الهجرة وهروب الأدمغةْ

للتركيز على ما فعله نظام ولاية بالإنسان الإيراني وبالاقتصاد الإيراني استميح القراء بالتيّمن بالقرآن الكريم في وصف النظام الحاكم في إيران بقوله تعالى:

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ. وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ. وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (سورة البقرة 204 -206). صدق الله العظيم.

حقيقة إذا نظرنا لما قاله خميني منذ اليوم الأول وما يقوله زعماء هذا النظام حتى اليوم ونقارن أقوالهم بأفعالهم لنجد أنهم أكبر مصداق لهذه الآّية الكريمة. لذا كان من الأجدر أن يكون عنوان مقالاتنا هذه «نظام ولاية الفقيه =إهلاك الحرث والنسل». وبعد ما عرضنا مأساة إيران والشعب الإيراني سيجد القارئ أن هذا النظام الذي يدعي الإسلام والدفاع عن الدين أبعد ما يكون عن هذه القيم والمثل. ولأن نظام الملالي لم ينجز سوى الفقر والقمع والفحشاء والفساد والغلاء والمجاعة والإدمان للأغلبية الساحقة من أبناء الشعب.

هذه «الإنجازات» وغيرها الكثير مما يُماثلها أدّت إلى تحقيق «إنجازات» أخرى على صعيد التراجع في مختلف المجالات ولا سيما الإنسانية والمعيشية، لعلّ أول ما يُطالعنا فيها إتساع دائرة هروب الأدمغة من إيران إلى شتى أنحاء العالم. وهذا ما تقوله الإحصائيات. فمنذ أوائل التسعينات من القرن الماضي بدأ أكثر من 150 ألف إيراني من أصحاب الأدمغة بمغادرة البلاد كل عام. إلى جانب هجرة ما يقدّر بنحو 25 بالمئة من مجموع الإيرانيين الذين تلقّوا التعليم العالي إلى ما بعد المرحلة الثانوية، وهذا ما أكدّه تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي عام 2009 في إشارة إلى أن إيران تتصدّر قائمة البلدان التي تفقد النخبة الأكاديمية المتخصّصة لديها بمعدّل خسارة سنوية تتراوح بين مئة وخمسين ألف إلى مئة وثمانين ألف من المتخصّصين، هذا دون أن نَحصى الأعداد الكبيرة من الذين نزحوا هرباً من حملة القمع السياسي التي جاءت عقب احتجاجات الشعب الإيراني عام 2009. ثم عاد نفس الصندوق في العام 2013 فصنّف إيران في المركز الأول بين دول العالم بالنسبة لهروب الأدمغة خلال الأعوام الأخيرة الماضية، حسبما أوردت ذلك صحيفة انتخاب بتاريخ 15 أيار / مايو 2014.

ووفقاً للإحصاءات الحالية فإن أكثر من 250 ألف طبيب ومهندس إيراني، وكذلك أكثر من 170 ألف من حاملي الشهادات العليا يعيشون في الولايات المتحدة فقط. أما التقارير الرسمية المقدّمة من دائرة الهجرة والجوازات عام 2008 فتقول أنه تمّ تسجيل أعداد المهاجرين من البلاد بحثاً عن حياة أفضل بمعدّل 3.2 أشخاص من حملة شهادة الدكتوراة يومياً، و15 من حملة الماجستير، والمئات من حملة شهاداة البكالوريوس في التخصصات المختلفة، وقد اعترف وزير العلوم والتكنولوجيا والبحوث السابق رضافرجي دانا بأن الأعداد الهائلة من النُخب التي تترك إيران هرباً من وضعه القاسي تُقدَّر بمئة وخمسين ألف سنوياً. وكما جاء على لسان حسن حسيني نائب رئيس المعهد الوطني للنُخَب المختارة، حسب إذاعة « بي بي سي» في 2 تموز /يوليو 2013 أن 308 من حائزي ميداليات الأولمبياد و350 من بين أفضل الفائزين في الإمتحانات العامة في البلاد قد هاجروا من إيران ما بين 2003 و2007.

فليس من المستبعد أن نسمع من مراكز الإحصاء الأميركية لتقول أن الجالية الإيرانية في الولايات المتحدة هي الجالية الأعلى تثقيفاً من جميع الجاليات الأخرى التي تعيش في أميركا.

أما بالنسبة لمجموع أعداد المهاجرين إلى الخارج من مختلف أطياف الشعب الإيراني فقد تصاعدت ووصلت لأول مرّة في تاريخ البلد إلى ستّة ملايين، منهم حوالي مليوناً ونصف في الولايات المتحدة،

وأكثر من نصف مليون في كل من تركيا والإمارات، و400 ألف في كندا، و230 ألف في ألمانيا، و155 ألف في فرنسا...

وفي المجال نفسه صرح جواد قوام شهيدي الأمين العام لمجلس الإيرانيين المقيمين خارج البلاد أن عدد الجالية الإيرانية يشكل 7بالمائة من نسمة البلاد ما يعادل عددا يترواح بين 5 إلى 6 ملايين، وذلك بناءا على ما نقلته عنه إذاعة صوت أمريكا في 11 ديسمبر 2014

وذكرت الوكالة الرسمية للأنباء -إيرنا ـ في 12 يناير 2014 استشهاد رئيس الجامعة الإسلامية الحرة حميد ميرزادة بتصريحات وزير العلوم حول إحصاء هروب الأدمغة إلى الخارج قائلاً إن 150ألف شخص يغادرون البلد سنوياً، وأضاف قائلاً: إذا كانت تكاليف دراسة كل شخص من المدرسة الابتدائية حتى الدراسات العليا تساوي مليون دولار في البلاد، فستلحق من جرّاء مغادرة 150ألف شخص البلد سنويا خسائر وأضرار تقارب مرة ونصف المرة من خسائرالحرب المفروضة [الحرب الإيرانية العراقية] وهي تبلغ أكثر من 97مليار دولار طبقا لإحصائيات الأمم المتحدة.

فإذا كان القمع والإرهاب هما السبب الأقوى وراء هجرة الأغلبية العظمى من هؤلاء، فإن الوضع الإجتماعي وحالات الفقر والإدمان تُعدّ من الأسباب الأساسية الأخرى. ومن بين العوامل التي تسهم في هجرة العقول هي وجود الرفاهية الاقتصادية والآفاق التعليمية الأفضل في الخارج. وتمثل عدم قدرة النظام على الاستجابة لاحتياجات مواطنيها، إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة والنقص العام في الأمن الفكري والاجتماعي، جميعها عوامل تساهم في هجرة العقول. بالإضافة إلى أن الرقابة الذاتية تمنع الناس من التفكير والكتابة بحرية، كما أن وجود مثل هذا القيد يجعل البحوث العلمية سواء كانت علمية أو اجتماعية صعبة للغاية.

وإذا أردنا أن نعود قليلا إلى الوراء فإن الهجرة من إيران بدأت بعد فرض القمع الشامل والإعدامات السياسية في الثمانينات وبعد خطة التجنيد الإجباري أثناء الحرب الإيرانية العراقية.

قبل ذلك أغلق النظام جميع الجامعات الإيرانية من خلال «الثورة الثقافية» التي أمر بها خميني. وآنذاك تحدث خميني في 31 أكتوبر عام 1980عن هجرة الأدمغة بقوله:

"إنهم يتحدثون عن أن هناك هجرة للعقول. دع هذه العقول المتهالكة تفر. لا تحزنوا عليهم، ودعوهم يواصلوا إثبات هوياتهم في الوجود. هل كل عقل يتميز بـ - ما تطلقون عليه - علم؛ جدير بالاحترام؟ هل علينا الجلوس والحزن لهربهم؟ هل علينا أن نقلق لهرب هذه العقول إلى الولايات المتحدة أو بريطانيا؟ دع هذه العقول تفر ويحل محلها أخرى مناسبة أكثر... لماذا تتناقش مع هذه العقول العفنة [لهؤلاء] الأشخاص الضائعين؟... هل هم يفرون؟ ليهربوا إلى الجحيم جميعًا. دعهم يهربوا. فهم ليسوا علماء. هذا أفضل. لا تهتموا. فهم عليهم أن يهربوا. [إيران] ليست المكان المناسب لهم ليعيشوا فيه. وهذه العقول الفارة ليست ذات فائدة لنا. دعهم يفروا.”

وإذا أخذنا في الاعتبار بأن خميني وأفكاره مازالت تسيطر على الحاكمين في إيران وهم يطبّقون أفكار خميني باستمرار، وخامنئي ليس سوى تلميذ بارع لخميني فنصل إلى ما نقلناه من القرآن الكريم بأن هذا النظام حقيقة أهلك الحرث والنسل في إيران.

الحلقة 2