يمكن القول انه لا يوجد شخصان متشابهان كل التشابه، حتى وان كانت بينهما متشابهات كثيرة. وفي الوقت نفسه يمكن القول ان هنالك نماذج بشرية كثيرة جداً، لكل منها آلاف او ملايين من الافراد وان كل منهم ليس متطابقا مع غيره... مثلاً نموذج الانسان المراوغ والمنافق.. نموذج الرجل الطيب الذي يثق ثقة عمياء بالأخرين.. نموذج الشخص العدواني الميال للعنف، كلاماً وفعلاً.. نموذج الفرد الرقيق المشاعر لحد الضعف... الخ...الخ..
وقد يتشكل افراد مجتمع ما في تشكيله عامة ذات شخصية تجمع بين المتناقضات والمتشابهات.. وقد كرس الوردي مثلاً جهداً فكريا وميدانيا كبيراً لبحث ميزات الشخصية العراقية التي وصفها بذات الازدواجية. ورأى الباحث الاجتماعي عبد الجليل الطاهر ان الشخصية العراقية (قوقعية) تنتقل حسب الظروف من قوقعة لأخرى، قاصدا ان الفرد العراقي قد يكون، مثلاً علمانيا ماركسيا بثقافته ولكنه في ظروف معينة ينقلب الى طائفي متحمس، أي يتغلب عليه ما كان كامنا فيه.
ولكن هنالك نواحي هامة أخرى في النظرة للشخصيات واقصد ما يخص الفرد والجماعة عندما تمر في أيام عواصف شعبية واضطرابات عامة، فالفرد قد يكون طيبا ومسالما في حياته اليومية ولكنه قد ينقلب حين يجد نفسه في حشد شعبي هائج ميالاً للعنف، وقد تحرك المجموع إشاعة ما لكي تفتك وتدمر. فبقدر ما تتطلب ثورات التغيير جماهير متحركة وواعية بقيادات سليمة، فبالقدر ذاته يمكن ان تتحول الجموع الشعبية لتعصف، وتهدم ولا تبني ، وقد شاهدنا عند اندلاع الانتفاضة المصرية الأولى عام 2011 كيف ان جماهير المسلمين راحت تهاجم الاقباط وكنائسهم لمجرد إشاعة روجها مغرض اخواني او سواه. وفي الأسابيع الأولى من ثورة 14 تموز العراقية برزت ظاهرة جموع السحل والقتل والتمثيل بالجثث.... ومثل هذه الهستيريا العامة حدثت من قبل حتى أيام الثورة الفرنسية، حين كانت الجموع الكثيفة ترقص فرحاً لمرى الجليوتين وهو يقطع الرقاب بعد الرقاب. ولو عدنا الى رواية ديكنز (قصة مدينتين) وجدنا نماذج لأفراد مسالمين طيبين كأب وديع او شاب مسالم، يتحولون الى ضواري حين ينحشرون بين الجموع الهائجة. ومن التجارب الفرنسية وغيرها، أنكب الباحث الفرنسي غوستاف لوبين على بحث ظاهرة الرعاع هذه.. كما ان الوردي توقف لدى ظاهرة السحل بالحبال بعد الثورة. ويبقى ان الكثير يعتمد على مستوى المجتمع والفرد ونوعية القيادات والشعارات. فمثل هذه الظواهر صارت نادرة جداً في الديمقراطيات الغربية حتى عند قيام المظاهرات الحاشدة، فتظل سلمية دون ان يمنع ذلك اندساس عناصر فوضوية يعاقبها القانون ويرفضها المجتمع.
&