اثبتت التحقيقات الفرنسية والألمانية بما لا يدّع مجالا للشك أن الطيّار الألماني الذي أسقط طائرة "جيرمان وينجز" في جبال الألب الفرنسية وقتل 150 راكبا، قام بعمله هذا بشكل متعمد مخطط له مسبقا. فقد شجّع الطيار زميله على الذهاب إلى المرحاض ثم قام بإغلاق غرفة القيادة، ورفض فتح الباب ثانية لزميله الطيّار الذي حاول فتحه بكل الوسائل دون أن يتمكن، وما هي إلا لحظات حتى نزل بالطائرة ثم رفع سرعتها لتصطدم بالجبال وسط صراخ الركاب والطيار الثاني ، إذ كانوا يعرفون أنّهم موتى بعد مشاهدتهم& لدقائق قليلة الطيار وهو يحاول فتح باب غرفة القيادة دون فائدة. وأثبتت تحقيقات الأمن الألماني أنّ الطيار صاحب هذه العملية الإرهابية كان قد بحث في الانترنت سابقا عن كيفية إغلاق باب غرفة القيادة ومعلومات حول تخفيض علو الطائرة ثم صدمها في الجبال ونتيجة ذلك.

مريض نفسي ولكنّه إرهابي قبل ذلك،
اتجهت التحقيقات والتفسيرات المتعلقة بالحادث الإرهابي للبحث في الوضع النفسي للطيار، ليكتشفوا أنّه كان يتعاطى أدوية خاصة بالإكتئاب ولديه إجازة مرضية أخفاها عن مسؤوليه في شركة الطيران، لذلك لم نشاهد أو نقرأ أي احتجاج أو استنكار لهذا العمل الإجرامي الإرهابي..وانصبت كافة التعليقات وردود الفعل على تحليل سلوك المرضى النفسيين وردود أفعالهم..إلى آخر هذه الخزعبلات التي لم تنشر كلمة عزاء لذوي 150 قتيلا بريئا لا علاقة لهم بأي شأن من شؤون هذا الطيار أو سبب من اسباب حالته النفسية تلك.

لماذا لم تبحثوا عن الخلفية النفسية لمرتكبي حادث تشارلي إيبدو؟
هذا بينما قامت الدنيا ولم تقعد برؤساء الدول ووزرائها وغالبية الفعاليات الاجتماعية والسياسية والاقتصاديه لقيام شخصين بالهجوم على جريدة "تشارلي إيبدو" في باريس بتاريخ الخامس من يناير 2015 رغم أنّ قتلى الهجوم كانوا 12 شخصا فقط أي حوالي ثمانية بالمائة من نسبة قتلى الطيار الألماني. واحتشد الكثيرون من رؤساء العالم شخصيا ووزرائهم في مظاهرة حاشدة في العاصمة الفرنسية ضد ما أسموه " العمل الإرهابي الجبان الذي أودى بحياة 12 مواطنا بريئا ". ولم يكلّف أحد من الرؤساء والصحفيين والمسؤولين نفسه البحث عن الوضع النفسي للإرهابيين اللذين قاما بهذا العمل الإرهابي الذي هو إرهاب أيضا مهما كانت حالتهم النفسية؟.

وكذلك الإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين،
قليلون في العالم من يدين هذا الإرهاب ويستنكره رغم انّه يوقع ألاف القتلى والجرحي والمصابين الفلسطينيين، ويدمّر عشرات ألاف المنازل ونسبة عالية من البنية التحتية، بينما نتيجة ذلك يقوم فلسطيني بتفجير نفسه في وسيلة مواصلات أو سوق إسرائيلي ويقتل إثنين أو ثلاثة وأحيانا ولا أحد، يقوم العالم محتجا مستنكرا ، دون ان يسألوا عن الحالة النفسية لهذا الانتحاري الذي أصابته الكآبة وفقدان الأمل نتيجة الجرائم الإسرائيلية.

لماذا وما الفرق؟ فقط عربي مسلم و ألماني مسيحي!!
لا أعتقد أنّه يوجد سبب لهذا الفارق في ردود الفعل والتفسيرات بين عملين لهما نفس الصبغة الإرهابية سوى أنّ الطيار الذي قتل 150 شخصا بريئا هو ألماني مسيحي، والإثنان الذان قتلا 12 مواطنا بريئا في هجوم باريس هما عربيان مسلمان، وهذا يفسّر ما أصبح يشكّل ظاهرة في المجتمعات العالمية، وهي التركيز على الإرهاب الذي يقوم مواطنون عرب ومسلمين فقط. بدليل الكثير من الظواهر المشابهة ، ففي يوليو 2011 قام شاب نرويجي بقصد وتخطيط مسبق بتفجير مقر الحكومة النرويجية وذهب بعده إلى معسكر صيفي لشباب وشابات وقتل قرابة 80 شابا نرويجيا مسيحيا بإطلاق الرصاص المتواصل وهو مسرور وكأنّه يرقص في ملهى ليلي...وقبل الإعلان عن هوية الإرهابي تعرض بعض المواطنين العرب المسلمين لمضايقات محدودة، توقفت فور اإعلان الحكومي الرسمي عن هوية الإرهابي. و صحيج شهد الشارع النرويجي احتجاجات وكتابات عديدة ضد عمله الإرهابي، وقام مواطنون نرويجيون من مختلف الأصول والديانات بوضع& الزهور أمام الكنائس النرويجية..ولكن السؤال: كيف كانت ستكون ردود الفعل لو كان& هذاالإرهابي عربيا أومسلما؟.

دور إرهابيي داعش في هذه الظاهرة
وبدون شك أو تردد فإن إرهابيي ومجرمي داعش القتلة أسهموا في تنمية هذه الظاهرة المفرّقة بين إرهاب وإرهاب، رغم أن قتلاهم من العرب والمسلمين مئات أضعاف قتلاهم من الأجانب، ولكنّ هؤلاء الإرهابيون القتلة الدواعش استهدفوا للمرة الأولى في تاريخ الإرهاب في الأقطار العربية المسيحيين العرب والإيزديين واقتلعوا الصلبان من بعض الكنائس السورية والعراقية، مما غذّى ظاهرة التفريق بين إرهاب يرتكبه عربي أو مسلم وإرهاب يرتكبه أوربي مسيحيي.

الإرهاب واحد لا دين ولاجنسية له
الموقف الأخلاقي الإنساني لا يفرّق بين إرهاب وإرهاب وقتيل بريء وقتيل آخر..فالإرهاب واحد حسب نوعية العمل بغض النظر عن جنسية وديانة من ارتكبه..فالإرهب إرهاب لا جنسية ولا ديانة له..وهو مرفوض مدان أيا كانت جنسية وديانة وهوية مرتكبه.
www.drabumatar.com
&