة ‏، الأمر الذي قد يُسبّب كارثة ‏أخرى. وتُشارك هذه الشخصيات وزارة الدفاع المسؤولة الأولى في مسؤوليتها وواجباتها في فترة حرجة للغاية ينبغي فيها ترك توجيه العمل العسكري للقوات العراقية ومهنتها وشرفها وإكسابه جدية الدعم السياسي لتحرير محافظة الموصل والأنبار والمحافظات الأخرى وفهم مايبتغي عمله لإنجاح عملياتها الميدانية دون تحويل الصراع الخارجي الى صراع مكونات داخلي وتحكيم عشائري يزيد من عمق الكراهية بين المواطنين‏ وغياب لوجود الدولة ‏.&

&

باحث وكاتب سياسي&

&