قبل سبعة وعشرين عاما تعرض شعب كوردستان إلى أكبر حملة إبادة جماعية " جينوسايد "، كان الهدف منها إنهاء وجوده وهويته القومية، حيث أقدم نظام حزب البعث العربي بقيادة صدام حسين إلى استهداف أكثر من (182000) ألف من المواطنين المدنيين الكورد الأبرياء ضحايا وشهداء، فضلاً عن هدم آلاف البلدات والقرى والمناطق الكوردستانية بما فيها من بساتين وينابيع مياه ومساجد وكنائس ومدارس وحقول، في واحدة من أبشع جرائم الإبادة بعد ثلاثة وأربعين عاما من نهاية الحرب العالمية الثانية، ونجاح القوى المدنية المتحضرة في ملاحقة رموزها ومرتكبي مجازرها في أوربا التي عانت الأمرين من همجيتها.

إن القضاء على رموزها في محاكمات جنائية لم يفلح في إنهائها كثقافة أو عقيدة أو سلوك أو فايرس، فقد بقيت خافتة أو نائمة على شكل خلايا في شرقنا التعيس، وهي تنتظر البيئة والأجواء التي تنبت فيها وتنمو، وسرعان ما بدأت بالنمو من جديد في النصف الثاني من القرن العشرين وتحديدا بعد تسلط القوى العنصرية القومية والمتطرفة الدينية على منابر الحكم والفقه والتربية والتعليم، وكان أول ظهور لها مع تسلط البعثيين على الحكم في جريمتهم الانقلابية على الجمهورية الأولى في بلاد الرافدين مع مطلع شباط 1963م وانتشار جثث ضحاياهم التي تجاوزت العشرة آلاف قتيل تم تصفيتهم من الشيوعيين والتقدميين والكورد ومعارضيهم من بقية الفعاليات السياسية في أزقة وشوارع بغداد خلال عدة أيام فقط من استحواذهم على السلطة.

ولم تمض سنوات كثيرة حتى استولوا بشكل كامل على مقدرات العراق في تموز 1968م لتبدأ حقبة من القهر والرعب والموت في تاريخ الشعوب العراقية والتي توجوها بواحدة من أبشع جرائمهم في إبادة مدينة حلبجة مدينة الشعراء والأدباء والفنانين، مدينة الفكر والحضارة والتألق، بالأسلحة الكيماوية مع عشرات البلدات الصغيرة والقرى في مناطق كرميان وبادينان، وأعقبوها بحملة الانفالات التي قضت على البنية التحتية الزراعية والسكانية لأرياف كوردستان حيث دمروا أكثر من خمسة آلاف قرية بما&فيها من بساتين وحقول وينابيع ومدارس ومساجد وكنائس، وسيق 182 ألف مواطن مدني من سكانها من الرجال والنساء والأطفال إلى جحيم الموت دفنا وهم أحياء في شقوق بصحراوات العراق.

وبعد اقل من أربعين عاما من تلك الجريمة الشنعاء عاد الرعب العنصري الفاشي مرة أخرى باسم وعنوان جديدين وهما تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ (داعش) وبذات الفكر والعقلية والسلوك البعثي في فجر الثالث من آب أغسطس 2014م إلى سنجار، ليستبيح مدينة من أقدم مدن الشرق التي ضمت أولى القرى والحقول الزراعية قبل ما يقرب من سبعين ألف عام*، مدينة سنجار ( شنكال ) وبلداتها وقراها التي استبيحت وقتل المئات من أهاليها وخطفوا آلاف العوائل من النساء والأطفال واعتبروهم سبايا تم بيعهم في أسواق النخاسة، لذات الأسباب والأهداف إلا وهي التعريب ومسخ الهوية وإبادة العنصر الكوردي تحت مختلف الحجج والتبريرات.

واليوم ونحن نستذكر هذه الأيام المرة، وبعد مرور سنوات على محاكمة رؤوس النظام البعثي الذي أقدم على جرائم "حملات الأنفال" الأولى، فإننا إزاء جريمة آلاف النساء المخطوفات التي مزقت النسيج الاجتماعي وفتحت أبواب ونوافذ جحيم الانتقام للشرف الشخصي والديني والقومي، مما سيؤدي إلى مذابح وانتهاكات خطيرة لا أول لها ولا آخر، تستدعي حلولا جذرية تعاقب المجرمين المتهمين والمتعاونين مع داعش وتأمين حياة وحماية اولئك الذين تعرضوا للإبادة، وكواجب قانوني وأخلاقي أن تقوم الحكومة العراقية والمجتمع الدولي كما فعلت محكمة الجنايات العراقية العليا باعتبار تلك الجرائم حملات جينوسايد بحق شعب كوردستان، أن تعتبر ما حصل في سنجار(شنكال) مرادفا لما حصل في الأولى منها كجريمة إبادة جماعية، وبذات الشكل فمن الواجب القانوني والأخلاقي للحكومة العراقية القيام بتعويض مادي ومعنوي للمحررين وذوي ضحايا الأنفال الأولى والثانية في سنجار، مع تعويض البيئة ومكان هؤلاء المواطنين الذين تعرضت مناطقهم لحملات التدمير الشامل والنهب والسلب بما في ذلك الشروع بحملة وطنية ودولية لإعادة بناء المدن والقرى والمجمعات التي دمرتها داعش وأذنابها.

&

[email protected]