لايبدو في الأفق ولا الواقع الميداني الخاص بالعمليات العسكرية أية نهاية قريبة أو هزيمة مؤكدة لداعش التي تنطلق في إرهابها بإسم " الدولة الإسلامية في العراق والشام" هذا رغم مرور أكثر من ستة شهور على التحالف الدولي الذي أعلنته الولايات المتحدة لمحاربة داعش، وبدأ عمليات القصف الجوي ضد مواقع التنظيم في سوريا والعراق، ويضمّ هذا التحالف الدولي دولا عظمى مثل الولايات المتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا، ودولا ذات قوة مثل أستراليا وإيطاليا وبولندا والدانمرك بمشاركة دول عربية هي الأردن والسعودية ودولة الإمارات العربية. ومن يتخيل أنّ هذا التحالف الدولي بمشاركة هذه الدول العظمى وآلياتها العسكرية المتقدمة لم يتمكن خلال أكثر من ستة شهور ليس من هزيمة داعش بل أيضا من وقف تمددها الميداني وتصاعد عملياتها الإرهابية التي تفاجىء العالم يوميا بنوعيات جديدة من الإرهاب الذي تطور من قص الرقاب وحرق الأسرى والصحفيين إلى تدمير كامل لآثار الحضارة وتماثيلها كما ما زال يحصل في مدينة الموصل شمال العراق حيث يقوم التنظيم بتدمير الآثار الآشورية ومتحف الموصل الذي يعتبر من أهم وأقدم المتاحف في العالم. وهذا السلوك الداعشي الخاص بالآثار ليس غريبا على ثقافة متوارثة وسلوك مماثل بل أكثر همجية، إذ تمّ قبل ذلك قصف الكعبة المشرّفة وحرقها مرتين في زمن حكم الأمويين وأيضا بسبب خلافات على الحكم والسيطرة كما هو في حال داعش الآن. وهذا الحرق والقصف بالمنجنيق للكعبة تمّ المرة الأولى في زمن حكم "يزيد بن معاوية" بقيادة "الحصين بن النمير" في عام 64 هجري، والثانية في زمن "عبد الملك بن مروان" بقيادة "الحجاج بن يوسف الثقفي" في العام 73 هجري. فلماذا نستغرب تدمير داعش للآثار الأشورية التي يراها البعض تماثيل وأصنام يجوز ويجب تدميرها، عند قيام الأمويين قبل ذلك بمئات السنين بتدمير الكعبة وقصفها بالمنجنيق وحرقها رغم مكانتها الدينية في القرآن والسنّة وكافة المسلمين. وتسير داعش على خطى شقيقتها الشرعية الأكبر منها عمرا و الأسبق في تنفيذ نفس الجرائم و هي "طالبان" الأفغانية الباكستانية التي أقدمت في عام 2001 على تدمير أشهر تمثالين لبوذا في منطقة هزارستان في وسط أفغانستان، على اعتبار أنّها اصنام تتم عبادتها من البعض وهذا يتنافى مع تعاليم الإسلام.

لماذا نهاية داعش غير قريبة؟
أسباب ومعطيات ميدانية كثيرة تدعم هذا الرأي أهمها:
1 . الامتداد التاريخي والموروث الديني المتعارف عليه سواء أكان مطابقا للشريعة الإسلامية أم مخالفا لها، فهو موروث سائد ومنتشر وممارس علانية وبكثافة في المناهج التعليمية والثقافة المنزلية والعامة، وهذا ما يفسر التحاق ألاف& بداعش وأخواتها حيث تقدّر بعض المصادر قوة داعش التنظيمية بما يزيد على خمسين ألفا، ومئات منهم التحقوا بداعش قادمين من دول أوربية ديمقراطية ولدوا وتربوا فيها، وهذا ما يفسر سيطرتها المستمرة على منطقة الرقة السورية وصولا لمدينة الموصل العراقية، وضمن هذه السيطرة تقع مناطق وآبار نفطية تدرّ على داعش دخلا بملايين الدولارات. وهذه السيطرة المستمرة لداعش دعت قوة رئيسية في المنطقة هي تركيا إلى نقل وتهريب رفات "سليمان شاه" جد مؤسس الدولة العثمانية من منطقة "قرة قوزاق" بريف حلب شمال سوريا إلى داخل الأراضي التركية لعجز قوة الحراسة والحماية التركية التي كانت تحرس ضريحه داخل الأراضي السورية منذ عشرات السنين، مما يعني أنّ داعش لا تهاب ولا تخاف قوة الحراسة هذه ولا الدولة التركية التي تقف وراءها، وكان ليس مستبعدا تدمير الضريح نفسه.

2 . خشية وخوف كافة دول التحالف الدولي المذكور من بدء حرب برية ضد مواقع داعش لمعرفتها مسبقا بجسامة الخسائر البشرية التي ستتكبدها في هذه المعارك حيث تمركز قوات داعش المسبق في مواقعها يجعلها أقدر على عمليات الكرّ والفرّ وحرب العصابات والكمائن، وبالتالي فإنّ مجرد القصف الجوي الحالي من حين لآخر لن يؤدي لهزيمة ونهاية قريبة متوقعة لداعش وقواتها، ولن تجرؤ دول التحالف مجتمعة أو اية دولة منفردة على دخول حرب برية ضد مواقع داعش وامتداداتها.

3 . الاستنساخ والتفريخ في داخل هذه الجماعات الإرهابية بشكل سرطاني لا يجعل نهايتها مؤكدة فمن القاعدة إلى طالبان إلى جبهة النصرة إلى جند الله إلى أنصار الإسلام إلى داعش وامتداداتها من الرقة إلى الموصل إلى ليبيا وتهديدها لدول مجاورة لسوريا والعراق. فهذا التفريخ السرطاني يقول أنّ القضاء على داعش كبنية تنظيمية سينتج عنه مولود جديد بإسم جديد ينتهج نفس الإسلوب والإرهاب.

4 . مصلحة بعض الأنظمة في المنطقة من بقاء داعش وأخواتها خاصة نظام بشار الأسد في سوريا الذي قدّمت له داعش خدمة عظمى حرفت أنظار العالم عن جرائمه بحق الشعب السوري طوال ما يزيد على أربعة سنوات، رغم أنّ جرائم داعش المدانة والمرفوضة لا تقاس بالكيماوي والبراميل المتفجرة التي يستعملها نظام بشار وأوقعت حتى الآن ما يزيد عن ربع مليون قتيل سوري وخمسة ملايين لاجىء وصلوا لكافة القارات. وكذلك تذبذب الموقف التركي الذي له علاقة بنهوض الحلم الكردي السوري في حال القضاء على داعش ووجودها في المناطق الكردية السورية ، مما سيشجع نهوض الحلم الكردي في المناطق التركية.

كل هذه العوامل والظروف تقول،
لانهاية قريبة أو هزيمة متوقعة لداعش وأخواتها وإن اختفت داعش كتنظيم واسم وخلافة مزعومة ، فسوف يولد من رحمها الإرهابي اسم وتنظيم ارهابي جديد، وبالتالي فلن تعرف المنطقة العربية الهدوء والأمن الكاملين طالما المعطيات السابقة موجودة وتنمو في أوساط الثقافة والتربية والأنظمة العربية حيث ترى بعض القوى أنّ إرهاب وتسلط داعش وأخواتها لا يقلّ ولا يختلف عن إرهاب غالبية الأنظمة العربية وتسلطها القمعي، وهكذا فالوطن الموصوف ب "العربي" بين خيارين أحلاهما قتل وقص رقاب وسرقة ثروات الشعوب، أي ما بين داعش و الأنظمة العربية.
www.drabumatar.com
&