طلبت من زوجي السنة الماضية أن يساعدني في البحث عن كمبيوتر محمول فهو أدرى بالكمبيوترات مني. كنت أريد التحرر من غرفة المكتب وأن أستطيع الكتابة في المكان الذي يحلو لي. "حسناً، ما هي المواصفات التي تريدينها فيه؟" سألني. قلت له "نفس المواصفات التي يريدها الشاب العربي في العروس التي يبحث عنها."
"كيف يعني؟"
"جميلة ورشيقة. يعني أريد كمبيوتر شكله حلو ووزنه خفيف."
"ماذا بشأن السرعة؟"
"لا يهم. المهم العروس حلوة."
"والبطاريات حتى يعمل لفترة طويلة؟"
" قدرتها على تحمل معتركات الحياة ليست بذات قيمة."
"وأيضا الذاكرة يجب أن تكون كبيرة حتى يعمل بشكل جيد يا عزيزتي."
"حلوة ورشيقة-- قدراتها العقلية لا تهم."
"من الأفضل أن تشتري كمبيوتر بمواصفات جيدة حتى لا تندمي بعد شهرين من استعماله."
"أريدها عروس حلــــوووووة!"
هنا بدأ صبر زوجي ينفذ. "ولماذا الإصرار على الشكل؟"
"حتى لا تطلع عيني لبرا. وابدأ بالنظر لكمبيوترات الناس في كل مكان!" أعطيته الجواب الجاهز الذي يعطيه الشاب العربي سببا وجيها لبحثه عن لعبة جميلة بدل شريكة حياة.
بعد البحث والمقارنة وجد زوجي كمبيوترا بمواصفات ممتازة من ذاكرة وسرعة وبطارية وغيرها ولكن الشكل لم يكن بذلك الجمال، ووزنه، إحم، إحم، ليس خفيفا جدا. لكن المواصفات الجيدة فازت في نهاية المطاف.
للأسف هذه المحادثة الفكاهية تأخذ مكانها وبكامل الجدية في أماكن تقرير مصير ومستقبل. ولا يستحي كثير من الشباب أن يقولوا إن أول شيء يبحثون عنه في شريكة الحياة هو الشكل. هذه أحد الأمثلة التي نراها في حياتنا والتي تحول الفتاة إلى شيء بدل أن تُقيّم لشخصها وذكائها وقدراتها— عدا عن أن الحب شيء معقد ويكون مغفّلا من يعتقد أن المظهر الخارجي هو أساس المودة والعلاقة الناجحة.
ولا يقف الحكم على الانثى على شكلها فقط وانما تستمر النكتة لتصبح الملابس مقياسا لأخلاقها وتدينها وحسن تربيتها. فعندما يرى أحدهم في مجتمع إسلامي فتاة غير محجبة فهذا يعني أنها غير متدينة. ولكن حتى لو كانت محجبة وتلبس البنطلون فربما لإرضاء أهلها وليس لأنها متدينة. وهكذا تستمر المزاودة على الملابس التي كلما غلفتها كلما افترض من حولها أنها على علاقة أفضل مع الله. وكلما خفت الألوان وانتشر اللون الأسود كلما كانت صاحبة السواد أقرب للحقيقة!
لكن تعالوا نقلب الأمور. فمثلا لو مر مجموعة من الشباب أمام أحد منا هل سنستطيع أن نحكم على أخلاقهم أو تدينهم من مظهرهم الخارجي كما نفعل مع النساء؟ لا أعتقد ذلك. هل نستطيع أن نقول هذا قميصه لونه كحلي فهذا يعني أنه ذو أخلاق عالية أكثر من زميله الذي يلبس القميص الأخضر! لن نستطيع أن نعرف أي شيء عن أخلاقهم أو مستوى تدينهم إن لم نجلس معهم ونتكلم معهم ونسمع أفكارهم وآرائهم، وطبعا سلوكياتهم ومعيشتهم.
أليس من المؤسف إذاً أن نختصر المرأة وقيمتها وجوهرها بشكلها وملابسها؟ وأليس من المؤسف أن الكثير من الفتيات والنساء المميزات قد لا تأخذ ما يناسبها من تقدير لأن شكلها ليس ما اتفق عليه مجتمع ما على أنه ما يدعى بالجمال أو لأن ما ترتديه من ملابس لا يكفي لذلك المجتمع الذي صمم خزانة الأخلاق. العلاقة مع الله مكانها في القلب وليس في شكل الملابس وألوانها. والتميز يكون في طريقة تعاملها مع الآخرين. أما أخلاقها وأفضل خصالها فلن نستطيع أن نعرفها مالم نتعرف عليها عن قرب.
أعجبني سطر قرأته في رواية الكاتب التركي أورهان باموق (اسمي أحمر) على لسان البطلة. تقول إن الرجل عندما يقابل امرأة ذكية يقول لها كم أنت جميلة. توقفت عند هذه الجملة وحاولت أن أفهمها. ربما لأن المرأة الذكية بالفعل تبدو جميلة في نظر الرجل لأنها تسحره بذكائها، وربما لأن الجمال شيء نسبي فيرى الرجل المرأة التي تملك عقلا وفهما بأنها هي الجميلة. أو أن الرجل لا يستطيع أن يعترف للمرأة بقوة عقلها فيعطيها سطر المديح الذي اعتاد أن يعطيه لكل النساء. أو ربما لأنها ذكية فستعرف أن وراء كلماته رجلا اكتشف مركز قوتها.
أو ربما لأن أجمل ما في الإنسان هو داخله أو داخلها، وهو الذي يتجلى في سحنة الوجه والنظرة والابتسامة والحركة والسكون.&
أحب أن أضيف في النهاية أنني أحببت كمبيوتري المحمول رغم أنه ليس أجمل ولا أخف واحد في السوق. فهذا الجهاز الظريف أثبت مع الأيام أنه يستطيع أن يحمل الكثير من مشاريعي وكتاباتي ومذكراتي. وكثيرا ما يسهر معي لأكمل أعمالي ولم يتذمر أو يتوقف عن العمل منذ أن وصلني. وأريد أن أخبركم أني فعلا سعيدة به، وخاصة أنه صديق لطيف يعمل معي بشراكة جميلة. ولأنني فعلا ارتحت معه وأحببته لم أنظر من يومها لكمبيوتر آخر.&
&