عاشت مصر بعد منتصف ليل الثلاثاء الماضي 14 ابريل بلا فضائيات، وأسودت شاشات تعمل من مدينة الانتاج الإعلامي، وعلى الرغم من أن السبب كان عملا إرهابيا من مؤيدي الإخوان، إلا أن اصواتا زاعقة من نجوم فضائيات هذا الزمن الرديء صالت وجالت وحملت الحكومة المصرية المسؤولية، هؤلاء في واقع الأمر يدافعون عن مصالحهم الخاصة (البيزنس)، فتوقف برامجهم معناه خسارة كبيرة للمعلنين والرعاة، وبالتالي تتاثر الأرقام التي يتقاضونها، لقد كانت ليلة (سوداء ) على فضائياتهم وبرامجهم، (بيضاء) على الجماهير التي ملت البرامج الزاعقة المملة المكررة، لقد ارتاحت الجماهير من التلوث السمعي والبصري ولم تسلم الحكومة من النقد، وسمعنا من نجوم الفضائيات مصطلحات (نغرق في شبر ميه، والدولة الفاشلة، والحكومة المرتجفة ).

في اعتقادي أن هذه الفضائيات غيبت العقل المصرى، وانعكست فوضاها على المواطن فأصبح ما تبثه هذه الفضائيات أشبه تماما بالفوضى الحاصلة في الشارع،النجوم يستخدمون مصطلحات الشارع، وبعضها يخدش الحياء، أصبح الردح هو السمة المميزة للبرامج، وبدلا من عرض الراي والرأي الاخر، نعرض الرأي المعبر عن مصالح المعلن وصاحب المحطة وفقا لاجندات خاصة، وبدلا من الالتزام بحرية التعبير بمعناها المعروف، نلجأ إلى حرية التدمير والتشويه.

الإعلام في العالم شيء، والإعلام في مصر شيء أخر، معظم برامج التوك شو تبالغ في الوصف وتصوير المشاكل، وتختلق الأكاذيب، ولا تراعي المناخ العام في مصر، وتعمل في كثير من الأحيان ضد المصلحة العامة، وبات معظمها أقرب المونولوج تشاهد المذيع يتحدث بالساعات في كلام فارغ، خال من أي مضمون، ويبدأ في الحكم على الأشياء من وجهة نظر أحادية، ويبدي الرأي في قضايا يجهلها، وتحتاج الى المتخصصين، ويفرض رأيه على المشاهد، هو يريد أن يلفت نظر المشاهد الى برنامجه ليحقق نسبة مشاهدة عالية، فيذيع أخبارا كاذبة تحدث بلبلة، ويجري وراء الشائعات ويروج لها، أو يطعن في ثوابت الدين، وإذا حدث واستضاف متخصص يقاطعه في كل جواب، فلا يكمل الضيف فكرته، ويطرح المذيع أسئلة تافهة من باب إثبات الحضور، مع إن المقابلة الجيدة هي التي لا يتدخل فيها المذيع سوى بأسئلة بسيطة، وكلمات قليلة.

بعض المذيعين يريد أن يرتدي ثوب البطولة فيدعي أنه منحاز إلى مشاكل الغلابة، يبالغون في الدفاع عنهم، دون وعي أو ادراك لظروف البلد الاقتصادية، فيضرونهم من حيث لا يدرون، المفترض في الإعلام أن يكون اداة معرفة وتثقيف وتوعية وترفيه راق للناس، لا أن يكون عبئا عليهم، الإعلاميون أوبعضهم قد يعرفون الحقائق لكن يتجاهلونها، ويفضلون الأكاذيب والتهييج، و قد سئل أحد نجوم هذا الزمن الرديء عن اساب لجؤه إلى التهييج فقال "جربناها ونفعت"

أليس هذا شىء عجيب، ومثير للسخرية حقا؟ إننا نتوقع أي شيء من جماعات الإرهاب التي باعت نفسها للشيطان، ما الغريب في تفجير برج كهرباء هنا أو هناك. ألم يفعلوا ذلك من قبل؟ لماذا لا تستشيطون غضبا أيها الإعلاميون حين&يفجرون برجا للكهرباء في الصعيد أو في الدلتا؟ والجواب ببساطة لانه يقع خارج دائرة نفوذهم ومصالحهم. هنا الاستغاثات موجهة لرئيس الحكومة مع أنه يواصل الليل بالنهار من اجل أن تتقدم هذا البلد. ألم تروا دموع الرجل في ختام المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ ؟ ألم يكن الرجل في صحراء أكتوبر يفتتح مقر محكمة النقض ويتفقد مسرح التفجير؟.

لست في موقف الدفاع عن الحكومة، فهي في اعتقادي تسير في الطريق الصحيح، ولست مع وقف البث للقنوات الخاصة، لأن ذلك يستهدف سمعة الإعلام المصري ويبعث رسالة بأن يد الأرهاب طويلة، لكني ضد تحميل الحكومة ما لا تحتمل، لقد استراح الناس ليلة من الصراخ والضجيج، ولعل هذه الواقعة تجعل المسؤولين يعيدوا النظر يما تقدمه هذه القنوات، ربما يتعلموا كيفية العمل وفق معايير مهنية كبقية المحطات في دول العالم.

&

إعلامي مصري