&
المعروف عن الحوثيين أنهم ينتمون الى المذهب الزيدي وهو أحد المذاهب الشيعية، وتعود تسميتهم بالزيدية الى أنهم يعتقدون بامامة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
وقاد زيد بن علي ثورة على الخليفة الاموي هشام بن عبد الملك الذي تولى الحكم من سنة 71 الى 125 هجرية، وكانت ثورته متميزة عن الثورات التي اندلعت بعد استشهاد الامام الحسين عليه السلام بالتنظيم والاعداد الدقيق، غير أن اتباعه ونتيجة لانبهارهم به، اعتقدوا ان الامامة يجب أن تنتقل اليه وليس الى الامام الباقر وهو الامام الخامس للشيعة الاثنى عشرية.
&
قيادة زيد للثورة جعلت أتباعه من بعده يعتقدون أن أي إمام لا يقاوم ولا يقوم بالثورة فليس بامام، وهذا بالتحديد محور الخلاف بينهم وبين الشيعة الاثنى عشرية أو الامامية، وحسب المصطلح السياسي فان الزيدية انشقوا عن مذهب الامامية وأكتفوا بامامة علي بن الحسين مما يعني أنهم يؤمنون بامامة الائمة علي بن ابي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين فقط.
&
تردد في الآونة الأخيرة ان السيد بدر الدين الحوثي والد السيد عبد الملك الحوثي قائد حركة أنصار الله، أجرى تغييرات في عقائد الزيدية عندما كان يعيش في مدينة قم الايرانية حتى باتت الزيدية متطابقة مع مذهب الامامية، إلا أنه لم تظهر أية مؤشرات على حدوث هذا التغيير في تصريحات وخطابات وكلمات السيد عبد الملك، فعلى سبيل المثال أن الامامية يذكرون الامام الثاني عشر الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه الشريف، بينما السيد عبد الملك لم يتطرق اليه بتاتا.
&
وبغض النظر ان كانت الزيدية تحولت الى أمامية أو لم تتحول فان المحور الاساسي الذي يرتكز عليه المذهب الزيدي هو ايمانهم بالمقاومة وعدم الاستسلام مهما كان الثمن الذي سيدفعونه غاليا من أجل المقاومة، مما يعني أنهم اذا وصلوا الى قناعة أن الحق معهم ولا يمكن التوصل الى حل وسط وليس أمامهم خيار الا المقاومة، فانهم لن يتخلوا عنها اذا كان السلم لا يحقق لهم أي مكسب.
مع الأخذ بنظر الاعتبار هذه الحقيقة والمحور الأساسي في مذهب الزيدية، هل هناك فرصة لاستسلام الحوثيين امام ضربات التحالف الدولي أو حتى التدخل البري؟
&
بالتأكيد لن يستسلموا، وذلك للأسباب التالية:
أولا: أن أغلب الضربات لم تلحق ضررا مباشرا بالحوثيين، فحتى لو سلمنا ان أغلبها استهدفتهم مباشرة فانها لن تحدث فارقا شاسعا في أعدادهم، نعم ربما تستهدف آلياتهم العسكرية أو مخازن الأسلحة والعتاد، ولكن الحوثيون حققوا ما حققوه ووصلوا الى صنعاء ومن ثم الى عدن ليس بامتلاكهم أحدث الدبابات والمدافع والصواريخ، بل بالعدد الكبير لمقاتليهم،واستبسالهم وصمودهم بالقتال، من هنا فان الضربات الجوية لن تحسم المعركة بتاتا.
&
ثانيا: ربما الحرب البرية هي التي ستحسم المعركة، ولكن قرار شن الحرب البرية لا يزال ضبابيا، نتيجة المخاطر الكبيرة المحفوفة به، ولا نبالغ ان قلنا ان معارك طاحنة ستقع اذا بدأت الحرب البرية، من هنا فان خيار تقوية اليمنيين المعارضين للحوثيين ودعمهم هو الذي يراهن عليه التحالف في الوقت الراهن، ولعل قرار القاء السلاح والعتاد من الجو في بعض مناطق الجنوب يصب في هذا الاطار.
&
ثالثا: مع تأكيد الحوثيين على ان أغلب الأحزاب والقوى السياسية ترفض التدخل العسكري والضربات الجوية فانه من الصعب القول أن هناك من يستطيع الحاق الهزيمة بالحوثيين خاصة وأنهم وصلوا الى عدن، وبالتالي لا توجد مؤشرات في الوقت الراهن على ظهور قوة داخلية قادرة على ارغام الحوثيين على تسليم السلطة والعودة الى صعدة، ومن الطبيعي أنهم سيبذلون كل ما يستطيعون من أجل منع وصول القدرات العسكرية لأي حزب الى هذا المستوى، فضلا عن ذلك فانهم طالما أعلنوا انهم لا يريدون الاستئثار بالسلطة ويبسطون يدهم للجميع ليشاركوهم في ادارة البلاد.
&
لو رجعنا قليلا الى الوراء وبالتحديد الى الحروب الستة التي خاضها علي عبد الله صالح ضد الحوثيين لوصلنا الى قناعة ان هذه الجماعة لا يمكن القضاء عليها، واذا كان علي عبد الله صالح وقواته المسلحة وطائراته ودباباته ومدفعيته لم يستطع القضاء على الحوثيين وهم في صعدة، فهل ستستطيع قوات أجنبية القضاء عليهم بعد انتشارهم في كل مكان وسيطرتهم على العديد من المناطق؟
&
حري بالدول العربية أن لا تكرر خطأ العراق في اليمن، فقد ارتكبت خطأ عندما ادارت وجهها للمعارضة العراقية ووقفت الى جانب نظام صدام، ولم تصحح هذا الخطأ عندما سقط صدام واستلمت أحزاب المعارضة العراقية السلطة بل قاطعت الحكومة العراقية، بينما اتخذت ايران موقفا مغايرا، فاحتضنت المعارضة العراقية وقدمت لها الدعم، وكانت من أول المعترفين بالحكومة الجديدة بعد سقوط صدام، ثم وقفت الى جانبها في حربها ضد الارهاب وساعدتها وساندتها وقدمت لها الدعم، فبالرغم من كل هذا الجفاء من أغلب الدول العربية تجاه العراق وهناك من يأتي ليلوم الحكومة العراقية على توطيد علاقتها بايران، أو من يقول أن العراق تحول الى مسرح لنفوذ ايران وتنفيذ سياساتها ومخططاتها.
&
اليوم أغلب الدول العربية تكرر خطأ العراق في اليمن وبدل أن تحتوي الأزمة وتسعى الى حلها نرى أنها تتخذ موقفا متشددا من الحوثيين، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الحوثيين هم الذين يمسكون بالأرض، ومن المستحيل القضاء عليهم حتى لو انحسر نفوذهم فان الحل المنطقي يستلزم الاتفاق معهم على صيغة ترضي الجميع، والا فسيفوت الأوان ولن يجدي تكرار تهمة ان اليمن تحول الى ساحة نفوذ ايرانية وساحة لتنفيذ مخططاتها.