حلول مبتكرة لمقاومة التطرّف والارهاب (١٧)

هل جربت يوما ان تكون بلا عمل؟ هل جربت يوما ان يصلك خطاب بالفصل من عملك بدون سابق إنذار؟ هل جربت يوما ان تخجل من مواجهة أهل بيتك لأنك بلا عمل؟ هل جربت يوما ان تستمر في الهرب من الدائنين لانقطاع مواردك المالية ؟ هل جربت يوما ان تكون مهددا بالطرد من منزلك لعجزك عن تسديد الايجار لفصلك من العمل؟ هل جربت يوما ان فصلت من العمل لانه تم استبدالك بجهاز كومبيوتر؟ هل جربت يوما ان تعجز عن شراء الدواء والطعام لأطفالك لانقطاع مواردك ؟ هل جربت يوما ان تشعر انه لا لزوم لك في هذه الحياة لأنك عاطل عن العمل؟ هل جربت شعور الياس من الغد وأصبح النهار بالنسبة لك كابوسا والليل ستارا وملجأ ؟
أنا شخصيا جربت تلك المشاعر اكثر من مرة وكنت اخجل من نفسي، وأخجل من مواجهة زوجتي وبناتي، وكنت مهددا بالطرد من منزلي الى الشارع. وجربته ايضا في ابنتي عندما تخرجت من الجامعة وأخذت لمدة ما يقرب من العام تبحث عن عمل بدون جدوى، ووصلت الى حالة من الياس جعلها تندم انها تخرجت من الجامعة، وأخيرا قررت الهجرة من الولاية التي نعيش فيها وذهبت الى ولاية اخرى وعملت بائعة في محل ملابس وعملت في وظيفة اخرى لزيادة دخلها، وبعد ما يقرب من العامين وجدت العمل المناسب لها، وكنت أراقبها بيأس احيانا وبحزن وألم في معظم الأحيان.

...
وانا اعتقد بان البطالة هي اخطر المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ومع البطالة تأتي الجريمة والارهاب، والبطالة (من تجربة شخصية)& تدفع الى الياس، والياس وبالذات لدى الشباب قد يدفع للانخراط في الجريمة والارهاب والدعارة، وكما يلتقط ويتصيد رجال العصابات صبيانهم من أوساط العاطلين فإنك تجد ان قادة ومشايخ الاٍرهاب يجدون في أوساط العاطلين الشباب الجاهز لان يكون مجندا لديهم وهم يلعبون على وتر الدين والشهادة وحوريات الجنة وايضاً يعطونهم المسكن والملبس وربما زوجة وسلاح وبعض المال، وبعد ذلك ان قالوا له اذهب واقتل نفسك فلا مانع لديه لقد جرب الياس من الحياة وتلقى مفاتيح الجنة من أمراءه ولم لا يتخلص من حياته اليائسة والفانية ويقتل وينتحر ليذهب الى اعلى عليين مع القديسين والشهداء.
والبطالة هي مجرد عنصر من العناصر التي ربما تقود الى الاٍرهاب، فهناك ملايين العاطلين في العالم الذين لم يتحولوا الى ارهابيين ولكن العديد منهم تحول الى مجرمين، فالإحصائيات لا تكذب فكلما زادت معدلات البطالة في بلد كلما زادت معدلات الجريمة بأنواعها، وايضاً يزداد عدد الإرهابيين في البلاد الاسلامية التي يزداد فيها نسبة البطالة، بلاد مثل ماليزيا وتركيا والإمارات وقطر وبروناي وإندونيسيا وأذربيجان لاتفرخ ارهابيين بنفس معدلات بلدان مثل باكستان وافغانستان ومصر والعراق ونيجيريا والصومال لان معدلات البطالة في البلدان الاخيرة اكثر كثيرا.

...
وطبعا مواجهة البطالة هو واجب قومي واجتماعي وأمني ايضا ويقع على عاتق الأغنياء وعلى عاتق صانعي القرار في الحكومات، ويجب ان يدرك الأغنياء ان تقليل البطالة يحقق لهم السلام والأمن الاجتماعي ويقلل تعرضهم للسرقة ونظرات الحاسدين والكراهية، وان تهرب الأغنياء من سداد الضريبة المستحقة ومن اداء التزاماتهم تجاه المجتمع& ترفع من نسب البطالة في المجتمع كما ان تقليل البطالة يحقق للحكومة جو اكثر امنا فالمجتمعات العاملة والمنتجة لا يكون لدى أفرادها الوقت الكثير لكي يفكروا في الجريمة او الاٍرهاب ، فالعامل المنتج يدرك تماما أهمية الحياة وجمالها لان استمتاعه بالحياة يزيد مع العمل والكسب علاوة على ان العامل المنتج يدرك أهمية وجوده وانتماؤه للمجتمع الذي يعيش فيه، بخلاف المواطن الذي لا يعمل يشعر انه لا لزوم له وانه لا يرقي حتى الى مستوى "كمالة العدد"!

...
وهناك الى جانب البطالة الصريحة، البطالة المقنعة وتجدها ممثلة في ملايين البشر الذين يتم توظيفهم في وظائف وهمية ولا يفعلون اي شيء سوى ان يكونوا على قيد الحياة وان يتقاضوا رواتبهم اخر الشهر. والبطالة المقنعة لها أضرارها العديدة ولكنها اخف ضررا من البطالة الصريحة، على الأقل البطالة المقنعة توفر دخلا للعامل او الموظف وتمنحه فرصة للتنفس ريثما يجد وظيفة حقيقية.
ومنذ فترة طويلة قرأت انه في اليابان يتغلبون على البطالة بتوظيف العاطلين في قطاع الخدمات تحديدا حتى ولو بالزيادة فَلَو كانت هناك وظيفة خدمية يقوم بها اثنان فلا ما مانع من توظيف ثلاثة للقيام بوظيفة الاثنين، اما في قطاع الانتاج فيتم توظيف العاملين حسب الحاجة فقط وذلك حتى لا يتعرقل سير خطوط الانتاج.
ويجب الاهتمام بالتنمية الاقتصادية على مستوى المشروعات الكبيرة والتي توظف أعدادا هائلة من العمال وايضاً المشروعات الصغيرة والتي تشجع وتساعد الاسرة او العامل بان يكون له عمله الخاص ويكون لديه الحافز لتطوير هذا العمل الصغير ومعظم شركات العالم الضخمة بدأت بفكرة وبدات صغيرة.
والتنمية البشرية والتدريب المهني والحرفي حسب احتياجات المجتمع يبعد شبح البطالة عن الشباب ويرفع من قيمتهم في سوق العمل وفي المجتمع.
والمجتمعات المتطورة الراقية ترفع من قيمة العمل الحرفي واليدوي بل وتشجع عليه، اذكر أني كنت في زيارة أسرة صديقة في مدينة لوزان السويسرية ورب الاسرة هذه يشغل منصب مدير احد البنوك السويسرية ويسكن في فيلا فاخرة تطل على بحيرة جميلة وفي الجانب الاخر من البحيرة مدينة إيفيان الفرنسية، وعرفني رب الاسرة بابنه والبالغ من العمر ١٧ سنة وسألته عما يدرس فقال لي انه يريد ان يصبح ميكانيكي سيارات، لذلك يدرس ميكانيكا السيارات في احد المدارس المهنية، ويريد ان يعمل ميكانيكي في احدى ورش إصلاح السيارات ويأمل في المستقبل ان تكون لديه ورشته الخاصة لاصلاح السيارات!! وبدا الوالد فخورا بابنه الذي يريد ان يصبح ميكانيكي سيارات، (زغردي يا انشراح ... ابنك حيطلع ميكانيكي)!!

...
وكما قال رجل الاعمال الامريكي وصاحب مجلة فوربس (مستر فوربس): ان المجتمع الذي يحترم المهندس ويحقر من شان السباك، لن يكون لديه مهندس ممتاز او سباك ممتاز!!

[email protected]

&