طلب مني طبيب العيون ان لا أواصل أنهاك العينين المصابتين، بالقراءة والكتابة الالكترونية.
كان الطلب واقعياً لاسيما وأنا لا أكاد اقرأ صحيفة أو كتاباً عدا العناوين، أما الكتابة، فقد تطوع صديقان عزيزان لطبع المقالات، وهذه نعمة في هذه الغمة.
لا يسليني ويخفف عني الهموم في الشقة غير هذا الهر، دودو، الذي تبناني وتبنيته وهو في الخامسة، بعد أن رماه أهله على قارعة الطريق ليكون فريسة للمرض والجوع والبرد والثلج ومن الصدف انه هو الآخر فقد عينه اليمنى بقسوة البشر.
الحرمان من القراءة محنة كبرى لي لأنني منذ بداية الصبا كنت مولعا بالقراءة، وكانت لي في الدارسة الابتدائية مكتبة (كامل كيلاني للأطفال)، وفيها كتب مزخرفة تتحدث عن السندباد وعلي بابا وشهرزاد. وقد عرفني كتاب المطالعة في الابتدائية على المنفلوطي، صاحب الدور الكبير في تبسيط الأسلوب العربي بدل الزخرفات البديعية. وكانت قصة ساخرة بعنوان (الحلاق الثرثار) مع الاعتذار للحلاقات والحلاقين.
في هذه الأيام تتوالى أمامي صور عناوين كتب أحببتها، بل عشقتها في مختلف المجالات الثقافية، ومنها الروايات، وكان في الاربعينيات مترجمون امناء ودقيقون، بالعكس مما حدث فيما بعد.
وحين انظر إلى دودو أتذكر كتاب (جريمة سلفستر بونار) لاناتول فرانس (لا أتذكر اسم المترجم) حين يصف قطه بأنه (حارس المكتبة) ولكن الشخصية الأكثر إمتاعا هي القطة المصرية (مشمشه) في كتاب (سندباد عصري) لحسين فوزي، وهو كتاب عن تفاصيل رحلة علمية بحرية في المحيط الهندي ومعهم القطة مشمشة التي ظلت معهم وعادت سالمة وأكثر جمالاً، وصارت حديث الصحافة المصرية.
أخر كتاب قرأته بصعوبة، هو كتاب الأستاذ الشاعر عبد القادر الجنابي، عن الشاعر اللبناني آنسي الحاج، وآنسي الحاج هو من كتب في إحدى نثرياته المركزة أن الضحية ما أن تستقوي، حتى تبدأ باجتثاث الآخرين وتعيد إنتاج ممارسات الجلاد، فتصبح جلادا بدورها. وهو ما يذكرني بقادة الأحزاب والمليشيات الحاكمة في العراق، ومتاجرتهم بما يصفونها (مظلومية الشيعة) لتبرير (حاكمية الشيعة) وهي طبعة جديدة من مبدأ ولاية الفقيه المأخوذة من (حاكمية الله) التي جاء بها فقيه الجهاد الإرهابي سيد قطب. فهؤلاء الزعماء العراقيون مارسوا عمليات ثائر وانتقام باسم مظلومية الشيعة، وكأنهم يمثلون كل شيعة العراق، وكأنهم من عانوا ولاقوا الحرمان وليس جمهرة الشيعة من الفقراء والبسطاء. أما هم فقد استخدموا شعارات المظلومية والحاكمية للإثراء والتلاعب بممتلكات الدولة، واجتثاث الآخرين حتى ولو كانوا من الشيعة، إما لأنهم علمانيون او لرفضهم الطائفية والتعسف والانتهاكات. ومن المؤلم أن كل خطاياهم وتجاوزاتهم حسبت على شيعة العراق أجمعين، الذين تعاني غالبيتهم من الفقر والمرض والبطالة والتهميش.
&