أخبرتني الفتاة المحجبة بأنها سوف تخلع حجابها تلبية لبعض الأصوات التي تدعو إلى التظاهره المزمعة في شهر مايو الحالي بميدان التحرير بالقاهرة، بشرط أن يخلع الرجال الحجاب أولاً، قائلة أن حجاب المرأة شكلي وأما حجاب الرجل فهو فكري، وتغيير الشكل ليس صعبا ولا يستغرق وقتا وإنما لحظات أما تغيير فكر الرجل فهو الصعب ويحتاج إلى وقت وجهد كبير وخصوصا في مجتمعاتنا الذكورية.

أدهشتني الإجابات وجعلتني ابحث في معنى الحجاب الفكري الذي أشارت إليه الفتاة المثقفة وما الفرق بينه وبين حجاب العقل الذي طالما ناديت بتحرير الرجال منه!! فتذكرت يوم دخلت إلى قاعة المحاضرات وكان عدد الطلاب يتجاوز الخمسمائة طالب وطالبة وكان أحد طلبة الأخوان قد اعتلى منصة الأستاذ وأخذ يصيح مخاطبا الطالبات "أن الحجاب طريقك إلى الجنة يا أختي " ثم يوجه حديثه إلى الطلاب فيقول "إن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس". العجيب أن الطالب لم ينهي حديثه بمجرد دخولي للقاعة واستطرد بلا مبالاة تعودها الأخوان أيام حكم مبارك نتيجة مواءماته السياسية معهم التي قضت عليه لاحقا و أفسدت الحياة السياسية والاجتماعية على حد سواء.. على أية حال فقد دار بيني وبينه الحوار التالي سؤال: من أعطاك الحق أن تعتلي منصة الأستاذ وتخطب في الجمع؟ هل معك تصريح من الأزهر؟ هل معك تصريح من إدارة الكلية؟ الإجابة: هذا حق لكل إنسان مسلم ولسنا بحاجة إلى تصاريح من أية جهة. سؤال: ومن ذا الذي يؤكد أن ما تحدثت عنه للشباب صحيح؟ هل ذكرت لهم نصا قرآنيا تفسره وجهة نظرك أن الحجاب هو طريق المرأة إلى الجنة؟ الإجابة: نحن لا نملك حق تفسير القرآن ولكن هذا ما أجمع عليه جمهور الفقهاء الذين هم أعلم منا جميعاً. سؤال وهل إجماع الفقهاء قرآن؟ وهل الفقهاء بشر مثلنا يخطئ ويصيب أم آلهة لا تخطيء؟ أم أنبياء معصومون؟ هنا بدأت القاعة في الضجيج والطلاب يطالبونه بالخروج فخرج يلملم نفسه التي تبعثرت بحكم حجاب العقل كما تبدى لي بعد هذا الحوار الذي لم يستغرق سوى دقائق معدودات.

في الحقيقة إن هناك فرقا جوهريا بين حجاب العقل الذي يضعه الإنسان بنفسه ليمنع العقل من حرية التفكير والتدبر والتعقل فيما يتلى عليه وفيما يقرأ وبين الحجاب الفكري الذي يبنى ويعلو نتيجة تراكمات الأفكار المتطرفة والمغلوطة والفاسدة عن المقاصد العليا لله والتي تتبناها المؤسسات الدينية والمجتمعية وترسخها الدولة من خلال ممارسات عملية في شتى شئون الحياة. في السياسة (تسمح الدولة بتكوين أحزاب دينية أو بمرجعيات دينية).. في التعليم من خلال مناهج العنف وعدم التسامح والتعالي على الآخرين واحتقار عقائدهم... في الاقتصاد من خلال ما يسمى البنوك الإسلامية والقرض الحسن والاستثمار الحلال وكلها في الحقيقة أعمال بنكية عادية.. وفي الحياة العامة من خلال فرض مظاهر الملبس والمأكل وأدعية الصعود والهبوط وغيرها الكثير والكثير من الفتاوى العجيبة التي تنتشر لتضاد وتعاند التطلعات الإنسانية العصرية بحجة أنها قوانين ووصايا إجماع الفقهاء.

الطامة الكبرى أن يبتلى الإنسان بحجاب عقلي وحجاب فكري في آن واحد فتهاجمه الأفكار الشريرة التي تعاند طبيعة الله ولا يقدر الدفاع عن نفسه ولا أن يصدها لأن عقله محاصر بحجاب آخر فرضه هو على نفسه توافقا مع التربية الفاسدة والبيئة غير الصحية ففقد الجرأة على التفكير الحر غير المقيد وبات عبداً مطيعاً لإجماع الفقهاء!!

مطلوب تشكيل لجنة عليا من الرجال غير المحجبين عقليا ولا فكريا لدراسة النصوص المقدسة بمساعدة الآراء الفقهية التي يقبلها العقل والمنطق وتتسق مع حاجات الإنسان المعاصر. لتصدر بيانا وحكما مصيريا يوضح علاقة الحجاب بشعر المرأة، بمعنى هل الحجاب فقط لتغطية الشعر أم لتغطية الجسد كله؟ هل لو المرأة اخفت شعرها فقط تكون محجبة حتى ولو لم تخفي بقية مفاتنها؟؟ هل يجوز للنساء مثلاً أن يحلقن شعرهن زيرو حتى يتجنبن ارتداء الحجاب ويحمين أنفسهن من أضراره كما يقول الأطباء وخصوصا في الأجواء الحارة؟ هل شهوة الرجال لا تكتمل إلا مع رؤية شعر المرأة وبالتالي لابد من إخفاءه منعاً للفتنة؟ أم أن شهوة الرجال مصدرها العقل وليس النظر كما يقول الطب ومن الممكن أن يرى الرجل بعقله ما هو تحت الغطاء والحجاب وغيرهما؟ وهل النساء لا يفتن أيضا من رؤية الرجال بالجلباب الأبيض الشفاف وعورته تتأرجح يمنيا ويسارا في مناظر ترفضها المجتمعات

المتحضرة؟ وبالتالي يجب أن يفرض أيضا على الرجال نوعاً خاصاً من الاحجبة الشكلية؟ وهل سألنا المرأة ماذا يفتنها في الرجل لكي نطالب بحجاب الرجل مثله مثل المرأة أم أن المرأة فقط هي الشيطان والرجل ليس كذلك؟؟؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات حتى يتم حسم الأمر في صالح البلاد والعباد بل وفي صالح الإنسانية جمعاء.

&

[email protected]

&