سعت ايران دائما إلى أن يكون لها موطئ قدم في اليمن بصفة كونه جزءا لا يتجزّأ من مشروعها التوسّعي في المنطقة. وهو مشروع قائم على استغلال النعرات المذهبية إلى أبعد حدود. أخذ هذا المشروع ابعادا جديدة مختلفة عما كان عليه أيام الشاه، وذلك منذ بدأت مغامرة تصدير الثورة في عهد آية الله الخميني...وصولا إلى إعلان مسؤول ايراني، هو نائب وزير الخارجية حسين امير عبد اللهيان، قبل أيّام عن مصالح أمنية لإيران في اليمن. موضحا "أنّنا لن نسمح لآخرين بتعريض امننا المشترك للخطر بمغامرات عسكرية".
يعتبر كلام عبد اللهيان تتويجا لحالة تظنّ ايران أنّها صارت واقعا. تعتقد ايران أنّها حققت هدفها المتمثّل بإيجاد منطقة نفوذ لها في اليمن بفضل الحوثيين الذين دعمتهم منذ ما يزيد على خمسة عشر عاما. كانت جهودها منصبّة في مرحلة معيّنة على اليمن الجنوبي عندما كان مستقلا. في الحرب العراقية ـ الإيرانية، بين ١٩٨٠ و١٩٨٨، كان اليمن الجنوبي أقرب إلى ايران من العراق، في ظل العلاقة التي ربطته بكلّ من النظامين السوري والليبي. ويوم وقوع ما يعرف بـ"احداث الثالث عشر من يناير ١٩٨٦"، التي اطاحت الرئيس علي ناصر محمّد، كانت عدن تنتظر مسؤولا ايرانيا كبيرا في زيارة رسمية. تأجلت تلك الزيارة بسبب الأحداث التي قلبت الوضع في الجنوب رأسا على عقب وقادت في نهاية المطاف إلى الوحدة اليمنية التي تحققت في ايار ـ مايو ١٩٩٠ والتي باتت الآن مهدّدة أكثر من أي وقت.
في كلّ الأحوال، عملت ايران في بعد الوحدة على أن يكون لها وجود في اليمن كلّه، انطلاقا من شمال الشمال. لا شكّ في أنّها استفادت من كلّ فرصة توافرت لها. لا حاجة إلى العودة إلى المرحلة التي شجّع فيها الرئيس السابق علي عبدالله صالح الحوثيين على تشكيل قوة سياسية لتشكيل عنصر توازن مع الزيدية التقليدية الممثلة بالعائلات الكبيرة مثل عائلتي حميد الدين والمتوكّل وغيرهما. وهذه العائلات الكبيرة، من محافظة حجة وليس من صعده، وهي معروفة بالعائلات الهاشمية التي لم يكن علي عبدالله صالح يرتاح إليها بأيّ شكل.
هناك شخصيات يمنية معروفة، كانت في السلطة، تؤكّد أنّ علي عبدالله صالح كان أوّل من دفع الحوثيين في اتجاه ايران و"حزب الله". ساعدهم ماليا، استنادا إلى هذه الشخصيات، وادخلهم مجلس النوّاب. لم يكتشف أنّهم انقلبوا عليه إلّا في السنة ٢٠٠٣ عندما توقّف في صعده، في طريقه برّا إلى المملكة العربية السعودية لتأدية فريضة الحج.
وقتذاك، فوجئ الرئيس اليمني السابق بجو عدائي له في المسجد الأساسي في صعده وذلك عندما أطلق أحد الحوثيين "الصرخة" في وجهه. و"الصرخة"، كما يكتبها الحوثيون الذين صاروا يُعرفون بـ"الشباب المؤمن"، هي: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".
بعد الحرب الأولى التي خاضها علي عبدالله صالح مع الحوثيين والتي انتهت بمقتل حسين بدر الدين الحوثي، بات معروفا أن هناك عاملا جديدا لم يعد في الإمكان تجاهله في اليمن. إنّه العامل الحوثي الذي بات يسمح لنائب وزير الخارجية الإيراني بالكلام عن "امننا المشترك"، أي الأمن المشترك بين بلاده واليمن.
لم يفوت الحوثيون فرصة إلّا واستغلوها لتوسيع نفوذهم. خاضوا ست حروب مع علي عبدالله صالح. طوال كلّ تلك الحروب، كان هناك توتر في الداخل اليمني. كانت خلفية التوتر عائدة إلى طرح موضوع الإعداد لتوريث& العميد أحمد علي عبدالله صالح.
كان التوتر بين علي عبدالله صالح من جهة والإخوان المسلمين والسلفيين ممثلين باللواء علي محسن صالح الأحمر (قريب الرئيس السابق) قائد الفرقة الأولى / مدرّع وابناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر زعيم قبيلة حاشد الذي توفّى أواخر العام ٢٠٠٧، من جهة أخرى.
استغلّ الحوثيون هذا التوتر الذي كان يعبّر عنه، بطريقة فظّة إلى حد كبير، الشيخ حميد الأحمر الذي أخذ موقفا صريحا معاديا من علي عبدالله صالح. أخذ هذا التوتر بعدا جديدا ابتداء من العام ٢٠١١ عندما سعى الإخوان المسلمون إلي استغلال "الربيع العربي"& للإستيلاء على السلطة غير مقدرين لمعنى انهيار الصيغة التي حكمت اليمن منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، انطلاقا من صنعاء.
كان في الإمكان تفادي هذا التسرّع الإخواني في الإستيلاء على السلطة، لو كان هناك لدى هؤلاء من يستطيع أن يقدّر مسبقا النتائج التي ستترتب على ذلك. لم يكن هناك تقدير لخطورة& خروج الحوثيين، بصفة اداة ايرانية، من المنطقة التي حاصرهم الجيش اليمني فيها. بقي هذا الحصار حتى نهاية ٢٠١٠ عندما إنفلت الشارع في صنعاء.
جاءت "عاصفة الحزم" لتؤكد أن كفى تعني كفى. لا تجاهل بعد الآن للمحاولات الدؤوبة التي تبذلها ايران من أجل ايجاد قاعدة لها في اليمن وتهديد دول المنطقة، على رأسها السعودية، انطلاقا منها. هناك صفحة طويت. صفحة التغاضي عن التركيز الإيراني على اليمن الذي كان يفترض المباشرة في معالجته منذ فترة طويلة.
فبعد الحرب الأولى مع الحوثيين، نشر كاتب هذه السطور في الحادي عشر من ايلول ـ سبتمبر ٢٠٠٤ في الصفحة الأولى من صحيفة "الراي" الكويتية" الآتي:
" حاول الحوثي (حسين بدر الدين الحوثي) الذي قاوم الجيش وقوات الأمن اليمنية نحو اربعة اشهر زرع فتنة مذهبية في البلد الذي عاش قرونا من دون أيّ تفريق أو تمييز بين زيدي وشافعي. على العكس من ذلك، كان هناك دائما وئام بين المذهبين ولم يُطرح يوما سؤال عن مذهب هذا أو ذاك من اليمنيين. على الأرض، سعى الحوثي إلى نشر المذهب الشيعي الإثني عشري وهو مختلف عن الزيدية وأقام مدارس دينية في مناطق عدّة. ما كان ممكنا أن يفعل ذلك من دون إمكانات كبيرة. والسؤال الذي يردّده المسؤولون اليمنيون في استمرار هو: من أين جاء بهذه الإمكانات إلى بلد معروف تماما، لدى القاصي والداني أن القبائل فيه لا يمكن ان تساير أحدا من دون مقابل؟"
هذا الكلام صدر قبل أحد عشر عاما كانت ايران تبني فيها& نفوذا في اليمن، فيما العرب والخليجيون يتفرّجون ومصر غائبة عن الوعي. من هذا المنطلق، من الطبيعي جدا أن يتكلّم نائب وزير الخارجية الإيراني عن "شراكة أمنية" مع اليمن. لقد وصل الحوثيون إلى صنعاء واقاموا نظاما جديدا. تمددوا في كلّ الإتجاهات وهم اليوم يقاتلون في عدن. ما يحصل على الأرض يشير إلى استفاقة عربية على خطر كان مفترضا التصدي له منذ فترة طويلة.
ما يفعله المسؤولون الإيرانيون حاليا، عبر التصريحات وعبر الأفعال، يؤكد صحة ما تقوم به السعودية والعرب المتحالفون معها ويبرّر الحملة العسكرية، أي "عاصفة الحزم"، المستمرّة تحت "عاصفة إعادة الأمل". نعم، هناك وجود ايراني، ذي طابع معيّن، في اليمن. ومن الطبيعي العمل على مواجهة هذا الوجود الذي يستهدف أمن الخليج وتقسيم اليمن. هذا التقسيم يمكن أن يكون هدفا ايرانيا في حد ذاته، في حال تعذّر على طهران تحويل البلد كلّه إلى مستعمرة من مستعمراتها...