من مفكرة سفير عربي في اليابان

ليسمح لي عزيزي القارئ أن أناقش في هذه المفكرة، عدة مقالات نشرت مؤخرا من منطقة الشرق الأوسط، والتي تمر بتقاطع تاريخي، قد تنتهي لتحولها لمنطقة دويلات طائفية زائفة مفتة، وبحكومات منشلة، أو قد تكون بداية لمرحلة جديدة، بدخول شعوبها بركب قطار "حزم" الحداثة والتنمية، والتي جربته من قبل دول الغرب الأوربي بعد انتصارها على النازية في الحرب العالمية الثانية، بتحالفها مع الولايات المتحدة، وخاصة في الظروف الجديدة المتعلقة باستراتيجية توازن القوى الأمريكية القادمة في الشرق الاوسط، والتي تشمل المملكة العربية السعودية (ممثلة للعرب)، وتركيا، وإسرائيل، وإيران، والتي بسببها دعى الرئيس الأمريكي باراك أوباما قيادات دول الخليج، للاجتماع في الاسبوع الماضي بكامب ديفيد، والذي تنتظر شعوب المنطقة تبعات نتائجه بفارغ الصبر.
وطبعا هناك قلق كبير من ما يحدث اليوم في إيران، بعد 36 سنة من قبضة الحكم، في يد مجموعة ثيولوجية، تدعي بأنها الوصي على الشعب الإيراني، فهي التي تقرر من ينزل الانتخابات، وأية توجه تختاره الدولة أو الحكومة، بل وتتحدث في الألفية الثالثة، عن أمبراطورية ثيوقراطية ديماغوجية تمتد من ايران إلى سوريا ولبنان والعراق واليمن. ومع الاسف أدت سلوك هذه المجموعة المتطرفة لتفكيك الكثير من مجتمعات الشرق الاوسط، لدويلات صغيرة متناثرة ومتحاربة وطائفية، بسبب وجود "وكلاءها" في مختلف الدول العربية والاسلامية، ولتحقق حلم "بن جوريون" حينما قال: لن نضمن استقرار إسرائيل إلا بتفتت مصر وسوريا والعراق لدول صغيرة متحاربة ومفككة طائفيا واثنيا، ولن يتحقق ذلك بسبب ذكاء الإسرائليين، بل بسبب غباء العرب والمسلميين.
ولم تقتصر سلوك التطرف الايراني في الارهاصرات الطائفية المعقدة، بل زادت الطين بلة بمشروع سلاحها النووي، الذي تكرر، بدون مصداقية، وبدون مراقبة دولية، بأنه مشروع نووي سلمي. والمشكلة الكبيرة بأن التطرف الإيراني لم يعاني فقط منه جيرانها، بل عانى منه أيضا الشعب الايراني بأكملة، بل وحتى قياداته، لكونه يعيش فترة اقتصادية صعبة، بين زيادة الغلاء، وانخفاض سعر العملة بشكل مرعب، مع زيادة التضخم الاقتصادي سنويا لاكثر من 50%، مع ارتفاع نسب البطالة، وزيادة نسب الفقر بشكل محزن. ويبقى السؤال: أليس من العجب وكل العجب، بأن بعض من فئات المعارضة العربية، تريد أن تقلد التجربة الايرانية، بل ويعمل البعض منها "وكلاء" لها؟&&&&
لقد كتبت الصحافة الشرق الاوسطية في شهر مايو الجاري، عن ما أعلنته رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الايرانية، السيدة مريم رجوي، في مؤتمر عقد في مجلس الشيوخ الفرنسي في باريس، بقولها: "ان الدكتاتورية الدينية في ايران، هي السبب الرئيسي لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وان الفرضية القائلة ان النظام الايراني والغرب هما شريكان ضروريان لمحاربة داعش، خطأ فادح، كون هذا النظام يعمل على تطهير السنة بشكل مروع، وبسط هيمنته في العراق، وسوريا، بدلا من محاربة داعش.. كما أن تشكيل التحالف العربي قد قلب حسابات حكام ايران للاستيلاء على اليمن، وبانه من الممكن توجيه ضربات قاضية للتطرف والتشدد في العراق وسوريا، وذلك بطرد النظام الايراني، وبتسليح العشائر السنية للتصدي لداعش، ومساعدة المعارضة السورية المعتدلة على ازاحة الاسد.. فتجربة 36 سنة الماضية اثبتت ان حكام ايران يفهمون لغة الحزم والقوة فقط، ولذلك حان الوقت لكي توقف القوى العظمى سياسة المساومة، ومنح تنازلات للاستبداد الديني الدموي، والمصدر للارهاب، ومحطم الرقم القياسي في الاعدامات، وان تعترف بحق الشعب الايراني من اجل المقاومة والحرية."&
كما شرح الاستاذ سالم الكتبي الواقع الايراني اليوم في مقال يقول فيه: "يبدو بأن المشهد الايراني من الداخل لشريحة كثيرة من العرب مغاير تماما للحقيقة.. فايران من الداخل اكثر هشاشة، فعلى المستوى الاجتماعي وصلت نسب الطلاق الى 18%، بينما هناك 645 ألف زيجة سنويا، مع الفساد، والتضخم، وانتشار الرشوة، والبطالة، وغياب الواعز الديني والاخلاقي، وتصل معدلات الفقر إلى 16% من اجمالي عدد السكان، مع وجود اربعة ملايين شخص يعيشون تحت خط الفقر بنحو 70 دولار شهريا، في دولة تصنف ضمن دول المرتبة الاولى في انتاج النفط وتصديره عالميا. بالاضافة للتلوث البيئ الذي تسبب في تفشي الامراض القلبية والرئوية وارتفاع نسبة السرطان 500%، في واحدة من اكثر دول العالم تلوثا، بحسب تقارير الامم المتحدة. بالاضافة لاضطهاد القومي والعنصري في اقليم عربستان، الاهواز، الغني بالنفط والغاز، والذي يوفر 80% من ميزانية ايران."
كما كتب الدبلوماسي الإسرائيلي، شلومو بن امي، نائب رئيس مركز توليدو الدولي للسلام يقول: "في عام 2003، بعد أن غزت الولايات المتحدة افغانستان مع حلفائها في الناتو، انهت نظام صدام، ودمرت جيشه، وقد تخوفت ايرن من ان تكون محاصرة،& فلم تضع وقتا في تقديم الطاعة للغرب على الامور المعلقة، فوقفت برنامج سلاحها النووي، وأدعنت أمام الأمن الاقليمي.. بينما كان للاتفاق النووي الاخير تأثير معاكس، فمع أنه قد يبطئ تطوير سلاح نووي ايراني، ولكن لن يوقفه، كما لا يعالج معضلة الطموحات الايرانية في الهيمنة على المنطقة.. ونتيحة لكل ذلك فقد خلقت الاتفاقية النووية فوضي استراتيجية، في منطقة منشلة أصلا.. لتصبح أيام زاهرة لايران، فبعد أكثر من عقد من العزلة والمقاطعة الاقتصادية، شرعت المؤسسة الدولية وضعها، كدولة نووية.. وبالنسبة لاعداء ايران، فرسالة الاتفاقية النووية واضحة، احمي مصالحك الحيوية، بدل انتظار الولايات المتحدة، وهذا ما تفعله بالضبط مصر والسعودية مع العرب، حيث اسسوا قوة عسكرية مشتركة، لمحاربة التأثير الايراني في المنطقة.. وفي الوقت الذي فيه مشغولة تركيا بمراجعة حساباتها الاستراتيجية، اتهم الرئيس طيب اردوغان أيران بانها تعمل على الهيمنة في المنطقة. وكنتيجة لذلك وجدت تركيا نفسها متعاونة مع السعودية.. وهناك أخطاء نتاينياهو في فهم التحدي الايراني، فليس هو تحدي تهديد وجود، بل هو جزء من صراع إيراني أوسع للهيمنة على المنطقة، فبدل ان يضيع الوقت في حملة لقتل الاتفاق النووي، كان عليه التركيز على النتائج الاستراتيجية للصعود الايراني، فالاهم هو السلوك الجغرافي السياسي الايراني.. كما يجب على أمريكا أن تفكر بشكل أشمل عن الاتفاقية النووية مع إيران، بتطوير استراتيجية ترجع ثقة حلفائها في المنطقة، وفي الحقيقة السؤال الرئيسي لم يكن متى ستطور إيران سلاحها النووي، ولكن كيف ستتناغم وجودها في نظام اقليمي مستقر، وبدون التدخل في الدول المجاورة، قبل أن تطوره."&
&&كما لفت نظري مقال كتبته الاخت الفاضلة، الاستاذه سوسن الشاعر، تقول فيه: "تحكى أن قطار الوطن السائر المستمر منذ الاف السنين يتوقف في عدة محطات لينقل الركاب، ومن ثم يكمل مسيرته، اخرها كان محطة انتخابات 2014، فركب الشعب البحريني، وتخلفت مجموعة منه، ظنا منها ان القطار لن يبارح المحطة، دونها وهددت بتصفير مقطورات القطار، واذا بالقطار يتحرك بمن حضر ومن ينطلق، وبقيت المجموعة في المحطة تندب حظها.. بعد أن أدركت "المجموعة" عدم صوابية قرارها طرحت فكرة "المراجعة" بين أعضائها فأين المشكلة؟ المشكلة أن من ضلل "المجموعة" هو من يطرح المراجعة وما زال مستمرا يطرح نفسه كحكيمها، مركزا المشكلة في الركاب الذين غادروا المحطة،& وركبوا المركب، وتركهوهم، متهما اياهم، بأنهم هم السبب وراء بقائهم وحيدين في المحطة.. وهذه البلاهة ومحدودية التفكير في هذه القيادات، هي التي جعلت القطار يسير دون انتظار، لإلهام وحكمة تنزل على تلك القيادات، فلا وقت للانتظار!! حقيقة أخرى لابد أن يعرفها المنخلفون في المحطة أن جميع من ركب القطار منشغل بما هو أهم فعلا، غير عابئ إلا بصيانة القطار، وباستمرار سيره، ومشغول بأولويات، ولا ينظر للخلف، إلا في فترات الاستراحة فقط، فلا تنشغلوا أنتم بهم، قوموا "بمراجعتكم" لأنفسكم، وكفوا عن لوم غيركم. حقيقة أخرى لابد أن يعرفها "المراجعون"، أن مراجعتكم لأنفسكم لن تعيد القطار للوراء لالتقاط من تبقى، لذلك لا يفكر بإعاقتكم، ولا يفكر بمنعكم أحد ممن ركب القطار، وعليكم اللحاق به في محطة 2018، مع الأخذ في الاعتبار أن الوقت يمضي سريعا.. كلمة أخيرة اثنان ضيعوكم إيران وقياداتكم (الدينية والسياسية والاعلامية) فغيروا عتبة دراكم، بارك الله فيكم، إن أردتم اللحاق بقطارالوطن."
&ويبقى السؤال كيف ستغير المعارضة عتبة الدار؟ هل ستراجع طبيعة حلفائها؟ وهل ستستنكر التلاعب بالدين في دهاليز السياسة؟ هل ستطالب رجال الدين "المسيسين" الرجوع ألى المسجد لنشر اخلاقيات الدين السمحة، في التعاضد والتعاون والتناغم؟ وهل سيلعبوا دورهم في تخليص مجتمعاتنا من "السرطان الثيوقراطي الطائفي"، بطرفيه المتطرف والمتوحش؟ وهل ستنظف عقولهم من "ثيولوجيات" القرون الوسطى الممزقة، و"ايديولوجيات" قرن التاسع عشر المفلسة والبائدة؟ وهل سيركبوا قطار "حزم" الحداثة والتنمية المستدامة، للعمل على تهيئة مجتمعات شرق اوسطية متقدمة، سلاحها المعرفة، والتكنولوجيات المتقدمة، وسلوكياتها في قيم روحانية الدين الانسانية؟&&&
&كما لفت نظري مقال أخر يطرح حلول لمعالجة التحديات التي تعيشها مملكة البحرين، كجزء من منطقة الشرق الأوسط، والتي قد تكون نموذج جميل لمستقبل هذه المنطقة بسبب صغر الحجم، وعراقة التاريخ، وتحرر الشعب، وحكمة وحزم القيادة، بالاضافة لرأسمالية ذي مسئولية مجتمعية، وبيئة متطورة من الانضباط، والنظام المجتمعي، مع البنبية التحتية المتطورة، والحكومة الالكترونية الشاملة، مع نظام تعليمي وصحي مجاني، ومميزات تقاعد جيدة. فقد كتب الاستاذ عبد الحسن بوحسين، أحد خيرة المدراء السابقين، في ديوان الخدمة المدنية بمملكة البحرين مقال يقول فيه: "دعوة (المعارضة) لمراجعة استراتيجية ومنهجية العمل السياسي.. وردود الأفعال المتباينة على هذه الدعوة، تعبّر جميعها عن ظاهرة صحية وحراك مجتمعي سليم.. ويستعرض المقال بعض الأفكار والمفاهيم حول موضوع التقييم والمراجعة على أمل أن تثير عصفاً ذهنياً موضوعياً يهدف إلى بلورة أفكار تساهم في الخروج من حالة الركود.. وقد تم ترتيب الأفكار كما يلي: 1- إن منهجية التقييم والمراجعة هي ظاهرة طبيعية وصحية في مؤسسات المجتمع بجميع أنواعها. فتقييم الأداء هو المؤشر الذي يساهم في تصحيح المسار. والتقييم الذي يعني التقويم لا يستهدف الأشخاص في أية قيادة إدارية أو سياسية بصفتهم الشخصية، بقدر ما يساعد القواعد والقيادة على تصحيح المسار لتستمر السفينة في مسارها الصحيح. من هنا لا يعتبر التقييم عيباً في المجتمعات المتحضرة والمتطورة بقدر ما هو أداةٌ ضروريةٌ لتطوير الاستراتيجية ومنهجية العمل نحو الأفضل، واستكشاف البدائل الأكثر فاعلية.. 2- إن غياب التقييم والمراجعة رديفٌ للجمود الأيدلوجي الذي تسبّب في انهيار الأنظمة الشمولية في كثير من الدول، في حين حافظت منهجية التقييم والنقد الإيجابي على حيوية وتجدّد وتماسك المجتمعات الغربية.. وجنّبتها مخاطر التمزق والتشتت. 3- تتيح منهجية التقييم والمراجعة للقيادة والقواعد فرصةً لتحليل مكامن القوة والضعف، وعوامل الربح والخسارة، وقراءة التطورات بنظرة تحليلية واقعية. 4- فإن نجاح أية قيادة في أية منظمة سواءً كانت سياسية أو اقتصادية أو خدمية، يعتمد على حيوية هذه القيادة ومرونتها في اقتناص الفرص من جانب، وخلق وعي وتماسك يمنح هذه القيادة قدراً كافياً من المرونة في صنع القرار في جانب آخر. وفي حالة وضع الحصان خلف العربة وترك زمام الأمور بيد شباب متحمس.. تفقد القيادة ميزة القدرة على التوجيه العقلاني بسبب الخشية من اتخاذ القرار وخصوصاً في الأوقات الحرجة."
ويستمر الكاتب بقوله: "5- إن تبني منهجية التقييم والمراجعة توفر الفرصة للتحليل العلمي والموضوعي. فعلى سبيل المثال تعتبر الهياكل السياسية في منطقة الشرق الأوسط نتاجاً لما بناه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية. إن أي تطور في هذه الهياكل السياسية أصبح مرهوناً بالقدر الذي يتلاءم ومصالح هذه القوى العالمية. من هنا يعتبر من تبسيط الأمور تبنّي أي منحى للمساس بتركيبة هذه الهياكل من قبل أية فئةٍ بطريقة مغايرة لما تراه هذه القوى ملائماً ومصالحها الحيوية وتحالفاتها الاستراتيجية. 6- إن تبنّي منهجية التقييم والمراجعة يوفّر الفرصة للتفكير الجماعي واستكشاف البدائل التي تقلّل من الخسائر وتحافظ على المكتسبات وتجنب القواعد تحمل أعباء ودفع أثمان من دون مقابل.. من جهةٍ أخرى فإن التقييم والمراجعة يعني مزيداً من الواقعية وتقليلاً من التوجه الأيدلوجي الذي يستورد مفاهيم وشعارات جميلة من ثقافات وبيئات أخرى ليس بوسعها أن تنبت ثمراً في بيئة مغايرة. 7- ومن خلال التقييم والمراجعة، يمكن تحليل عوامل كثيرة كعامل موازين القوى التي تحدّد حجم تنازلات الأطراف المتصارعة في فترة معينة. فعلى أساس هذا العامل قد تصبح العروض المتوفرة في الماضي غير متوفرة في الحاضر إذا ما أساء طرفٌ معينٌ قراءة التحوّلات في موازين القوى وفشل في اغتنام الفرص.. إن العمل على استنباط نموذج ملائم لطبيعة وضعنا السياسي هو مسئولية الجميع، ولكنها مسئولية أكبر على الطرف الأهلي الذي بات يدفع أثماناً تزداد وطأتها عليه بمرور الأيام من دون مؤشرات على وجود تعاطف جاد لأطروحاته السياسية من قبل دول مؤثرة على المستوى الإقليمي والدولي."
&ويبقى السؤال لعزيزي القارئ: هل سيشارك في قطار الحزم الشرق اوسطي مع الشعوب العربية (وطبعا مع دولة فلسطين المستقلة)، بتناغم
تعاون جميل، كل من شعوب تركيا وايران وإسرائيل، لوقف خراب المنطقة، ولخلق بيئة تنمية مستدامة، من خلال سوق شرق أوسطية مشتركة، وبرأسمالية ذات مسؤلية مجتمعية، حلفية للغرب الأمريكي الأوربي، والشرق ألأسيوي؟ ولنا لقاء.

د. خليل حسن، سفير مملكة البحرين في اليابان