يبدو المشهد الايراني من الداخل لشريحة كثيرة من الجمهور العربي مغايرا تماما للحقيقة، حيث يشعر هؤلاء أن إيران دولة لا تعاني مشاكل داخلية مثل بعض الدول العربية، وأنها دولة قوية بما يكفي لمنازلة النفوذ العربي والدولي في كثير من المناطق والأزمات الاقليمية.
الحقيقة تبدو غير ذلك بالمرة، فإيران من الداخل، تبدو للمراقب الدقيق أو المتابع أكثر هشاشة وضعفا من دول عربية عدة تجتاحها مشاكل داخلية هيكلية معقدة وتضعها ضمن تصنيفات الدول الهشة او الضعيفة بحسب المعايير السياسية المتعارف عليها في مثل هذه التصنيفات الدولية.
فعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، هناك أزمات اقتصادية بالغة السوء يعانيها الشعب الإيراني، جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة على اقتصاد بلاده بسبب ممارسات النظام وسلوكياته السياسية العدائية تجاه المحيط الاقليمي والعالم أجمع، وتشير الاحصاءات على سبيل المثال إلى أن معدلات التفكك الاجتماعي والأسري في إيران وصلت إلى مستويات قياسية، حيث تبلغ معدلات الطلاق إلى إجمالي حالات الزواج فيها 18 %، تليها محافظة قم ذات الكثافة السكانية المنخفضة والمركز الروحي للشيعة الايرانيين بنسبة 13%، ووفقا لإحصاءات رسمية فإن إيران تشهد نحو 645 ألف حالة زواج سنويا، وهذه مؤشرات تعكس تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وأبرزها الفساد والتضخم وانتشار الرشوة والبطالة وغياب الوازع الديني والاخلاقي، ولم يكن ذلك سوى نتيجة لمعدلات فقر عالية تطال ـ وفقا للاحصاءات الرسمية ـ نحو 16% من إجمالي عدد سكان غيران الذي بات يقترب من الثمانين مليون نسمة، فضلا عن وجود نحو أربعة ملايين شخص يعيشون تحت خط الفقر بنحو 70 دولارا شهريا في دولة تصنف ضمن دول المرتبة الاولى في انتاج النفط وتصديره عالميا.
الأمر لا يقتصر على ذلك بل يطال قضايا أخرى بالغة التأثير والتعقيد، وفي مقدمتها تلوث البيئة المتفاقم، الذي تسبب مؤخرا في حركة احتجاجات واسعة النطاق شهدتها مدينة الأهواز عاصمة إقليم عربستان، بجنوب غرب البلاد، حيث ينتشر التلوث في هذه المنطقة وتسبب في تفشي الامراض القلبية والرئوية وارتفاع نسبة مرض السرطان بنسبة 500 في المئة، في واحدة من أكثر مدن العالم تلوثا بحسب تقارير الأمم المتحدة، بينما يكتفي النظام بالتعامل الظاهري مع ازمات كهذه، حيث لجأ إلى تعيين معصومة ابتكار رئيسة لمنظمة البيئة في البلاد معتبرا ذلك كفيلا بالحل!!.
الإشكالية في الأهواز أن الأمر لا يقتصر على كارثة بيئية، بل يشمل اضطهاد قومي وعنصري رغم أن اقليم عربستان المعروف بالاهوازيوفر ثمانين بالمئة من ميزانية إيران، حيث توجد آبار النفط والغاز ومصادر الطاقة من مياه الانهر والقمح والذرة وقصب السكر في الإقليم.
ومن ثم يبدو من المستهجن أن يشبه القادة الايرانيين عملية "عاصفة الحزم" لانقاذ الشعب اليمني من بطش جماعة الحوثي، بممارسات الاحتلال الاسرائيلي، فإيران تمارس سلوكا احتلاليا أسوأ بمراحل من سلوك اسرائيل ضد الشعب العربي الاهوازي.
الأهواز لمن لا يعرف هي أرض عربية منذ& عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وحكمها الصحابي أبو موسى الأشعري، ويقطنها شعب عربي مسلم يبلغ تعداده نحو خمسة ملايين نسمة، وهو اقليم غني بالنفط، حيث ينتج نحو 85% من إجمالي إنتاج إيران من النفط والغاز، ويسمى عربستان او خوزستان والأهواز بالفارسية، وكانت إمارة عربية احتلتها الدولة الفارسية خلال فترة حكم رضا شاه بهلوي الذي خلع حاكمه العربي الشيخ خزعل الكعبي واحتل الاقليم منذ عام 1925 وحتى الآن. ومنذ ذلك التاريخ تسعى إيران إلى طمس الهوية القومية لهذا الشعب الذي يقاوم بشتى الطرق، ولكن صوته ومعاناته وكفاحه التاريخي الذي يمتد إلى نحو تسعة عقود مضت لا يسمع خارج إيران بسبب الإهمال الدولي والعربي لمعاناة هذا الشعب المحتل.
قضية الأهواز العادلة هي أولى بالرعاية العربية والدولية، ويجب أن تدرج ضمن أجندة جامعة الدول العربية ومؤسسات العمل العربي المشترك الأخرى، لنها قضية عربية بالأساس قبل أن تكون قضية دولية. كما يجب أن يلتفت العالم ومنظماته إلى معاناة نحو خمسة ملايين عربي حرموا من التحدث والتعلم بلغتهم الأصلية ويعانون أشد المعاناة بسبب استبداد نظام يفرض عليهم هوية مغايرة، فإيران التي تملأ العالم ضجيجا وصراخا بالتشدق بالحرية والبحث عن العدل والتنديد بالظلم تمارس البطش والاحتلال وأشد انواع القسوة الاستبداد والاعدام بحث شعب الأهواز العربي على مرأى ومسمع من الجميع من دون أدنى التفاتة او إشارة تنتصر لحق هذا الشعب المستضعف في إظهار هويته الأصلية وحقوقه المشروعة.
&