ربما يكون أهم ما خرجت به القمة العربية السادسة والعشرون في شرم الشيخ موافقة الدول الأثنتين والعشرين على انشاء قوة عسكرية عربية مع تعاظم أخطار الإرهاب، والانقلاب على الشرعية في اليمن وليبيا، والمضي قدما في تنفيذ مخطط أميركو صهيوني بتقسيم وتفتيت وتأجيج الصراعات الطائفية في المنطقة، حيث استغلت دول كبرى وبدعم من دول إقليمية موجات ما يسمى الربيع العربى ليكون جسرا تتحرك فوقه، أو حصان طروادة تمتطيه وتدخل إلى المدن والعواصم العربية لتنفيذ مخططها الإجرامى من خلال تنظيمات إرهابية كالقاعدة وداعش وميلشيات فجر ليبيا وأنصار الشريعة وجبهة النصرة، وبوكوحرام وغيرها من التنظيمات التي خرجت من رحم جماعة الإخوان الإرهابية.

واللافت أن القمة عقدت وطائرات عشر دول عربية تدك معاقل الحوثيين في اليمن فيما سمي بعاصفة الحزم بعد أن انقلب هؤلاء الحوثيون المتحالفون مع الرئيس السابق "علي عبد الله صالح" على الشرعية، وهددوا الرئيس الشرعي، وتنكروا لكل الاتفاقات الموقعة مع كل الأطراف اليمنية، وبدعم صريح من إيران التي شعرت أن العرب ماتوا، فأرادت أن تنفذ الى الجوار المباشر لللسعودية ودول الخليج ومصر، وتحقق مكاسب تعزز موقفها في التفازض بشأن برنامجها النووي مع القوى الكبرى، فقدمت الدعم اللوجستي لجماعة الحوثي (وهي جماعة شيعية زيدية ) لتعيث في الأرض فسادا، وتقدم هذا الشاب المدعو "عبد الملك الحوثي" الذي صور له خياله المريض أنه زعيم أو حسن نصر الله اليمن، بقوات موالية لعلي عبد الله صالح الذي كان عدوه بالإمس إلى عدن بعد تعز وأصبح على مرمى حجر من مضيق باب المندب الإستراتيجي، بعد ان أستولى على صنعاء لكن هيهات هيهات أن يحققوا اهدافهم الخبيثة فقد سيطرت السعودية على الأجواء اليمنية وسيطرت مصر على المنافذ البحرية، وها هو العاهل&السعودي الملك "سلمان بن عبد العزيز" يؤكد في كلمته بالقمة العربية أن عملية عاصفة الحزم مستمرة حتى تحقق أهدافها، وها هو الرئيس الشرعي لليمن "عبد ربه منصور هادي" يطالب باستمرار القصف حتى تستسلم هذه العصابة وتعود إلى جحورها.

لقد بات الأمن القومي العربي على المحك، ولن يصونه سوى العرب، لقد بات الرهان على الولايات المتحدة بعد أن نكشف وجهها القبيح رهان خاسر، وحسنا فعلت السعودية حين اخفت تفاصيل العملية العسكرية عن إدارة أوباما، لأنه من السذاجه الاعتماد على المظلة الأمنية الأميركية في هذه الظروف، لقد قررت المملكة فى نهاية المطاف التحرك سريعا بالتشاور مع مصر ودول الخليج بعد أن تقدم المتمردون الحوثيون صوب آخر معقل للرئيس اليمني "عبد ربه منصور هادي" في مدينة عدن الجنوبية.

مشاكل العرب يعالجها العرب إذا ارادوا ان يأخذوا مكانا تحت الشمس، ويحظوا باحترام القوى الكبرى وليأخذوا من روسيا والصين والهند والبرازيل المثل، إن ما يعزز الشكوك في واشنطن والغرب هو التأييد النظري للحكومة الشرعية في ليبيا لكن على الأرض لا تريد الولايات المتحدة والغرب رفع الحظر على صادرات السلاح للحكومة الليبية المعترف بها دوليا، بل على العكس هم يدعمون الميلشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، ففي ليبيا هناك حكومة شرعية في طبرق وحكومة غير شرعية في طرابلس تلقى دعما بالسلاح والمال من دول عربية وإقليمية تدور في افلك الأميركي، وهناك تنظيم داعش الإرهابي في سرت وبعض المدن الليبية يستعرض بسيارات دفع رباعي وسلاح قادمة من دولة خليجية ثبت رعايتها للإرهاب في وقت تتواصل فيه جهود دولية مشبوهة لمنع الجيش الليبى من تحرير طرابلس.

لهذا كله فالمسئولية الملقاة على عاتق القادة العرب كما يقول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتطلب منهجا للمعالجة، للحفاظ على الهوية العربية، وصد التدخل الخارجى فى شئونهم، لقد استطاع العرب التخلص من الاستعمار التقليدي لكنهم يتعرضون اليوم لتهديد وجودهم وتاريخهم وهويتهم وتراثهم الحضاري انظروا الى يفعله تنظيم داعش الارهابي في آثار&العراق من تدمير لتراث حضاري في بلد عريق، وأنظروا الى ما فعله الارهابيون من تفكيك نسيج المجتمعات العربية، والسعي الى الفرقة بين مواطنيها واستقطاب البعض وإقصاء البعض الآخر على أساس الدين والمذهب والطائفة كما فعل الإخوان الشياطين المتأسلمين في مصر وتفعل التنظيمات الارهابية في ليبيا واليمن وسوريا والعراق.

والغريب أن رعاة الإرهاب يتحدثون عن ضرورة مكافحة الارهاب، وأنه يهدد الأمن القومى لا يخجلون من أنفسهم ويبثون الأكاذيب التي لا تنطلي على أحد، ففي سوريا الوجود الإيرانى بلغ ذروته وأسس الحرس الثوري ميليشيات على أساس طائفى، وحزب الله اللبناني الذراع العسكري لإيران في لبنان ينتشر في سوريا واليمن، أما العراق فإن التوغل الإيرانى عبر الميليشيات الشيعية لا يخفى على أحد، لذا لابد من العمل على درء هذه المخاطر بالإسراع في تشكيل القوة العسكرية العربية الموحدة لمواجهة الأخطار المحدقة بالأمن القومى العربي.

&

إعلامي مصري