تراهن أميركا اليوم على قدرتها في كسب معركتها في منطقة الشرق دبلوماسياً ، دون زج جيشها في أي معركة تعتبر نفسها بها خاسرة سلفاً& أمام& الرأي العام الأمريكي ،الذي يطالبها فعلياً بترك ساحات القتال المشتعلة في أكثر من مكان ،& وتوفير عامل الأمان لجندها الذين يعتبرهم الشعب ضحية سياسات فاشلة للادارات الأمريكية ،& وهم& قدموا تضحيات جليلة دون عائد حقيقي للشعب الأميركي .
&ويبدو أوباما بسياساته المتراخية هو الأكثر كفاءة لتحقيق حالة التراجع خلفاً ،نحو الداخل الأميركي وترك مواقع تواجده العسكري لقوة يثق بها& ، وبإمكانية حركتها لتوفير عوامل استقرار حدود اسرائيل.& وبالوقت نفسه تكون ذراعه القوي لتحقيق مصالحه التي كانت ترعاها قواعده العسكرية في أكثر من مكان وهي تتهيأ الآن لانسحابات متتالية بدءاً من أفغانستان وصولا إلى قواعدها في اليمن ،& تاركة المجال واسعاً أمام قوة ايران الممتدة لتولي مهمتها ، تارة باسم الحوثيين ، وأخرى باسم حزب الله ، أو فصائل شيعية تعمل بين العراق ودمشق في حركة مأمونة ومحمية دبلوماسياً و سياسياً .
وبين تقدم تحرزه الادارة الاميركية في اتفاقها مع طهران ،& وعرقلة لبعض التفاصيل التي تناقش& بها ايران بدقة في ملفها النووي ،& يتحرك كل من الملف السوري واليمني بين انتصارات للحوثيين في صنعاء وعدن وهو يعني تهديد حقيقي لقوى الخليج الحليف الدائم لأميركا في المنطقة وبين تقهقر في سورية للقوات الايرانية المدعومة بفصائل عراقية ولبنانية طائفية على يد الجيش الحر ، وبعض الفصائل المسلحة المحسوبة على الاسلاميين ،& والتي ترفض بشدة أجنحة من قوى المعارضة السياسية احتسابها على المتطرفين ،& وتعترض لادراج اسمها على لائحة الارهاب عربياً ودولياً& ، وتدافع " المعارضة " عن موقفها الداعم "للنصرة وأحرار الشام "على سبيل المثال : بأن سلاحهما لم يوجه إلا باتجاه النظام السوري وحلفائه الذين يقاتلون معه لاخماد الثورة التي انطلقت في ١٨ مارس من عام ٢٠١١ .
ولعل الورقة الضاغطة اليوم التي يمكن أن تلعبها أميركا ارضاء لبعض حلفائها الداعمين لهذه الفصائل ، هو بانتزاع اسمها من قائمة الارهاب لافساح المجال لها لحركة أوسع وتسليح نوعي ، لطالما طالبت به قوى المعارضة بشقيها السياسي والعسكري .
فمن ضغط تمارسه ايران على أميركا يمنياً ، إلى ضغط تمارسه أميركا على ايران سورياً ، يبقى الملف النووي الايراني هو محور المعادلة شرق أوسطياً ، لكنه لا يغير المشهد التصالحي بين القوة المتعاظمة لايران&& والولايات المتحدة الأميركية برعاية صامتة من اسرائيل ، التي ترى عموم المشهد اليوم يصب في مصلحة وجودها في المنطقة ، واستدراج الدول المحيطة بها إلى عدو متطرف نشأ فجأة في المحيط العراقي السوري تحت مسمى دولة العراق والشام "السنية " .
تقدم قوى المعارضة في سورية وانتصاراتها في أكثر من مكان من درعا إلى ادلب قد لايكون بإرادة أميركية ،& لكنها لن تتورع هذه الأخيرة على اعتباره نقطة قوة لها في معركتها التفاوضية . مما يجعل المسؤولية أكبر على قوى المعارضة السياسية "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة "بتحصين هذه الانتصارات ، والزام حلفائهم من دول خليجية وغربية بالاضافة إلى تركيا بمساندة الفصائل وتثبيت تقدمها ، كورقة أخيرة للائتلاف بتثبيت وجوده كممثل شرعي للشعب السوري حسب مقررات الجامعة العربية في الثالث& من شهر آذار& لعام ٢٠١٣، وأصدقاء الشعب السوري ، قبل أن تتراجعا عن هذا الاعتراف حيث بدأت الجامعة العربية تنسج بعض الرسائل التي توحي بذلك ومنها عدم دعوة الائتلاف لحضور القمة العربية القادمة التي ستعقد في شرم الشيخ نهاية هذا الشهر مارس .&
انجاز الاتفاق الأميركي الايراني الذي سيغير وجه المنطقة عموماً،& يثير ريبة الدول الاقليمية جميعها بما فيها الحليف الاستراتيجي لأميركا& اسرائيل ، وتركيا ليست بعيدة عن شعورها الذي تجاوز القلق إلى مرحلة الحذر المتأهب ولعل النظام السوري نفسه فيما لو درس الأمر بعيداً عن موطئ قدمه ، لأدرك أيضاً خطورة الأيام القادمة عليه ، كما خطورتها على شكل الدولة الايرانية التي لن تكون كما يعرفها النظام الذي يرتدي عباءتها اليوم والتي ستكون بألوان مختلفة جداً في أيام قادمة .&

كاتبة واعلامية سورية