سبق وأن تناولت بالحديث الملخّص والمفصل عنوان الموضوع أعلاه. وموضوع مايحدث في العراق لايتعلق فقط بالإعلام اليومي الغير رشيد في إفشاء أسرار عسكرية وحركات وخطط وتغيير خطط ميدانية والتمويه والمباغته والتعريف بأسماء قادة الوحدات ونوعية أسلحتهم ومعداتهم ومناطق تحشدهم ومواعيد وأيام ونقاط إنطلاقهم لقتال داعش في صلاح الدين أو الأنبار أو نينوى. الموضوع يتجاوز ذلك بكثير ليشمل غباء وهوس أمريكي عراقي مشترك ومهوّل في عدم وجود إسترتيجية منسقة متماسكة يفهمها ويلتزم بها ضباط القيادات الميدانية وأجزاء منها تشمل تناقض التوجيهات الصادرة وخلاف سياسي حزبي ومجتمعي بشأن الطائفة الظالمة والطائفة المظلومة، وأين يجب أن يصب ولاء الجندي والضابط والشرطي ورجل الأمن. وطائفية القائمين على وضع هذه اللخبطة ألاستراتيجية وميولهم لتمثيل مكون جلبت الخراب لايعرفون في اجتماعاتهم معناها ومضامينها وأبعادها وردود أفعالها في مجتمع عشائري يصعب الأخذ بأبنائه وقيادتهم الى شاطئ الأمان بمثل هذا الترويج.&

ودليل الغباء الأمريكي خرج قبل أيام من رئيس هيئة القوات الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الذي صرح بعد سقوط مدينة الرمادي وأهلها بيد داعش:

&بأن لا قيمة رمزية عسكرية لها Rmadi is not a symbolic city) ).

في عملي اليومي، أقيس الذكاء بالذكاء والغباء بالغباء، ولا مجال في هذا العمل المضني تبرير الغباء،وبالأخص أذا تمت الغباوة الأستراتيجية العسكرية والسياسية بقبول من الاطراف المشتركة في وضع صيغة العمل التكتيكي والأستراتيجي. وقياساً على تصريح الجنرال ديمبسي فأن كل أرض العراق وشعبه لاقيمة رمزية لها. وسواء إعتذر الجنرال ديمبسي لأسرة الجندي الأمريكي القتيل في الرمادي أو لا، فأن والدة القتيل أبدت ذكاءاً سياسياً مفرطاً بالقول (( أن كل الرمادي ومقاساة أهلها وسكانها لهم أهمية وقيمة إنسانية ولا أفهم كيف يُدلي جنرال أمريكي بتصريح كهذا )).&

&

في سنة 2014 كتب الباحث الأمريكي ديفيد وود بأن الجنرال مارتن ديمبسي لايبدو مرتاحاً لخوض صراع ضد الأرهابيين وإرسال قوة أمريكية حقيقية الى العراق. وتسائل الباحث لماذا لايستقيل هذا الجنرال؟ المقال في الربط المرفق:

http://www.huffingtonpost.com/david-wood/should-general-dempsey-resign_b_6201256.html

وكلمة الفهم والتعرف على حقيقة الأخطاء تصطدم مع التفكير العراقي العشائري للحاجات (زودونا بالسلاح كي نقاتل ) ولاتصل الى خلاصة تحليل الخطأ التكتيكي والإستراتيجي المقاد كسيارة دون مقود، لأن التحليل الموضوعي يمس بكرامة وعزة المقصر والمهمل لواجباته المسندة له، وتلك هي المهمة الصعبة، ويحتاج المرء أن يسلك الأشواك والعثرات للوصول الى الطريق الأقوم والأرشد وتعريف المسؤولين بهفواتهم وعثراتهم المميته وصعوبة تصحيحها لأنها لاتؤدي بالنتيجة الى توطيد علاقة تفاهم خاصة بين من إتخذ من السياسة منصة خطابة وأخر إتخذها مهنة لجمع الثروة.

أعضاء من مجلس محافظة الأنبار طلبوا من القيادات الأمنية تأمين إنسحاب القوات من أرض المعركة وتسليم الرمادي لزعامة قوى إسلامية مرتبطة بدولة الخلافة داعش.&

الخطأ التكتيكي الأخر الذي لايفهمه أحد، ان المسؤولون العراقيون بكل تفاخر ومباهاة يسارعون لكشف مايعرفونه من خطط عمليات ويختمونها بعبارة (أن المصدر رفض الكشف عن اسمه) وهم يَكشفون للاعلام سير الحركات العسكرية. فبالنسبة الى الرمادي بالذات أعيد مقطع منها كما تم نشره وأديعت تفاصيله ونصه:&

أن "معركة تطهير مدينة الرمادي وباقي مدن الأنبار ستكون بقيادة وإشراف قائد عمليات الأنبار، وستنطلق فور الانتهاء من الاستعدادات القتالية والعسكرية المطلوبة، وستكون تلك المعارك بأوامر مباشرة من القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي".

وأضاف مصدر أمني «للشرق الأوسط» بأن المشرف على الحشد الشعبي في العراق، زعيم منظمة بدر هادي العامري، وآخرين من قادة الميليشيات، وصلوا إلى قاعدة الحبانية، في حين توجه قائد الشرطة الاتحادية إلى المحافظة على رأس مجموعة من قواته، مشيرا إلى أن (الساعات المقبلة «ستكون حاسمة).

وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه أن «قوات الجيش أغلقت الطريق البرية الرابطة بين الرمادي وقاعدة الحبانية بالسواتر الترابية، ومنعت سير المركبات تمامًا في الطرق الرئيسية والفرعية لمنع تقدم عناصر تنظيم داعش، بعد أن عززت قوات الجيش من وجودها في محيط ومداخل قاعدة الحبانية وفي الطرق البرية التي تربطها بالرمادي من جهة منطقة السجارية والبوفهد، ومعالجة أي خرق أمني قد يحدث خلال الساعات المقبلة».

هذا هو عراق التكتيك والأستراتيجية المعلنة للعدو ليتخذ الحيطة بدلاً من وضعه في حيرة عن العمليات المُقبلة. وعلى الأغلب، أن هناك جهات تقتل المبادرة وعنصر المباغتة بعمل عسكري مثمر، وهي أمور تصب في مصلحة قوى الأرهاب الأسلامية ضد القوات المسلحة و تكشف عن تحركاتها سواء رفضت هذه الجهات الكشف عن نفسها أو صرحت به.&

في العراق حرب قومية إنفصالية في الشمال وحرب أهلية طائفية في محافظاته الأخرى. لم يستطع قادة العراق السياسي التخلص منها ولم يجدوا حلاً لها بطريقة كشف مافي نفوسهم من رغبة في النفوذ أو تغطية أمراضهم الأجتماعية والمذهبية.

ومصير قرارات قادة الدول الهشة التي( تجتمع لتختلف وتُنسّق لِتعارض) دائما تنتهي الى مزيد من النكبات والكوارث.استغلَ هذه الأخطاء عن قناعة وجرأة كل من تصفهم القيادات العراقية ( أعداء العراق)، مع إعتراضي على التسمية الصادرة منهم لأنهم أعداء أنفسهم. وأخيراً إستغلت ((دولة الاسلام والخلافة)) الأخطاء المكررة ودخلت مدن عراقية بأعداد محدودة وأناشيد التكبير بالله سبحانه وتعالى وأيات قرأنية بالنصر المبين، وبقيت كل جهة من دهات الصراع تقول لمقاتليها " ومن المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدو الله عليه " واعدين الأجيال بأنهم سيرثون الأرض وماعليها، ويقتنع ويؤمن بها المتذمرون من السلطات الحكومية المتعسفة الظالمة أو كما يطلقون عليهم من تسميات ( حكم الطاغوت والكفرة من حاشيتهم ).

ولقد وقع الأرهاب وجرائم القتل في صفحات التبرير وأحقيته حباً لله جل وعلا. الأمر الذي أوصل البعض في العراق، الى الاعتقاد أن جرائم القتل الجنائية التي تقوم بها الأطراف المتناحرة لاتستحق العقوبة لأنها من عند الله!

لست أبالي حين اقتل مسلما... علي أي جنب كان في الله مصرعي&

وذلك في ذات الإله وإن يشأ... يبارك علي أوصال شلو ممزعِ&

&

في العراق، جرائم القتل الجنائية لاتستحق العقوبة!

عراق السلطة الرابعة يبرز في رمز العدالة المختل المتهاوي، حيث تعمل هذه السلطة الى جانب السلطات الدستورية الثلاث، وتشكل النموذج العملي المشمئز لسلطة المحاصصة في العراق وتأثير قياداتها وضغطهم الواحد على الآخر. و منها:

&1 إخلاء السجون من القتلة الجناة المتهمين بالأرهاب قبل تقديمهم للمحاكمة. وذلك في رأيهم عمل لاغبار عليه ولا ينتقص من (السلطة القضائية). هذا هو الاتفاق الغير معلن والمطبق ( والماشي) المُخزي. فالأرهابي القاتل برئ قبل محاكمته، وهو مبدأ يخالف تماماً المتهم برئ حتى تثبت ادانته.&

2 مرات ومرات ومرات يقوم زعيم حركة سياسية أو دينية أو عشائرية أو قومية بالأطاحة بالموجب القانوني في الدولة ومسحه، بمقابلة رئيس وزراء الحكومة ومواجهته والضغط العلني الصريح لأخراج قتلة طائفته من السجون.

3 الفوضى الخلاّقة هي السائدة في نظام لايحترم أعضائه، مشاريع القوانين التي يسنونها. فهي تُقبل في مجلس النواب وتُرفَض في مجالس الحزب والعشيرة والجلسات الفندقية الخاصة ويُترك الأخلال بعمل السلطة القضائية لمن يفترض أنها مطبقة وأن القضاء مستقل حسب نصوص الدستور ومصطلحات "العراق الديمقراطي" و " سيادة القانون ".

السلطة الرابعة الخفية المظهر والهيكل والشكل هي التي تمسك وتحذف وتزيل وتطبق الملفات الجنائية العالقة وتحقيقات جرائم قتل وملفاتها وتحجبها عن السلطة القضائية لأسباب تدخل في حقل المصالحة العشائرية والمذهبية.&

بعد عام 2003، كانت الدائرة القانونية الأمريكية تطلق سراح المتهم أو تودعه السجن بعد التحقيق وتثبيت التهمة من عدمها بإخلاء سبيل المتهم وإعلام قاضي عراقي للتصرف. وأدخلت العديد من الأرهابيين السجون خلال الفترة العصيبة مابين 2004 الى 2011، لمشاركتهم في نشر الخراب وأخرجتهم بعد إنتهاء محكوميتهم كالبغدادي ومئات غيره. وسلّمت الأخرين في سجون بوكا وأبو غريب وبلد وبغداد ممن نشروا الدمار وشاركوا في عمليات الأغتيال، سلّموهم الى السلطات العراقية.

المحاكم الجنائية العراقية اُنتهكت حُرماتها وعدالتها منذ زمن ولم يتم اصلاح مؤسساتها. وأضاف ذلك خللاً وشرخاً تكتيكياً في عمل دوائر المخابرات نظراً للدائرة المفرغة التي تدور حولها القضايا الأجرائية الجنائية والوساطات العشائرية لأخراج القتلة من السجون ومازالت نافذة وتثير بيننا موضوع أحقية تطبيق العدالة التي لم تُفعّل ولايحترم أعضاء السلطة التشريعية والتنفيذية القائمين عليها.&

كاتب وباحث سياسي&

&