لسنا وحدنا في المشرق العربي والإسلامي نعاني تصاعد الاسلمة ونمو التطرف وبعث الكراهية الى درجات خارقة للطرف المختلف ووصل الامر الى معاداة حتى المؤتلف مذهبيا والمختلف عقيديا الى حد استعمال السلاح وتصاعد العنف الى درجات صار من الصعب احتمالها وصرنا نعيش فوبيا الخوف وقلق الترقب مما لايحمد عقباه
الامر نفسه يحدث الان في الغرب وفي العالم الذي يعدّ متحضّرا& نظرا لتفاقم " الاسلامفوبيا " وهذا مايهلل له اليمين الاوربي المتطرف ويصفق بكلتا يديه فرحا وكأنه يقول : ألم اقل لكم مسبقا اوقفوا الهجرات الى بلداننا فهؤلاء المهاجرون يحملون من الفكر الغريب الاطوار بعنفهِ ونزقهِ وضيق صدرهِ بحيث لايوائم توجهاتنا الديمقراطية ونظامنا المتماسك في الدولة المدنية القائمة على السواسية والمواطنة دون اية اعتبارات عرقية او عقائدية او لونيّة
هناك في اوربا عموما تنمو الاحزاب والتيارات اليمينية المتطرفة الان ويتكاثر مريدوها ؛ ففي فرنسا المتسامحة قبلا لوحظ تصاعد الاصوات المحذرة بان البلاد ستصبح خلال عقود قليلة دولة اسلامية من خلال طروحات حزب الجبهة الوطنية الموغل في اليمين برعاية عائلة لوبان حيث تزعمت مارين ابنة العجوز المتطرف جان ماري لوبان تلك الجبهة ، وكذا الامر في اسبانيا حيث بدأ شبح " الفرانكوية " بالظهور مجددا في ابشع اشكاله ومنها محاربة اليسار الجديد المتمثل بحركة " البوديموس " الشبابية الراقية فكرا وعقيدة ، وفي المانيا تتصاعد الاصوات القومية ليبدأ شبح النازيين الجدد بالظهور وبالأخص في المدن التي كانت تسمى قبلا المانيا الشرقية وفعلا فقد مارست تلك الفصائل النازية جرائم بشعة بحق المهاجرين السود الهاربين من بلدانهم الدكتاتورية وليس بعيدا ماحصل من رمي جثث لضحايا وجدت ملقاة قرب ملاجئ هؤلاء المتعبين النازحين من بلدانهم تم قتلهم ببشاعة من قبل متطرفي النازية الجديدة التي بدأت تتنامى كالطحالب في معظم ارجاء المانيا
نفس الامر يحصل الان في السويد التي تعجّ بالمهاجرين من المهجر العربي ومن اصقاع افريقيا وبقية دول العالم الثالث فقد حقق حزب الديمقراطيين السويديين اليميني المتطرف الكاره للاجئين فوزا ملحوظا وكانت مرتبته الثالثة في البرلمان السويدي فيما تراجعت الاحزاب العلمانية العريقة والأحزاب الاشتراكية اليسارية واليمينية المعتدلة التي تعثرت في مسارها ولم تعد تقنع المواطن الاوربي بسبب عجزها عن صدّ الافكار المتطرفة وتساهلها مع الاجانب من خلال منحهم الاقامات الدائمة والجنسية ومساعدتهم ماديا ومعنويا في التخفيف من اعباء الحياة كالبطالة وتوفير السكن وزجّهم في المجتمع الجديد من اجل اندماجهم فيه ؛ ويبدو ان تلك الفئات والأحزاب الديمقراطية المائلة الى اليسار وحتى اليمينية المعتدلة منها والتي كنّا نعلّق آمالا عليهم قد بدأوا يتذمرون ويرمون في وجوه المهاجرين نفس مظاهر الاستياء والقلق من وجودهم المرعب ووصل الى حدّ الانتقاص علنا واستبطانا باعتبارهم اشخاص غير مرغوب بهم وغير مرحّب بإقامتهم هناك ومصدرا للقلاقل والعنف ومرتعا للجرائم بأنواعها
وبنفس السياق يحقق حزب الشعب الدانماركي ذو الصبغة القومية فوزا كبيرا في الشارع ووصل الامر الى استقطاب الكثير من الناس الذين لاعلاقة لهم بالعنصرية ومن ذوي التوجهات الليبرالية مما ينبئ بوجود وباء خطير قد يداهم اوروبا كلها وازدياد مشاعر الكراهية والنبذ تجاه هؤلاء الذين وقعوا بين سندان انظمتهم البذيئة في بلدانهم الاصلية وبين مطرقة اوروبا وأحزابها اليمينية المتطرفة التي بدأت تتصاعد يوما اثر يوم
ضاعف هذا الحزب عدد مقاعده في البرلمان بسبب وقوفه ضد هجرة المسلمين ومناهضته لكل سياسات الهجرة اضافة الى شعاراته العنصرية والقومية ضد المسلمين حصرا حتى انهم ذهبوا بعيدا لاقتراح منع المسلمين بالذات من الهجرة الى بلادهم والى الاتحاد الاوروبي عموما وغلق الابواب بوجوههم نهائيا اما المهاجرون القدامى فيلزم ايجاد منطقة حرّة منعزلة للمسلمين ومنع اندماجهم مع المجتمع الدانماركي " الاصيل " كما ينعتونه
وبسبب جهلاء المسلمين ورعونة البعض منهم من حاملي الفكر الاسلامي الموبوء بالتطرف الضيق الصدر الممزوج بالعنف وعدم تقبل الاخر فقد سهّل الامر لقوميي اوربا واليمين بان يبزغ نجمه بعد أفول طويل وصار الان قادرا على حمل العصا الغليظة لتدمير كل ما هو جميل ومعتدل وإفساد مظاهر الديمقراطية والمدنية والمساواة التي كانت تنعم بها اوروبا سابقا وليس بعيدا ان يعاد النظر بقوانين الهجرة والإقامة وتأطيرها بصرامة قانونية مادام هناك من يؤجج مظاهر الكراهية ويشعل اوارها طالما بقي المتأسلمون يبذرون شرورهم ويملأون حقول اوربا دغلا وزقوما وغسلينا
اما مايحصل في النمسا التي يترعرع فيها اليمين منذ امد طويل والذي سبق ان فاز قبلا في الانتخابات عام/ 1999 وصعود الحزب النمساوي المتطرف ( (& FPO&& وحصوله على مقاعد تؤهله لدخول البرلمان وليس من المستبعد ان يكرر فوزه مجددا ونفس الامر يحصل في اوروبا الشرقية المنسلخة من حلف وارشو السابق حيث يعشعش اليمين وتزداد النزعات القومية الى ابعد مدى وليس ادل على ذلك من ظهور انعكاسات الفكر النازي بحلّته الجديدة مثلما يحصل الان في شمال ايطاليا متمثلا بحزب ( ليقا نورد ) وزعيمه "امبرتو بوسي " الذي نعت الاسلام بانه اكبر قوة ومصدرا لتهديد الثقافة الاوروبية اذ بدأت ادغال الفاشية تنمو وتظهر للعيان ، كلّ ذلك بسبب تفاقم الاسلمة اولا اضافةً الى اسباب اخرى منها العجز عن وضع حلول جذرية لتفاقم البطالة وانجرار الاحزاب المعتدلة نحو شراهة ووثنية المال حتى سال لعابها من رشى الرأسمال ومغازلة الشركات الاحتكارية واندساس انفها في روائح السياسة الماكرة اللاهفة لرشوة الشركات الرأسمالية التي تزكم الانوف حتى اصبحت الصفقات المالية توضع نسبة منها الى متزعمي وأنخاب هذا الحزب الديمقراطي او ذاك الليبرالي ولم يسلم اليسار من الانجرار وراء الكوميشن واللهاث وراء زفرة الاخضر الرنان واليورو الوسنان حتى غدا بعضهم مستشارين في البنوك الكبرى والشركات العملاقة ذات الكارتلات المتعددة الاخطبوطية طمعا في رواتب مجزية ورشى وفيرة على حساب المبدأ والموقف الرصين والثبات على القناعة
ويمكن ان نقول ان صعود الاحزاب اليمينية لم يجيء عبثا فالاحزاب التقليدية الاوربية التي كنا نراها زعيمة المثل العليا وقائدة المدنية ورافعة راية الديمقراطية وشعلتها الوهاجة قد اصيبت بالترهل والشيخوخة وعانت من ازمة انحدار قيمها وهبوط سلوكها فالنجاح الذي تحققه الان احزاب اليمين الموغل في التطرف ناتج اساسا من هوان وشرخ التكتلات الحزبية المدنية والليبرالية وأطماع نخبتها وانجرارها نحو وثنية الرأسمال اذ ان الكارثة هي في فساد الليبراليين واليساريين واليمين المعتدل ودعاة الديمقراطية وهذا الفساد المستشري بينهم حديث العهد ويمكن ان نعتبره قد حصل قبل عقدين من الزمن منذ ان فقدت اوروبا سياسيين عقلاء نابهين نظيفي السريرة والضمير ، ذوي سعة افق سياسي وبعيدي النظر لما سيحدث لاحقا ؛ فصعود أحزاب اليمين المتطرف ليس اقتناعا ببرامجها الرعناء ودعواتها القومية الرثة وكراهتها للمهاجرين انما بسبب ذلك الفساد الذي أحاق بالاحزاب التقليدية المدنية المؤمنة بالديمقراطية والمساواة اضافة الى تنامي ظاهرة الاسلمة والتي فشل التقليديون الليبراليون في القضاء عليها او على الاقل الحدّ منها مما فسح المجال لليمين من استغلال هذا الوضع لممارسة شوفينيته وتصعيد كراهيته ضد المهاجرين والذي يسميهم " الاجانب الدخلاء " وتضييق الخناق عليهم
فاليمين المتطرف الذي كان يعتبر رديفا للفاشية فيما مضى يحقق الان نجاحات مخيفة شعبيا وبرلمانيا ويسعى ان يكون تيارا سائدا مقبولا بين الجماهير بالرغم من نزعاته القومية المناوئة للهجرة ولايخفى ان بعض هذه الاحزاب لها اتصالات مباشرة وغير مباشرة بالفكر النازي الجديد ويحملان نفس التصورات والآراء ووجهات النظر مثال على ذلك معاداة السامية وكراهة الشرق والتأفف من الاسلام والمسلمين وربما كل شعوب وثقافات العالم الثالث سواء العريقة منها والمحدثة ويتضح ذلك بصورة اكثر جلاء في اكبر تجمع من اقصى اليمين& في اوروبا متمثلا بحزب الجبهة الوطنية في فرنسا الذي كان يتزعمه جان ماري لوبان المفعم بالقومية وكراهة مايسميهم الاجانب كالزنوج والعرب والغجر بحيث لم يتورع اليمين الفاشي من اعداد& وبناء مخيمات دائمية للغجر مدى الحياة ودون اندماجهم في الإتحاد الاوروبي والانخراط في مجتمعه ، وكأنه ينسخ& التصريحات المخزية التي ينادي بها حزب " جوبك " اليميني في هنغاريا ؛ وكراهة حتى اليهود منكرا انهم عانوا من محارق النازية الهتلرية ولم يشفع لهذا الحزب الموغل في التطرف تبديل قيادته بالسيدة مارين ابنة لوبان كوجهٍ نسوي وتلميع وجهه الكالح البغيض الذي يعرفه الاوربيون جميعا لكنه مع كل ذلك يعتبر اكبر حزب فرنسي دخل البرلمان الاوروبي بعد ان حصل على 25% من الاصوات ، ويناظره في الرؤى السياسية الحزب الديمقراطي الوطني في المانيا وهو من الاحزاب التي تنتمي الى النازية الجديدة وله تمثيل في البرلمان الاوربي ايضا وكثيرا ماكان يصرّح ممثله بتصريحات عدائية دون خجل او استحياء ومنها انه وصف مرة " ادولف هتلر " بانه رجل المانيا العظيم
وفي تقديرنا ان السبب الرئيس في رجحان كفّة اليمين المتطرف في اوروبا وحصوله على قواعد انتخابية مستقرة ومتنامية بشكل متسارع يعود اساسا الى التصويت الاحتجاجي لفئات عريضة من الناس نكاية ولوماً وعتبا حانقا للاحزاب التقليدية اكثر مما يُفسّر بانه قبول شعبي بطروحات& هذا اليمين وزيادة مظاهر الاحتجاجات مما لحق بشرائح واسعة من المجتمع الاوروبي نظرا لتحوّل الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية في غير صالح المواطن الاوروبي نظرا للحرمان النسبي – وليس الكلي – الذي طال البعض جراء البطالة المتفاقمة وزيادة الضرائب وتوسّع مصاعب الحياة والازمة الاقتصادية الخانقة مما أعجز الاحزاب الليبرالية التقليدية عن تقديم الحلول الجذرية اذ لم تعد مؤهلة لان تستجيب للمشاكل التي تفاقمت في مجتمعاتهم الحالية اضافة الى انسلال الضعف في روابط الاحزاب التقليدية بحيث لم تعد تنجب تلك القادة الخلّص الاوائل المتفانين من اجل قواعدهم الجماهيرية وابتكار الحلول المناسبة لهم مما حتّم تراجع ثقة المواطن الاوروبي باحزابها التقليدية العريقة وظهور خيارات سياسية جديدة غير مألوفة قبلا لانتخاب احزاب اخرى ولو كانت في صدارة اليمين ، وكأنهم يقولون ولِمَ الخوف ولماذا التوجّس من الرسو في شاطئ اليمين ، وما اليمين المتطرف سوى ابن اخر للمجتمع الاوروبي الراهن . وهذه الرؤية قد تزايدت مؤخرا نظرا لحدوث تحولات بنيوية مجتمعية في الاقطار الاوربية غيّرت وجهات نظر الناخبين التي انتشرت في صفوفهم مشاعر التعصب العرقي والثقافي وكراهية الدخلاء الاجانب وربما حتى الضجر من قيم الحرية والمساواة عندما تتفاقم جموع الهجرات البشرية وتشكّل عبئا ثقيلا يصعب تحمّله في بلدان الاتحاد الاوروبي بحيث اصبحت الهجرة مشكلة المشاكل بينما الاحزاب التقليدية قصّرت كثيرا في الاهتمام والعناية بها فاتخذت الاحزاب الاخرى السائرة في ركاب اقصى اليمين موضوعا للدعاية السياسية مما أدّى الى النتائج المعروفة المفجعة التي نراها اليوم
وهناك اسباب اخرى لبروز اليمين منها اتساع اعداد الناخبين سنة اثر اخرى وازدياد شريحة الشباب غير الناضج سياسيا المهووس بالنعرات الفتية التي تدغدغ عواطفه ، فهذه الشريحة الكبيرة نسبيا لم تذق ويلات الانظمة العنصرية السالفة التي كانت تحكم اوروبا من النازيين والفاشيين ولم تلسعهم نيرانها وسعيرها اللاهب اذ اظهرت المؤشرات ان غالبية من صوّت لليمين هم من فئة الشباب حديثي السن وقليلي الخبرة بما سيؤول الامر لو امسك اليمين السلطة كونهم لم يعيشوا ويلات الكراهية والعنصرية في العقود الماضية ولم يستبصروا تاريخ اوطانهم قبلا
ولاننسى ان هؤلاء الفتية الشباب تبحث عن شخوص كاريزمية تلفت الانظار وتعلق النفوس بهم كما حصل مع المهووس اليميني الفرنسي لوبان ؛ وحالما خفت صيته وخبا ضوؤه بعد انتهاء بطاريته العنصرية الكارهة قفزت ابنته لاعتلاء منبر حزب الجبهة الوطنية ومثل ذلك ظهور نجم " يورج هايدر " النمساوي الذي مجّد الحقبة الهتلرية قبل ان يقتل العام / 2008 في حادث مروري غير مأسوف عليه والسياسي المفرط في كراهته للاسلام " خيرت& فلدرس " في هولندا الذي يوصم المسلمين بالمتخلفين ويتوجب منعهم من الاستقرار والإقامة ببلاده وتنتفخ اوداجه زهوا حينما يصفق له اتباعه الموتورون عنصريا والعنصري المقيت " سارازين " احد اقطاب الحزب الاجتماعي الالماني الذي لايني يتهم المسلمين بانهم أقل ذكاء وقاصرين جينيا ويجعلون المانيا اكثر فقرا وغباء على حدّ تعبيره السقيم ومما يثير الشجن حقا ان هؤلاء وأمثالهم صاروا قدوة وأنموذجا لمجموعات قومية شوفينية تهلل لهم فرحا وابتهاجا بتصريحاتهم العدائية المنفرة
كما تلعب المتغيرات السياسية ايضا دورا كبيرا في تغيير دفّة النتائج مثل وجود احزاب كبيرة مسيطرة على الجو السياسي العام ولها سطوتها الهائلة وليس لها منافس ذو شأن يذكر مما يدفع الناخبين الى تغيير قناعاتهم وخاصة المتذمرين منهم من اجل البحث عن خيارات بديلة بين الاحزاب الاخرى الاقلّ شأنا ومن ثم تصعيدها وإبرازها كقوة جديدة ذات رؤى غير مألوفة قد تغير مسار الاوضاع العامة نحو الاحسن وفق تصورات وآمال الناخبين الجدد
ومع كل هذا النجاح الشعبي الذي نراه اليوم ورسوخ اقدام اليمين المتطرف في هذه السياسة الموحلة بمياه العنصرية الآسنة غير اننا نراه نجاحا نسبيا وقد تتفوّق في استقطاب الرأي العام ردحا قصيرا وتصوغ قرارات سياسية لحقبة قصيرة لكنها يستحيل ان تزداد تجذّرا في ارض خصبة مترعة بالديمقراطية والمدنية مثل اوروبا ، فهذه ادغال نابتة ربما نراها خضراء يانعة في حقول الديمقراطية الاوروبية غير انها سرعان ماتذبل ويجفّ عودها وتنكسر امام رياح ونسائم الديمقراطية الحقيقية ومجتمع المواطنة والمساواة واحترام الانسان ايّ انسان مهما كانت سحنة بشرته ومهما تلونت عقيدته واصطبغت بألوان الفكر الديني& سواء في مشارق الارض ومغاربها ، فما ينفع الناس من نظام راقٍ حكيم عادل هو الذي يمكث في اوربا المدنية الديمقراطية السليمة& وتركيبة سياسية لنظام حكمٍ يستمدّ قوته من شعب مثقف واعٍ كارهٍ للنزعات البغيضة والنرجسية القومية او العقائدية
[email protected]

&