في المقالين السابقين ( اليمن والرقص مع الأفاعي / من داعش الى الحوثيين..ثم الى أين؟) تحدثنا عن التصور المرحلي المستقبلي للشأن اليمني الداخلي ومدى إمكانية حدوث حالة من التصادم والاقتتال المستقبلي كما نراها اليوم , ومسار وأهداف حزب أنصار الله "الحوثيين" ونطاق تحركهم , وعلاقة الأحزاب والقوى السياسية الأخرى فيما يجري على الأرض والتحالفات التي ممكن أن تنتج عن ذلك نتيجة الحالة اليمنية الراهنة والتي لم يكن أخر التوقعات الصائبة لها ظهور تنظيم داعش على الأرض اليمنية " تم مؤخراً مبايعة جزء من أفراد القاعدة لتنظيم داعش ونقض بيعتهم لـ أيمن الظواهري الى أبو بكر البغدادي ! ". مضافا اليه قتال العديد من القبائل السنية في جنوب وشرق اليمن مع أفراد تنظيم القاعدة صفاً الى صف ضد الحوثيين ومن تبعهم !.

وفي خضم الأحداث اليمنية تمت استقالة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي وأعضاء حكومته نتيجة لتخلي الحوثيين عن التزامهم لما جاء ببنود اتفاقية السلم والشراكة الموقعين عليها واستيلائهم على السلطة لاحقا بالقوة "نتيجة للفراغ السياسي" بما سمي بالإعلان الدستوري من قبل الحوثيين وتعيين محمد علي الحوثي رئيسا لليمن لمدة سنتين ! ووضع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وأعضاء من حكومته تحت الإقامة الجبرية – انقلاب كامل المواصفات – ومقاطعة العديد من الاحزاب لعملية الحوار التي يقودها المبعوث الأممي جمال بن عمر وصولا الى حالة الاقتتال الحالي من العديد من القبائل ضد الحوثيين نتيجة رفضهم إنقلاب الأخير وصد توسعه على الأرض.

إلا ان هذا السرد للوضع الداخلي اليمني لا يرتقي للصورة البانورامية الكاملة للمخطط النهائي المراد تطبيقه بالمنطقة من قبل القوى الخارجية وما سيتلوه من إرهاصات؟. وتصبح الرؤية السياسية ضيقة وخادعة إن اعتبرنا ما يحدث باليمن هو شأن داخلي محدود النطاق!

المخطط الغربي للعالم العربي ابتدأ "ولازال" بمنهجية الفوضى الخلاقة عبر ما سمي بالربيع العربي ( أحد الأغطية السياسية لتحقيق إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة لصالح الغرب ولصالح إسرائيل مقدماً ). ولتحقيق تقدم في هذا الأمر كان لابد من إيجاد بؤر يتم اعتمادها كركائز تغذي هذا المخطط ويتم إحاطتها بالوسائل السياسية كملحقات داعمة.

كان أسهل الطرق وانجعها سياسياً هو استخدام عامل الدين في المنطقة والنحو لتوظيف المذهبية والطائفية به كأدوات من جانب. إضافة الى استغلال عامل الإختلاف الفكري داخل المجتمعات الإسلامية نفسها ( مفهوم الجانب السياسي في الإسلام لدى البعض مقابل الإدبيات الفكرية الغربية التي ممكن أن يُشكل منها تضاد لسابقتها متى ما أريد ذلك ) من جانب أخر.

اعتمدت الخطة لتفتيت الدول العربية واعادة رسم المنطقة "سياسيا في آن وجيوسياسياً بآن أخر" من جديد على تغليب أحد الفئات على البقية , ليحتدم الصراع أكثر فأكثر مجتمعياً ولتنشئ نقطة اختلاف دائمة بالإمكان الرجوع لها مستقبلا حسب التقلبات السياسية المستقبلية عطفاً على المصلحة الغربية ( نفذ جزء من هذه الخطة في بعض الدول ويزمع سحبها على البقية حسب تآتي الظروف ).

ويمكن مشاهدة هذا الانحياز الغربي الفئوي في القسم الشرقي من العالم العربي " العراق وسوريا واليمن والبحرين على استحياء " لجانب الطائفة (الشيعة على حساب السنة) بينما نشاهد الانحياز على الجانب الغربي من العالم العربي " ليبيا ومصر وتونس " لعامل الإختلاف الفكري وليصب في صالح ( الأحزاب ذات الطابع الديني ). وإن تقهقر مرحلياً في الأخيرتين " مصر وتونس " لوجود ردة فعل مضادة لم تكن في الحسبان !. على أن خدمية هذا الانحياز ليس بالضرورة ان تؤدي الى حالة عالية من التمكن على الأرض بوقتها فطالما انه أوجد حالة من التوتر يمكن الرجوع لها لاحقاً فمنفعته تبقى قائمة.

في كلا الحالتين السابقتين لا تمثل تلك الفئات التي يتم الانحياز لها من الغرب آنيا إلا أدوات ضمن عملية التفتيت والتشكيل المستهدفة للمنطقة (دون النظر الى مصلحة الشعوب) ولا يمكن الركون لها "أي تلك الفئات" من الغرب استراتيجيا لمعلومية وجود التضاد القائم معها على نفس الأرض أو محيطها دائما , إضافة الى عدم وجود حالة من الطمأنينة المستدامة بأن لا تخرج تلك الفئات عن نطاق حدود ما رسم لها مستقبلاً أو تغير تحالفاتها.

لا يصح الحديث بانفراد عن المصالح الغربية بالمنطقة العربية بعيدا عن المصالح الروسية فيها أيضا , فروسيا تمثل نقطة الإرتكاز والداعم الرئيسي للنظامين السوري والإيراني. والأخير يتواجد على الأرض بصورة مباشرة وعبر المليشيات التابعة له في سوريا والعراق ولبنان وتمدد دعمه مؤخراً لحزب انصار الله "الحوثيين" في اليمن!

لايمكن فهم تراجع الدور الأمريكي بالمنطقة العربية سياسياً " وبالأخص في شبه الجزيرة العربية " وتقدم الدور الروسي فيها ( من خلال إفساح المجال لحلفائها كإيران بالتوسع الجيوبوليتيكي ) أن لم تكن هناك تفاهمات سرية مسبقة بينهما على المصالح والأدوار في المنطقة بغض النظر عن الخلافات الجانبية بين الطرفين (الأمريكي والروسي) في الشؤون الأخرى التي تخص الجانب الشرقي من أوربا "فما يُشكل بين القوى العظمى هناك قد يحل جزء منه هنا !". ولا يستبعد أن يعود الدور الروسي بالقريب العاجل بصورة مباشرة الى اليمن من خلال دعم الحراك الجنوبي الداعي لفصل واستقلال الجنوب عن شمال اليمن , بعد أن يمكنه الحوثيين "حلفاء حلفائه" من تقديم المبررات السياسية التي تقود لذلك ! والمؤشرات جلية على ذلك من خلال التوافق السياسي بين الحراك الجنوبي الداعي للإنفصال وبين حزب انصار الله "الحوثيين" مضافاً اليه الدعم اللوجستي السياسي المقدم من روسيا للحوثيين بوقوفهم بجانب رفض أي إدانة للحوثيين بعد إنقلابهم الأخيرعلى الشرعية!

وضمن هذا السياق التفاهمي حدث بالأمس القريب أن قال مبعوث الأمم المتحدة لسوريا "ستافان دي ميستورا" بأن الأسد يشكل جزء من الحل !. وهذا بحد ذاته يمثل تحولاً جوهرياً بموقف الأمم المتحدة اتجاه الأحداث الدامية بسوريا وموقفها من النظام السوري أساساً ! ولا يضاهيه بذلك التغايرإلا نظيره جمال بن عمر "مبعوث الأمم المتحدة لليمن " ونظرته التفاؤلية لعقد الحوار مجدداً بين أطراف النزاع في اليمن بعد ان قاد بنفسه مسبقا توقيع اتفاقية السلم والشراكة والتي انقلب عليها الحوثيين لاحقاً. وكانه بذلك يشرعن لهذا الانقلاب تحت مسوغ القوة والأمر الواقع!

من المسلمات السياسية أن القوى العظمى تحض على عدم التدخل بشؤون الدول الأخرى وتجرم التدخل العسكري فيما بينها.إلا ان هذا الشعار لا ينطبق عليها أو على من توكله بهذه المهمة ! وما قامت به ايران كمثال إقليمي من التدخل بالِشأن الدولي العراقي والسوري مباشرة أو عبر أسنادها للمليشيات والأحزاب المدعومة من قبلها كما في لبنان واليمن وبعض دول الخليج يقع ضمن خصوصية الوكالة المعفاة من المسائلة!

وربما ينتظر حسب هذا التصور من بقية شعوب وحكومات دول المنطقة أن تستسلم لهذا الواقع ( تسوير المنطقة للإنقضاض عليها نحو العمق ) دون ان تتدخل وفقا لمصالحها أو تدافع عن نفسها ! فعملية اقتلاع لبنة من جدارك وأنت موشح وجهك عن الفاعل ربما سهل عليه الأمر حينها لابتلاع منزلك بأكمله لاحقاً!

وقفات:

*في السياسة صدق ماتراه على أرض الواقع لا ما تسمعه فالتمدد الحوثي باليمن لم يكن وليد الصدفة وتهاون المجتمع الدولي لما حدث من انقلاب على الشرعية باليمن يمهد لإتساع الخطر على دول مجلس التعاون الخليجي كافة – هكذا يراد له - وعلى دوله أن تعنى بشؤونها ومصالحها "بيدها" قبل طلب المساعدة من المجتمع الدولي وتسويفه فلكل مصالحة التي يسعى لتحقيقها ! وعبرة المناشدات السابقة من قبل دول مجلس التعاون الخاصة بالعراق وسوريا ماثلة نتائجها أمام الأعين.

*الحدود الدولية السعودية باتجاه الجنوب يجب ان تؤمن من حالات التسلل والتهريب فالخلايا النائمة قد توقض بساعة الصفر للمشاغلة! وقد تُستغل العاطفة الشعبية بالتغاضي عمن دخل للبلاد خلسة تحت مبرر العوز والحاجة ! والتشدد لمخالفي نظام الإقامة وخصوصاً العمالة الغير نظامية وبائعي الطرق ( وما أكثرهم ) أمر واجب!

*من لا يعتبر بأحداث التاريخ فربما فوت أخر الفرص .

&

كاتب في الشأن السياسي والاقتصادي

&