تفاقمت في الاونة الاخيرة هجرة " الاكتاف المبللة& " كما يطلق عليهم في المغرب العربي وبعض دول شمال افريقيا وهم في الاغلب الاعمّ الافارقة الاتون من جحيم افريقيا حيث المستقبل المظلم للشباب وكذلك من العرب المسحوقين تحت مطحنة الدكتاتوريات والغارقين في البطالة والإهمال والحيف ، ليس هذا فحسب وانما يتمّ تجنيدهم كوقود حرب وأضاحي للحروب المستعرة التي لاتهدأ نيرانها في دول العالم الثالث ؛ هؤلاء يطمحون الى السفر والإقامة في اوروبا ويخاطرون بحياتهم للوصول الى الشواطئ الامنة الاوربية خلاصا من ديكتاتوريات راسخة لا تعرف حلولا لمشاكل الملأ العريض الغارق في البطالة واللامبالاة والخنق السائد للحريات والكراهية وتصاعد التمييز العنصري والعقائدي حتى بين ابناء الوطن الواحد وقد يصل العداء العقائدي ذراه في الحيّ المشترك الواحد الذي يسكنونه في بلدانهم الاصلية ؛ ومما يحزّ في النفس ويثير المواجع ماسمعنا مؤخرا عن مهاجرين افارقة خليطي العقائد تنازعوا وهم في مركب واحد وهمّ مشترك ومصير غامض وأخذوا يرمون بعضهم البعض غرقا وهلاكا وسط البحر... تُرى ايّ مستقبل متجهّم محزن يلوح في الافق وأية كراهية نبتت في الارواح والعقول في عالمنا الثالث المتخلف الى حدّ القرف ، وماعلى الانسان المسحوق سوى التطلع الى الشواطئ الباردة لعلها تطفئ ذلك الغليان العائم في ارواحهم وأجسادهم
ومما زاد الطين بلّة الانفلات الامني الشائع في منطقتنا وبالذات في بلدان شمال افريقيا وضعف السيطرة على عصابات التهريب للبشر الحالمين بحياة افضل حيث اشتدت الهجرة غير الشرعية مؤخرا بشكل مخيف واتّسعت وصار حوض البحر المتوسط ساحا للمراكب المتهالكة والقوارب المتهرئة ، اذ تشير الاحصائيات ان مايقارب المئة وسبعين الفا من المهاجرين عبروا المتوسط ووصلوا الى الجزر الايطالية من سواحل ليبيا وحدها خلال السنة الماضية عدا من هلك وابتلعه البحر بعد ان تحطمت القوارب المتهالكة وتخمّن المنظمة البحرية الدولية التابعة للامم المتحدة بان مايقرب من نصف مليون مهاجر سيصل الى شواطئ اوروبا هذا العام ، ولنا ان نقدّر كم من هؤلاء الكثرة الكاثرة سيكون طعما شهيا للكائنات البحرية عند الغرق وهناك من يتحدث عن اغراق متعمد لهؤلاء المنهكين من قبل خفر السواحل خاصة في المغرب العربي حيث تشير اصابع الاتهام ان هناك عمليات قتل بدمٍ بارد في عرض البحر تقوم بها عناصر خفر السواحل المغاربية بشكل متعمد ولكن المسؤولين يصرّحون زيفا ومغالطة& ويعزوه الى غضب الطبيعة وامواج البحر وعواصفه والى المراكب القديمة غير الصالحة للملاحة اصلا حتى لمسافات قصيرة
السواحل المصرية هي ايضا بدأت تنشط بشكل مخيف لتنظم رحلات الموت الى سواحل اوربا وبالذات الى جزر ايطاليا وتردنا اخبار مؤلمة عن موت المئات من الاشقاء المصريين غرقا مما ينذر بتنامي اخطبوط الهجرات غير الشرعية لتشمل كل سواحل المتوسط في المستقبل القريب
مما يحزّ في النفس حقا ان غالبية الرحلات غير الشرعية عبر المتوسط لابدّ ان تخلّف ضحايا وباعداد كبيرة جدا قد يفوق الالف مهاجر في كل رحلة جهنمية ، اذ اعتبر المفوّض السامي للامم المتحدة لشؤون اللاجئين انطونيو غوتيريس في تصريحه الاخير بتاريخ& 23 نيسان من هذا العام ان تلك الهجرات فاقت المأساوية ألما وحزنا كبيرين والاّ كيف نفسر موت اكثر من 1600 مهاجر غرقا وفقدانهم بالبحر في غضون شهر نيسان الماضي وحده
نذكر ان ايطاليا على وجه الخصوص هي المبتلية اساسا بهذه الجموع النازحة لانها المكان الاقرب جغرافيا لمحطات المهاجرين من سواحل المتوسط الشرقية رغم انها تعاني اوضاعا اقتصادية صعبة بالقياس الى زميلاتها دول الاتحاد الاوروبي المنتعشة اقتصاديا اضافة الى انها بلد طارد لشعبه منذ القدم بسبب مستوى الفقر العالي لديهم وبالأخص الجنوب الايطالي منهم وضعف اقتصاده مقارنةً ببقية دول اوروبا الغربية المزدهرة نماءً اقتصاديا ؛ ويكفي ان نشير ان الايطاليين قد ملأوا اميركا اللاتينية نزوحا بشريا طوال القرن الماضي ولم تقف عند حدها حتى الوقت الحاضر وقد تعجز عن استقبال هذا الكم الهائل من النازحين اليها ، وقد طلبت مؤخرا اجتماعا عاجلا لوضع الحلول الناجعة بشأن هذه القضية التي تحملت وزرها وحدها حيث تصاعدت اعداد المهاجرين بشكل مهول بعد انهيار وسقوط نظام القذافي الذي كان شرطيا حارسا منيعا ورقيبا حاذقا لاية عمليات تهريب بشرية سواء لايطاليا أو دول الاتحاد الاوروبي عموما مما حدا بالاتحاد الاوروبي ان يستعين بتخصيص سفن انقاذ وطائرات مروحية مدنية وعسكرية ورجال بحار متمرّسين وزيادة التخصيصات المالية الى 120 مليون يورو سنويا لدعم تحرّكات هيئة المراقبة المسماة& " تريتون " المشكّلة حديثا في بروكسل والتي تقوم بطلعات بحرية متواصلة في الجو وفي عرض البحر& لزيادة انشطة عملياتها في مراقبة البحر ورصد القوارب للحدّ من الهجرة غير الشرعية عبر حوض المتوسط وتعزيزها بالمعدات وآليات انقاذ وخفراء سواحل متدربين بمهارة على سبل انقاذ المهاجرين الفارين من جحيم اوطانهم وانتشالهم من الغرق والهلاك قبل ان يكونوا وليمة لحيتان البحر بعد ان وصلت اعداد الموتى الى ارقام خطيرة صادمة ؛ آخرها خبر مفزع مازال طازجا يقول ان خفراء السواحل الايطاليين قد أنقذوا مايزيد عن 3400 مهاجر غير شرعي كانوا يستقلون 16 قاربا ليلة الثالث من آيار الجاري
ويبدو انه لاتوجد حلول ناجعة ترتسم في الافق مهما ازداد التعاون والتنسيق بين الاتحاد الاوروبي والاتحاد الافريقي لوقف هذه السيول من الهجرات المتواصلة المندفعة أو على الاقل التقليل منها طالما ان افريقيا والشرق الاوسط بهذه الحال المأساوية تعاني وطأة انظمة حكم دكتاتورية بذيئة وعسكريتاريا تحكم لك البلدان عنوة واغتصابا ولاتريد ان تتطور وتهنأ وتخطو خطوات نحو تحقيق الحدّ الادنى من الرفاهية من خلال تطبيق الديمقراطية وترسيخ اسس المجتمع المدنيّ المرجوّ
لم يجانب الصواب شاعرنا الحكيم ابو العلاء المعري حينما قال ان قبور الانسان منذ الخليقة قد ملأت الرحب وعلينا نحن الاخلاف ان نخفف الوطء على الارض حينما يقع مداسنا عليها لكنه نسِي ان البحر قد اضحى هو الاخر قبورا ومهادا آبدا لهؤلاء المهاجرين التعبى الهاربين من الحيف والظلم والتعسّف والحروب العائمة في ديارهم الامّ ، وأية قساوة تمتلكها هذه الامّ غير الرؤوم&

[email protected]

&