&
يُكرّس إعلام "المقاومة والممانعة" جل اهتماماته للتهجم على سياسات الدولة الأردنية، بما فيها الحرب التي تُشن ضد داعش، مع أن المفروض أن هذا التنظيم الإرهابي عدو للطرفين، وهو إعلام يدخل مؤخراً من "باب أقفل الاجتهاد فيه" يرى أن الأردن كيان وظيفي، وأنه رغم عدم توفر الإمكانات الفعلية لأداء تلك الوظيفة، يتنطع لأداء أدوار أكبر من قدراته الفعلية بكثير، مستغلاً جريمة القتل البشعة للطيار معاذ الكساسبة، فيتصرف على أنه في حرب مفتوحة ضد التنظيم الإرهابي، تتجاوز الدور الذي كان مُحدداً له في التحالف الدولي القائم، وكأن على الأردن أن ينتظر أوامر من هنا أو هناك ليرد على قتلة الكساسبه. نعترف أن سايكس بيكو أغفلت منطقة شرق الأردن من إنشاء الكيانات القطرية، واعتبرتها منطقة عازلة بين تلك الكيانات والكيان الصهيوني، غير أن الحقيقة تفرض على الآخرين الاعتراف بأن وصول الملك عبد الله الأول إلى هذه المنطقة، لم يكن بهدف تكريس هذا المفهوم، وأن هدفه الذي ظل حياً في وجدانه، هو دمشق باعتبارها عاصمة سوريا الطبيعية، بغض النظرعن الكيانات التي نشأت فيها، ولنا أن نلاحظ أن معظم مساعديه السياسيين كانوا من سوريا الطبيعية، فأول رئيس وزراء للدولة الأردنية الناشئة كان درزياً من لبنان، ومعه عدد كبير من أركان ثورة الحسين على الدولة العثمانية، وأن عليهم الاعتراف بأن قيام الدولة الأردنية أفرغ فكرة المنطقة العازلة من مضمونها الاستعماري، ليس فقط بسبب رغبة عبد الله الأول في تنفيذ حلمه، وإنما أيضاً بسبب وجود قوى وطنية أردنية، اعتبرت الصهيونية عدواً ليس لفلسطين فحسب وإنما للأمة العربية جمعاء. قبل إنشاء الدولة لم تكن منطقة شرق الأردن مجرد صحراء، يتنقل فيها مجموعات من البدو الرُحّل بحثاً عن الماء والكلأ، ولا مُجرّد قُطاع طرق يستهدفون قوافل الحجاج المتوجهين إلى الحجاز، كانت حواضرها مزدهرة "السلط والكرك وعجلون"، كان فيها علماء مسلمون يجتهدون، وللتذكير فإن الشيخ علي الكركي أسس فكرة ولاية الفقيه، وهو الذي تعود أصوله الى قبائل عاملة، التي رفضت التسنن الذي فرضه صلاح الدين الأيوبي على الكرك الشيعية آنذاك، وهاجرت إلى جنوب لبنان والهرمل وبعلبك، حسب العديد من دراسات المؤرخين المحايدين، وهي الفكرة المطبقة اليوم في الدولة الأساس في حلف المقاومة والممانعة، وعلى رمال صحرائها قاومت القبائل الأردنية الغزو الوهابي، ومن الإجحاف اليوم إنكار كل ذلك، والتشبث بالتسمية الاستعمارية "المنطقة العازلة"، بينما يتم الترويج لكل الكيانات التي أنشأتها سايكس بيكو. الدولة الأردنية ظلت "دولة قومية" في عهد الملك المؤسس والملك حسين من بعده، وبينهما الملك طلال الذي لم تسعفه حالته الصحية على ممارسة مهامه، بعد هؤلاء جاء عبد الله الثاني ليطرح " الأردن أولاً" متنازلاً عن حلم أبيه وجده، إلى أن ولدت داعش بكل همجيتها وانحرافها عن الدين، وهددت كل دول المنطقة والسلم العالمي كما ينبغي القول، ثم ارتكبت جريمتها البشعة بحرق الطيار الشهيد معاذ الكساسبه، فكان لابد للأردن من الدفاع عن وجوده وأمنه، قبل أن يصل الخطر إلى حدوده، باعتبار أن الهجوم هو أفضل طرق الدفاع، وهو إذ يدرك أن التدخل البري ضد دولة الخرافة لم يعد مستبعداً، نشر قواته المسلحة على الحدود الأردنية العراقية، وتفاوض مع العراقيين على كيفية التعاون للقضاء على خطر الدواعش، صحيح أنه لم ينسق مع الجيش السوري المنشغل بقتال مع العديد من التنظيمات المتطرفة، لكن من الإثم إرجاع ذلك إلى الزعم بأنه يؤيد جبهة النصرة، التي يقال دون أي أدلة أو إثباتات أنها تتلقى دعماً أردنياً مباشراً، وعلى أصحاب هذه الترهات إدراك أن الأردن جزء من تحالف دولي، قام لوأد دولة الخرافة، وملتزم بأهداف ذلك التحالف دون أي مواربة، وواضح حجم التهافت في دعوته للانضمام إلى حلف المقاومة الذي يقاتل أعداء الرئيس الأسد في جنوب سوريا، باعتبار ذلك مقدمة لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر وضمها إلى الدولة السورية، دون أي اعتبار لرأي الشعب الفلسطيني. لاينكر الأردن دولة وشعباً وفي حالة نادرة من التوحد، استعداده لأداء دور رئيسي في الحرب ضد داعش، جواً اليوم وبراً إن اقتضى الأمر، ومن الظلم الزعم بأنه يحشد لذلك باستثمار دم الشهيد الكساسبة محلياً، وإن كان له الحق في ذلك، أما الاستناد في تحليل كنا نأمل أن يكون عقلانياً ومنطقياً الى أنه "يتردد" أن النظام الأردني كان يخطط لتورط أكبر في الجنوب السوري، بالتنسيق مع المسلحين وكيان الاحتلال، وأن اكتشاف ما كان يجري تدبيره، هو الذي سرع عملية شهداء القنيطرة، التي ينفذها محور المقاومة في أرياف دمشق ودرعا والقنيطرة، فهو ليس غير فهلوة سياسية المراد منها تبرير المشاركة العسكرية الإيرانية في الدفاع عن النظام السوري. لايؤدي الأردن اليوم دوراً وظيفياً، ولا يتطلع إلى دور قيادي في الحرب ضد داعش، وافتراء الزعم بأن عبد الله الأول أصر على قيادة تحالف الجيوش العربية، التي قررت جامعة الدول العربية الدفع بها إلى فلسطين عام 47 لمجرد أداء دور وظيفي، فقد حافظ الجيش الاردني بدماء الشهداء على الضفة الغربية، واحتفظ بالقدس إلى أن ورّط عبد الناصر وبعثيي دمشق حفيده الحسين في حرب 67 ، فتم ضم ما تبقى من فلسطين التاريخية إلى إسرائيل التي تواصل الزعم بأن شرقي النهر، هو أيضا جزء من فلسطين، والمثير للاسهجان أن بعض العرب، وكثير منهم يؤدون دوراً وظيفياً مدفوع الثمن في حلف المقاومة والممانعة، يؤيدون ذلك نكاية بالهاشميين والأردنيين في آن معاً.
&