المشهد العراقي يمر برحلة مؤلمة. وجاء تأكيدها في كلمة السيد ابراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي خلال اجتماع الدورة 143 العاديّة لمجلس جامعة الدول العربيّة في القاهرة يوم 9 مارس من هذا الشهر حيث وردت في مخاطبته زملائه العرب ((لا تقرأوا الشُعُوب من خلال إعلام مُزيَّف.اقرأوا الشُعُوب من خلال أبنائها. اقرأوا تاريخها وحاضرها من خلال حقيقة أبنائها، ما قرأنا ليبيا إلا من خلال عمر المُختار ولم نقرأ المغرب إلا من خلال عبدالكريم الخطابيّ، ولم نقرأ فلسطين إلا من خلال شهدائها الحقيقيِّين، ولم نقرأ الجزائر إلا من خلال عبدالقادر الحسينيِّ الجزائريّ، إقرأوها من خلال أبنائها، أمّا إعلام الزيف هذا فلا يُعطي الحقيقة كما هي.. الإعلام المُزيَّف يقرأ، ويكتب، ويُصوِّر كما يشتهي)).&

والحقيقة أن كلمة الوزير هي كلمة تذكيرية جميلة لابأس بها وليست مُحيرة للوزراء العرب. وأود أن أضيف إليها النقاط التالية لأن التخلص من تدخل وتسيّد دول لايتم بالخطابات والكلمات ومحاولات التوفيق بين أطراف لاتفهم بعضها بعضاً ، وذلك فشل مؤكد بعد إغتصاب وإستعمار وتسيّد دول خارجية على جملة من الدول العربية وخاصةً النفطية منها وإخضاعها للسيطرة والحماية والهيمنة العسكرية والنشر المتعمد لثقافة الكراهية والعنف والأرهاب وأنتهاك المحرمات.

&والجملة التي أوقفتني وأذهلتني عن الفكر السياسي العراقي ،المتبناة من غالبية سياسي العراق ، كانت في تقديم الوزير العراقي العلاج والنصيحة للعرب بقوله ((نحن نواجه حرباً ، حرباً نخوضها نيابة عنكم جميعاً من دون استثناء لأنَّ كلَّ بلدانكم مُهدَّدة بالإرهاب)). صدمتني النصيحة لكونها موجهة لدول لاتعاني أصلاً من الأرهاب والتفجيرات اليومية والتشرذم والأقتتال الداخلي والتفرقة والصراع كما يعاني منه العراق. كما أدهشني عدم إجابة وزارة الخارجية العراقية على بيانات شيخ الأزهر وخروجه بنص القول “أن قوى الحشد الشعبي تقوم بجرائم ضد أهل السنة في مناطق المعارك”. ويبدو أن بيان الأزهر تم إعداده وإصداره في عملية تضليل إعلامي وضغوط من دول عربية خليجية كان الأعلام المصري قد كشف أن الأزهر ‏حصل على مساعدة مالية ضخمة لأصدار هذا ‏البيان ، كما إتخذ في مواقف أخرى سابقة التنديد ‏بمواقف الأخوان المسلمين. هذا الأمر دفع بالهيئات إلأسلامية ‏العراقية للمبادرة الى دعوة شيوخ الأزهر من مصر لزيارة العراق ولقاء أهل السنة وعلماء الدين ليطلعوا كيف ‏يتم التعامل مع قوى الأرهاب الأسود من داعش ومافعلته هذه القوى الظلامية من قتل وتخريب ودمار.&

ليس لدي مأخذ على شخص الوزير وأقواله المبعثرة سوى مسألة عدم تسيّد العراق على شؤونه وتمكينه التسيّد على مصلحته ووضعها في قمة أي منهج في سياسته الخارجية. وإذا أستعينا بالأدلة ، نجد أن العراق هو البلد المهدد ومصالحه ممزقة وشعبه يئن من رموز القتل التي تسللت أليه ومثلته مجموعات إرهابية لقاعدة بن لادن والزرقاوي والظواهري والقرضاوي وعشرات الفرق الأخرى التي تبنت وحثت على منهج الأرهاب والأجرام المناطقي ونفخت في مجموعات جهادية لدولة الخلافة السوداء داعش وسلّمتها مدينة الموصل ونثرت بتخريبها تراث العراق ومجده ومدنه وجوامعه وكنائسه وأسواقه ومعالم أثاره ومتاحفه ومدنه وقراه وتدنيس أرضه ، وأذا لم يكن لدى الوزير العراقي حلولاً علاجية يطرحها على جدول أعمال الجامعة العربية لصالح اهل العراق فقد كان الأولى به ، التعريف بأننا في أمس الحاجة الى وحدة الكلمة الجامعة للدول العربية والحرص على عدمد ضياع العراق هويته التاريخية وضياع وسقوط مدننا للرموز السوداء لتخلي مجموعات من الدول العربية وزعمائها عما حصل ويحصل في العراق وهو بعضٌ من كُل‏.‏ ‏

لقد تابعنا تصريحات سبق أن رددها السيد هوشيار زيباري عندما شغل منصب وزارة الخارجية وظهرت فيها كذلك نفس الأعراض من مظاهر التقاعس والتلكؤ والتباهي والتفاخر وتُسخّير الرّياح بشكر الكويت والأمتنان لحكومتها لوعود أطفاء القسط الأخير عن تعويضات العراق للكويت وألأشادة بدول مجاورة كانت ضالعة في الأرهاب وأمعنت في تدخلها بالشأن العراقي وتسيّدها عليه وعلى موارده ولم تعلو أو تتميز في عهده مصالح العراق ‏أولاً.&

مهمة الدفاع عن مهنة السياسة الخارجية ومن يتبوء هذا المنصب تتم بالفعل بإجراءات تغليب مصالح العراق ومهمة الدفاع ‏عنها ولايجب أن تُحدث شرخاً واختراقاً للوزارة من قبل أفراد وترتيب أوراقها سياسياً ونوعياً من قبل دول، لم يُشرّد منها أكثر من 3 ملايين شخص ولم تضحي بفقدان حياة 2 مليونين من مواطنيها في علاقاتها مع دول أجنبية. ترتيب أوراق العراق السيادية منهجياً ودبلوماسياً وفي هذه المرحلة بالذات تتطلب الصلابة وثبات التعامل مع دول وعلى ضوء ما إنتهجته بعضها من دعم وإسناد وتمويل للارهاب وبلا اختلاط الخيوط المؤدية الى الحل بأختناقات كلامية في مهمة الدفاع ‏عن إستقرار العراق الذي لايتغير بتغيّر حقيبة وزارة الخارجية من شخص الى آخر.&

دول تفهم مصالحها وعلينا أن نفهم مصالحنا ومنع تسيّد دولي خارجي على مايطرأ في العراق من أحداث. ما حصل ويحصل في العراق هو أن مواطنيه على إختلاف مذاهبهم وقومياتهم عاشوا وناموا في إطار الخلاف الزمني الذي تغذيه دول لها نواب وممثلين في العراق (( وبعضٌ من هذا الكُل‏)) لن يتغير.

&دول الجامعة العربية وحكوماتها، مهما أختلفنا معها لن تتغير، فلها نظمها وتشريعاتها ومجالسها النيابية الملكية والأماراتية والجمهورية والعسكرية ولها تحالفاتها الأقليمية والغربية ولها معاهداتها الدفاعية ولها إعلامها الخاص ووكالات أنباءها المختلفة. وترديد الجعفري على مسامع الحضور من وزراء خارجية كلمات تحذيرها من الأرهاب تأتي في غير محلها سياسياً وعسكرياً ، فالدول العربية لم تناشد العراق ليكون كما قال الوزير ((في الخط الأول من المُواجَهة ضدَّ حرب عالميَّة حقيقيّة اسمها حرب ‏الإرهاب، لم تبدأ بالعراق، وقد لا تنتهي بالعراق)). وساسة العراق ليسوا مخولين ‏عربياً أو دولياً ومن أي جهة كانت بالدفاع عن دول أخرى في المحيط الأقليمي، وهي تتمتع بالسلام والأمن، وتبني وتُعمر وتزدهر ونحن نحارب ونتصارع بشذوذ وكراهية. لقد سبق هذا الهذر السياسي الخاطئ الرئيس السابق صدام عندما صرح مراراً في الثمانينات (( نحن نحارب ايران نيابة عن باقي الدول العربيه)).

الملاحظة الأخيرة التي لاأجدها مناسبة وجاءت إعتباطاً في تصريح وزير الخارجية العراقي لوكالة رويتر بالقول ‏‏(( أن إقدام العراق على إسناد مهمة أمنية لدولة أخرى إنما يتم على أساس عدم تحول ‏عملية الإسناد إلى عملية استلاب وفرض سيادة.. أبدا لا يتهاون العراق في سيادته)). ‏وهو إيضاح يحتاج أيضاً الى إيضاح وربما يدلّل على خلاف عراقي داخلي غير مفهوم يتعلق بأسناد أمني من (أمريكا ، إيران ، أو تركيا )، علماً أن مراجعة منهج العمل السياسي والميداني العسكري العراقي يخالف ويناقض مايقوله تماماً ويشير الى تدخل مباشر.

شهد العقد الذي تلا نهاية الحرب العالمية الأولى الثانية تصاعداً في إرتماء الدول العربية والأسلامية في أحضان الاسياد الغربيين وغيّر من وجه المنطقة ودولها وأظهر اتجاهات وولاءات عائلية وعشائرية متعددة الأصناف " المتلكئة منها والمتسرعة" في تسيّد الأخرين وأضاعت فرص بالمراهنة على حكومات بائسة وليس على بيئات مجتمع تربوي للمواطنة الصالحة وإعلاء الهوية الوطنية. الطنين في الأذان وحكوماتنا لاتسمع صراخ وعويل المهاجرين والمشردين من بلداننا على مراحل في رحلات مؤلمة يتسلم منها المواطن المشرد المواساة بقيام الحكومات العراقية المتعاقبة بمناشدة هيئات ومجالس ‏ومنظمات الغذاء والصحة للتدخل الأنساني والتقليل من معاناة الأب والأم والطفل ‏والاسراع بأرسال المعونات الغذائية والطبية ومواد الأغاثة. هذا الصمت ينفجر فجأة بصراخ طلب الدولة ‏النجدة العاجلة من الدول والحكومات الأوربية والأمريكية وهي من أهم الأسباب التي أسهمت ‏في تسيّد دول خارجية على أولويات أمورونا وأُسس وجودنا ، من بلاد الرافدين لآخر بقعة في ‏المغرب العربي ومنذ إحتلال أرض فلسطين عام 1948 الى الآن.

&

باحث وكاتب سياسي&