مع بداية السنة الجديدة أقامت حوالي مئة من النساء في لوس أنجلس في أمريكا صلاة الجمعة النسوية الأولى من نوعها. أقيمت الصلاة في مركز مفتوح لنشاطات جميع الأديان ورغم أن الإعلام لم يركز على تفاصيل المكان إلا أنني أشك أن أي من مراكزنا الإسلامية كان ليوافق على أن يسلم نفسه لتقام فيه صلاة جمعة للنساء فقط. رأيت أحد الأصدقاء يضع الخبر ويعلق عليه مازحا "وبلا منّية الرجال."
ابتسمت وأنا أقرأ ذلك وتذكرت كل المرات التي ذهبت فيها للمسجد وتوجهت إلى الخلف بجانب دورات المياه ورفوف الأحذية أو إلى القبو المعتم وأنا أفكر أن هذا خطأ وتعمق إحساسي بهذا الخطأ أكثر عندما أصبحت يد ابنتي الصغيرة في يدي وأنا أقودها معي إلى تلك الأماكن المهمشة والمظلمة. عندما سمعت عن هذه الصلاة تمنيت لو أني كنت قريبة منهم لأشارك بها وتخيلت نفسي أدخل إلى قاعة الصلاة الواسعة التي بإمكاني أن أجلس في أي مكان منها. واسمع صوت امرأة ترفع الأذان ثم استمع إلى الخطبة التي تعطيها امرأة أيضا وأجد نفسي وروحي وعقلي في مكان واحد لا تناقض أو تصارع فيه بين جوانبي المتعددة هذه. تساءلت بصوت عال عن الرجال الذين يمكن أن يروق لهم مرافقة زوجاتهم إلى مثل هذه الصلاة فقال زوجي "دعيهم يجربوا الجلوس في الخلف أو في القبو هذه المرة."
هذه الصلاة النسائية هي أحد الردود التي سنشهدها على تهميش المرأة واحتكار الرجال للمسجد ودفعها إلى خارج دائرة التفكير والقرار مرارا وتكرارا وخاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا الدين مع أن المرأة طبعا تمثل نصف عدد من يمارسون هذا الدين! ولكن هل يكون الحل بالإنفصال؟ بإيجاد مساحة نسائية يهمش فيها الرجل كما فعلت النسوة في لوس أنجلس؟ وكأن المسجد لا يمكن أن يسع الجميع وأنه لا بد وأن يكون أحد الطرفين مهمشا في الخلف أو في القبو. نريد مكانا نقف فيه متساويين ونحن نسعى لنجد روح الله التي نفخها فينا جميعا كما ستقف أرواحنا متساوية بين يديه يوما ما.
حين أرى مناقشات حول قضية المرأة في الإسلام فلا بد وأن يظهر ذلك المغوار ليستل النصوص من غمدها ويقطع رأس المناقشة وينهي المعركة. وكثير ممن يهرب إلى النصوص لإثبات مكانة المرأة الدونية في الإسلام هم من النساء أنفسهن بكل أسف. بالطبع من يناقش هذا لا يعتبر أن ما يدافع عنه هو مكانة دونية. "بل العكس تماما" تقول محاورتي لتوضح أن حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" ليس ضد المرأة.
"اشرحي لي كيف يكون هذا الحديث لصالح المرأة ومكانتها؟" أسألها.
"لأن الله تعالى ورسوله يعلمون أن المرأة ناعمة وضعيفة ورأفة بها وبطبيعتها هذه أزالوا عنها حمل الولاية أو الأمارة والحكم."
أنا أحك رأسي حتى أستطيع فهم المنطق.
ثم تكمل "بالإضافة لذلك هي تحيض وتحمل وتلد فلن يكون عندها الوقت والقدرة على أعباء الحكم. وفي الأساس مهمة الأمومة أعلى مهمة والمرأة يجب أن تهتم بأولادها وأسرتها وترعاهم، وايضا لأن الأسرة تفسد بدون تفرغ الأم."
أنا ما زلت أحك رأسي.
وتنهي بالضربة القاضية "ونحن لا نعلم حكمة النص المقدس أصلا لذلك يجب أن نتبعه من دون تساؤل لان هناك حكمة ربانية لهذا الحكم قد لا نفهمها نحن."
لن يفيد حك رأسي أكثر لأنني لن أرى المنطق الذي يقبع خلف هذه الكليشات والأجوبة الجاهزة الصنع التي يرميها عبّاد النصوص في وجه من يتساءل عن حكمة وصحة وضرورة هذه الأحاديث.
ولكن المثير للاستغراب أنهم لا يرون تناقضا بين هذا الحديث مثلا وذكر ملكة سبأ في القرآن. لم يعترض القرآن على منصبها كملكة ولكن القصة التي دارت بينها وبين النبي سليمان كانت عن دعوته لها لعبادة الله بدل الشمس. عدا عن موضوع العبادة فإنها ذُكرت بشكل إيجابي حيث أنها استشارت من حولها فيما يدعوها إليه سليمان "قالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ." وبالنسبة للأمومة ووضع المرأة الناعم الضعيف فإن القرآن لم يقل "والضعيفات فلا حرج عليهن إن لم يقمن بأن عمل ذي قيمة". بل يقول الله تعالى في القرآن "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً." والعمل الصالح كما أراه يتضمن جميع ميادين الحياة.
برأيي مشكلتنا ليست مشكلة نص أو قال الله أو قال الرسول. مشكلتنا أننا نعظم الذكورة في مجتمعاتنا بشكل عام، والعربية بشكل أخص، وهذا التعظيم ينعكس على باقي قناعاتنا واعتقاداتنا. ولو أننا أردنا أن نعطي المرأة مكانها الطبيعي بجانب الرجل لما وقفت النصوص في وجهنا لأننا كمسلمين استطعنا أن نتجاوز النصوص في سبيل تحقيق العدل من قبل مع قضية أخرى إن كنتم تذكرون؟
فعندما أصبح بيع وشراء الإنسان شيئا غير مأسوف عليه من عبء الماضي لحق المسلمون بركب الحضارة وقالوا لا يوجد تناقض عندنا أبدا. على العكس ديننا حثنا على عتق الرقبة في كثير من الأحاديث والآيات وهذا يعني أن الإسلام كان يشجع على إلغاء الرق والرسول الكريم حرر الكثير من البشر المستعبدين بنفسه. هنا لم تصبح آيات ملك اليمين أو الأحاديث التي تتحدث في هذا الشأن أزمة نصية لا يمكن تجاوزها. تجاوزناها وقلنا هي حالة تاريخية معينة وانتهت. وهكذا التزمنا بالأمر الإلهي الواضح في القرآن "إن الله يأمر بالعدل والإحسان."
وكما استطعنا تجاوز نصوص مقدسة واضحة لمجاراة العصر ومفهوم العدل الحالي في مسألة الرق نستطيع أن نفعل الشيء نفسه مع قضية المرأة لولا هيمنة العقلية الذكورية العنجهية بشكل كبير.
الكثير من الأدلة التاريخية متاحة لإيضاح روح المشروع الذي نرى بذوره واضحة في الإسلام. بعد أن كان وأد البنات شيئا متعارفا ومتقبلا جاء محمد واعتبرها جريمة نكراء وأوصى بأن يُحتفل بقدوم البنت بما يعرف بالعقيقة. نعم عقيقة البنت نصف عقيقة الولد ولكن المسافة التي قطعها الإسلام هي المسافة بين قبر في الرمال ووليمة على شرفها. وهذه المسافة أكبر بكثير من المسافة بين خروف أو خروفين في الوليمة. وبعد أن كانت المرأة هي نفسها جزءا من الميراث يرثها رجال العائلة أصبحت من الذين لهم حصة في الإرث. نعم مرة أخرى حصتها نصف حصة الذكر ولكن النقلة النوعية التي حصلت في الإسلام بإعطاء المرأة جزءا من الميراث كانت تاريخية.
أذكر هذه الأمثلة لأشرح أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جاء برسالة رفعت من مكانة المرأة بالنسبة لسياقه في الزمان والمكان. ولكن ما حدث أننا علقنا بتلك القفزات التاريخية التي حدثت في عهد محمد ورفضنا أن نلتزم بهذا المنهج ونقوم بقفزاتنا نحن في سياقنا، بل لم نغير أي شيء فيها، مع أن مفهوم العدل والمساواة قد تغير في العالم. وبسبب تحجرنا وتمسكنا بالنصوص حرفيا أصبحت تلك القفزات التاريخية التي قام بها الرسول وضعا غير مناسب للمرأة في هذا العصر. وبدل أن نحافظ على روح الإسلام التي جاءت لتحسين وضع المرأة أصبحنا نستعمل الإسلام لندافع عن دونية المرأة وبفخر. يضع المفكر الجزائري مالك بن نبي يده على الجرح عندما يشرح كيف نبرر الظلم الإنساني ببعد سماوي.
سيعود العدل والإحسان الذي أمر به الله. إن لم يكن اليوم ففي يوم قادم. وسيكبر أبنائنا وبناتنا ليكونوا المثال الحي لآية "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون." ويتميزون بمعرفتهم ونجاحهم وإبداعاتهم الفنية وحبهم للأخرين ولن يكون لأحد منهم فضل على أحد إلا من عمل صالحا.
&