&
استغربت جدا من ردة فعل مضيفنا عندما غضب علي بشدة، لأنني لم أبق الباب مفتوحا لمن يريد الدخول بعدي في الدائرة التي ذهبنا اليها لانجاز عمل ما، مما دفعه الى المسارعة لابقاء الباب مفتوحا.
في تلك الفترة التي زرت فيها ذلك البلد الأوروبي لم يتم اكتشاف تقنية فتح واغلاق الأبواب بشكل آلي، بل كانت الأبواب تفتح وتغلق باليد وكان التقليد السائد في ذلك البلد (وهو تقليد أخلاقي جميل جدا) هو أن من يدخل أي مكان عام وفيه باب، يستوجب عليه إبقاء الباب مفتوحا للذي يريد الدخول خلفه مباشرة، ومن الطبيعي أن التالي سيشكر الشخص الذي أبقى الباب مفتوحا له.
&
هذا نموذج بسيط وصغير جدا على تعايش الجاليات المسلمة مع العادات والتقاليد السائدة في المجتمعات الغربية، واذا كان المسلمون يحترمون الى هذه الدرجة التقاليد الاجتماعية، فما بالك بالقوانين السائدة في تلك البلدان.
&
أكاد أجزم ان المسلمين من أكثر الجاليات تعايشا واندماجا مع المجتمعات الغربية، على الرغم من ان الكثير من القوانين والعادات والتقاليد لا يجيزها الاسلام، فلم نسمع على سبيل المثال ان مسلما قام بتفجير دائرة حكومية فرنسية لأنها منعت ارتداء الحجاب على المسلمات مما أرغم زوجته أو ابنته على التخلي عن الخروج للشارع أو عن عملها لكي تبقى محافظة على حجابها، ولم نسمع أيضا ان مسلما اغتال مديرة أو مدير مدرسة لأنهما أرغما ابنته المكلفة شرعيا على الدخول الى درس السباحة المختلطة.
&
لا أحد ينكر وجود قوانين راقية في الدول الغربية، وفي مقدمتها بعض قوانين حقوق الانسان، ويعود الفضل في اندماج وتعايش المسلمين مع المجتمعات الغربية بالدرجة الأولى الى دينهم العظيم وليس للعقوبات التي تفرضها الدول الغربية على من لا يحترم تلك القوانين، وعندما نرى أن المسلم يندمج بسلاسة مع القوانين الغربية لأن الاسلام يتضمن تلك القوانين، وبالتالي فان المسلم مهيأ لتنفيذ تلك القوانين، بل ان الكثير من المسلمين اضطروا الى هجرة بلدانهم، ليس لأسباب اقتصادية وأنهم كانوا فقراء ومعدمين في بلدانهم وانما لأن الحكومات في بلدانهم لا تحترم الانسان فما بالك بحقوقه، واذا رأينا ان قمية الانسان وكرامته ومهدورة في البلدان الاسلامية، فلأن الاسلام لا يُطبق في هذه البلدان.
&
هذا لا يعني انه ليس لقاعدة تعايش المسلمين مع المجتمعات الغربية شواذ، بل هناك مسلمون ينتهكون القوانين، غير ان الأغلبية متعايشة وهذا هو المطلوب، بما ان المسلمين أقلية في المجتمعات الغربية فعليهم أن يتعايشوا مع أوضاع وظروف تلك البلدان وليس من المنطق أن يطالب المسلمون تطبيق الاسلام على الأغلبية غير المسلمة، لكن لو جئنا وعكسنا الآية، فهل يا ترى الحكومات الغربية متعايشة مع المسلمين ولا تتدخل في شؤون بلدانهم وتتعامل بندية معهم، أم انها تفرض ارادتها عليهم؟
&
ما يحدث في الظاهر والعلن ان الحكومات الغربية تتدخل في كل شاردة وواردة وصغيرة وكبيرة في البلدان الاسلامية، اما ما يحدث في الخفاء فأعظم وأكبر فلا يكف الغرب عن حبك المؤامرات وتنفيذها ضد الدول الاسلامية، ولا يكاد يمر يوما إلا وهناك مؤامرة جديدة، ويأتي دعم الأنظمة الاستبدادية في العالم الاسلامي من أكبر المؤامرات التي تنفذها.
&
منذ أن خلق الله البشر والى يومنا هذا كان القوي يهاجم الضعيف ليحقق المزيد من الرفاهية لنفسه ولعائلته ان كان فردا، ولحكومته وشعبه ان كان دولة، ولكن بما أن تجربة الاستعمار المباشر فشلت ودفع المستعمرون أثمانا باهضة لاستعمارهم لذلك فان الأقوياء بدأوا ينفذون طرق ملتوية لنهب ثروات الشعوب وفي مقدمة هذه الطرق هو أسلوب الترهيب والترغيب الذي تمارسه ضد الحكومات، فلكي يرغم القوي الحكومات على الاستجابة لمطالبهم يرغبها ببعض الامتيازات التي ربما تكون وهمية، وفي نفس الوقت يهددها من خطر داهم ربما يكون وهميا.
&
هذا اذا كانت الحكومة تتمتع بنوع من الاستقلالية، أما الحكومات (البايعة ومخلّصة) كما يقول المثل العراقي فلا يستخدم القوي معها الترغيب والترهيب وانما يوجه لها طلبات وأوامر مباشرة.
ربما هناك من يقول، بما أن الشعب شاء أن يكون ضعيفا فعليه أن يدفع ثمن ضعفه، والحقيقة انه لا أحد يريد أن يكون ضعيفا، بل أن الانسان مفطور على تحقيق التطور والتقدم سواء على الصعيد المادي أو المعنوي، وهناك جملة من العوامل تمنع تقدمه وتطوره وفي مقدمتها السلطات الحاكمة التي تتمتع بدعم كبير من الدول القوية.
&