ليس ثمة شك في أن الحضارة المعاصرة قد حققت قدرا لأبأس به من النجاح والتقدم لقد استطاعت أن تلبي و تحقق كل ما يحلم به الإنسان من مطالب و حاجات في ظل هذا التقدم العلمي و التكنولوجي،الذي سخر كل شيء للإنسان، و أصبح الإنسان بواسطة هذا التقدم سيداً للعالمٍ، و مع ذلك فهناك صيحات تنذر بان الحضارةٍ تمر بمأزق أو أزمة. فقد أعلن ( اشفيتسر) أننا نعيش اليوم في ظل انهيار الحضارة، و يعلن ( اشبنجلر) بان الحضارة تدخل الآن مرحلة التداعي، و قد حكم عليها بالموت و الدمار. و في ظل هذا التقدم التكنولوجي الذي أصبحت فيه السيادة لعلاقات الإنتاج، أصبح الإنسان فيه ليس له قيمه، و ليس له و جود حقيقي.

ومن هنا شعر الإنسان في ظل هذا التقدم التكنولوجي بنوع من الاغتراب. والتفكير السائد في ظل هذه المجتمعات الصناعية المتقدمة هو التفكير الاداتي أو التقني، الذي يرفع من شان الاله علي حساب الإنسان، و العقلانية السائدة في هذه المجتمعات تسمي (العقلانية التكنولوجية) وهذا أدي إلي شعور الإنسان بالاغتراب و البعد عن ذاته، وتحوله إلي مجرد ترس في أله أو شئ من الأشياء. و يجب أن نشير أن العلم و التكنولوجيا قد تعاظما إلي درجه أصبحا معها أهم قوه إنتاجيه، و المسيطرة علي جميع مجالات الحياة، ورغم هذا التقدم التكنولوجي و العلمي و ما حققاه من نتائج مبهره في جميع مجالات الحياة، إلا إنهما اخضعا الإنسان لسيطرتهما، و أضحي الإنسان في ظل هذا التقدم التكنولوجي اله يخضع لقوانين هذه الاله. وهذا ما تم نقده من جانب عدد من الفلاسفة منهم: "لوكا تش " في مفهومه عن التشيؤ، ويقصد به أن المجتمع يجب عليه أن يشبع حاجاته عن طريق تبادل السلع، وهذا يتطلب أن يتم تنظيم المجتمع كله وفق نموذج علاقاته الاقتصادية و بالتالي تتم ظاهره التشيؤ.فا التشيؤ هنا يعني اغتراب الإنسان في ظل هذه العلاقات أيضا ماركس بمفهومه عن فتشيه السلع يدور حول نفس الفكرة من أن صنميه السلع هي التي تسود في المجتمعات الصناعية المتقدمة، و تحدد العلاقات الاجتماعية، و تطبع هذه العلاقات بطابع سلعي محدد، وتصبح قيمه الإنسان تقاس بما ينتجه من سلع، و يتحول إلي سلعه تباع و تشتري. ويري ماركس أن الإنسان في ظل حالة الاغتراب هذه يصبحون دمي للنظم الاجتماعية التي صنعوها بأيديهم. نفس الفكرة انطلق منها ( ماركيوز) في فكرته عن الإنسان ذو البعد الواحد، و التي من خلالها تحول الإنسان في ظل التقدم التكنولوجي إلي بعد واحد يمثل البعد التقني لسلطة الاله هذا البعد يعتمد علي ما يتم إحرازه من سلع و إنتاج، مما ترتب عليه اغترابه عن ذاتهز

و أصبحت العلاقات الاجتماعية علاقات ترتبط بقوانين الإنتاج، ومن هنا حدث تشويه لقيم الإنسان، وجوهره الحقيقي. وهذه الفكرة انطلق منها (هوركهايمر) في حديثه عن نهاية الفرد فقد رأي أن الإنسان في ظل المجتمعات الصناعية يعاني من أزمة عميقة وهي اضمحلال أهميته، واغترابه عن ذاته بسبب سيطرة الاله علي مجالات الحياة، وهذا يقضي علي شعور الإنسان بذاته، و يشعر بالضياع. أيضا يوكد هوركهايمر من خلال مفهوم (خسوف العقل) علي أن الإنسان أصبح مثل المادة، و يخضع لقوانينها. أيضا انتقد (هابر ماس ) التقدم التكنولوجي في المجتمعات الصناعية لان التقنية سيطرت علي جميع مجالات الحياة، وحول هذا التقدم الإنسان إلي أداه ووسيلة للإنتاج مثله مثل الاله. نري من كل ذلك انه رغم التقدم العلمي و التكنولوجي، إلا أن الإنسان شعر باغتراب، وفقد قيمته الحقيقية، واضحي سلعه من السلع، وفقد هويته، و إحساسه بالقيم، و أصبح مثل الاله.

&