لم تطمس الذاكرة بعد مطامع حلم " إستعادة إمجاد الإمبراطورية " الذي راود رجب طيب أردوجان حتي من قبل ان يتولي رئاسة الجمهورية التركية بعد أمضي علي رأس وزراتها إحدي عشر عاماً ( 2003 – 2014 ) و بعد أن نجح بكثير من الإنفتاح علي الإتحاد الأوربي والتنسيق مع مؤسساته في الترويج لأن تكون أفكار حزب العدالة والتنمية التى تجمع بين الإيديولوجية والعلمانية معبراً للإصلاحات الديموقراطية التى وعد بها، من أجل أن يحظي في نهاية المطاف بعضوية هذا الإتحاد التى تسعي إليها بلاده منذ سنوات طوال، والتى بدأها بتصفير قضايا تركيا مع جيرانها و بعرض مبهم لحل مشكلة تركيا مع الأكراد وقدرة تنظيرية للمشاركة في دعم الأمن والإستقرار في المنطقة..&

ولما إندلعت ثورات الربيع العربي، عبرت كثير من قيادات الإسلام السياسي في تلك البلدان عن إعجابها بالنموذج التركي خاصة في تونس ومصر وأفصح حزب النهضة في الأولي وجماعة الإخوان في الثانية عن تفاؤل عريض بإقامة علاقات ودية ومثمرة بين كل منهما وحكومة أردوجان، من منطلق أن عوامل التقريب بين وجهات نظر كل من تونس والقاهرة من ناحية وأنقرة من ناحية أخري اصبحت اكثر وأعمق من عوامل التفريق بينهم..&

لكن، ما جري خلال أشهر معدودة – منتصف عام 2011، منتصف عام 2013 - بين أنقرة وهاتين العاصمتين وغيرهما علي مستوي بعض دول الشمال الإفريقي وبعض دول مجلس التعاون، برهن علي أن المصالح القائمة علي الأيديولوجيات وأحلام الماضي أسرع إنهياراً من تلك القائمة علي الحقائق والواقع المعاش والمؤسسة قبل كل شئ علي تبادل المنافع المتساوية والمشروعة الآنية والمستقبلية..&

يؤكد ذلك، الحالة الراهنة المتردية للعلاقات التركية مع العديد من العواصم العربية هنا وهناك والتى نقلت الجانبين من منظومة مشاريع التقريب بين وجهات النظر إلي تصاعد مستويات التراشق عبر الحملات الإعلامية إلي جانب إستهجان المواقف السياسية..&

من جانبي أُلقي علي أنقرة بالجانب الأكبر من المسئولية في هذا الخصوص، لماذا؟

أولاً.. لأنها إنحازت بقوة وبدون روية أو حسابات مدركة لحقائق الأمور، وفي بعض الأحيان بصلف، إلي فصيل واحد من التيارات السياسية التى تدير حركة المجتمع في تلك البلدان.. وفي كثير من الأحيان ركبها العناد عندما إنقلب عليها القطاع الأكبر من الجماهير خاصة في مصر و في تونس بنسب متفاوتة..&

ثانياً.. لأنها رضيت ان تكون أداة في في يد الأجهزة الأمنية الأمريكية التى خططت في مرحلة من المراحل لوضع النظام الحاكم في مصر بالذات بين يدي " التيار الإسلامي السياسي الوسطي " في ضوء إغراء أن نجاح أردوجان وحزب العدالة والتنمية في إعادة المؤسسة العسكرية في تركيا إلي حجمها الحقيقي، يمكن ان يكون " نموذجاً يُحتذي به في مصر وتونس وغيرهما من دول المنطقة، ولكنها فشلت..&

ثالثا.. مواقف أنقرة العنيفة تجاه التغيير الجماهيري في مصر والإستحقاقي في تونس، وهجومها الشرس ضد الإنتخابات التى أتت برئيس جمهورية جديد في كل منها.. ومواصلة هذا النهج العصبي السلبي الذي عززه هجوم إعلامي غير مهني حتى يومنا هذا مما اعتبرته العديد من التقارير السياسية والاعلامية تدخلاً في الشأن الداخلي لتلك الدول..&

رابعا.. فتح فضائها الإعلامي للتنظيم العالمي لجماعة الإخوان لكي يقيم فوقه مجموعة من المنابر التى يهاجم منها النظام الحاكم في كل من القاهرة وتونس بشكل لا يتفق مع مبادئ عدم الإنحياز وإحترام حقوق الآخرين وسيادة كل دولة وإستقلاقها..&

الأمر لم يقف عند الحد الذي كان وحده كفيلاً بأسقاط المخططات التركية وإجهاض أحلام رئيس جمهوريتها علي الأقل في أن يكون لأنقرة مركز القيادة والتوجيه علي مستوي الشرق الأوسط.. ولكنه منح إسرائيل فرصة ذهبية لكي تقضي بجدارة علي ما بناه – أردوجان - من قدرات توهم في لحظة ما أنها ستمنحه مكانة مرموقة علي قمة ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وهناك من يتوقع أن يكون لحكومة نتنياهو الجديدة موقف حاد وصادم تجاه تركيا في الأسابيع القليلة القادمة " لأنها ساهمت بشكل أو بآخر في فتح حدودها لعبور المنخرطين في صفوف داعش، الذين هددت قيادتهم بالزحف لأحتلال هضبة الجولان السورية، بعد أن ضاق عليها الخناق فوق الأراضي السورية والعراقية "..&

إلي جانب المكاسب الإسرائيلية..&

يمكن أن نضيف المكاسب الإيرانية التى حققتها طهران..&

- لم يتزحزح الموقف المؤيد للنظام الحاكم في دمشق قيد أنملة، ولم يسقط بشار الأسد..

- أصبح الغرب يميل – ولو في السر - إلي تعزيز المساهمات الإيرانية ضمن مخطط دحر ميليشيات تنظيم داعش خاصة في الشمال العراقي..&

- وها هي مجموعة 5 + 1 تقترب بصورة أو بأخري من إبرام إتفاق لتقنين التعامل مع ملف إيران النووي، قد يري النور مع نهاية شهر مارس الحالي، بعد أن توصل الطرفان إلي مجموعة من الترتيبات الوسطية..&

وإلي جانبهما، إستغلت بعض دول الإتحاد الأوربي فشل أردوجان الخارجي علي مستوي ملفات الشرق الأوسط المتداخلة، وأعلنت أكثر من مرة أنها ستواصل العمل علي تعليق عضوية تركيا في الأتحاد الأوربي لأن رئيس جمهوريتها " يوالي الهجوم الشرس علي معارضيه ويعمل علي مصادرة حرية الرأي والتعبير ويتدخل في شئون القضاء !! ويعمل علي إضفاء أشكال من التحصين علي قرارته بالمخالفة للدستور !! ويتعمد الظهور بمظهر الساعي لتقمص دور سلطان العصور الوسطي، مما جلب عليه الكثير من الإهانات التى يحاكم بعض من تلفظوا بها وفق مواد قانون العيب في ذاته "..&

كما دفعت مواقفه السياسية المخالفة لإجماع الدول أعضاء الإتحاد الأوربي فيما يتعلق بالعقوبات الإقتصادية المفروضة ضد موسكو والمشكلة الأوكرانية، لتوفير مساحة من المبررات الأوربية التى تُنبأ بتجاهله " أوربياً " خاصة بعد أن جاءت تصريحات عدد من كبار مساعديه فيما يتعلق بأزمة اليونان المالية مؤيدة لبعض الدول الغير قادرة علي سداد أقساط مديونياتها بترك " سفينة الإتحاد قبل ان تغرق في مياه البحر المتوسط "..&

تركيا اليوم بين فكي الكماشة..&

تباعد حلم الفوز بعضوية دول الإتحاد الاوربي بعد مفاوضات وترتيبات وتنازلات قامت بها أنقرة وابرمتها علي إمتداد سنوات طوال..&

تقلص دورها علي مستوي حلف شمال الأطلنطي تحت إلحاح من دول أوربية كثيرة وقوي إقليمية علي مستوي الشرق الأوسط الكبير والصغير، رغم تواصل الحاجة إليها..&

تلاشي ملحوظ لمشروع أن تكون أنقرة مركز لنظام إقليمي أو تحالف جديد يحظي فيه أردوجان بمنصب الزعيم المطاع والسلطان المفدي والملهم الذي لا يباري.
&

* استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا

[email protected]

&