مبدأ "التوافق السياسي" البغيض الذي جر الكوارث والويلات على عراق ما بعد سقوط نظام صدام حسيبن وأفرغ عملية تحرير العراق من محتواها الأساسي بتكريس المحاصصة الحزبية بكل شيء في العراق،سلطة وثروة ونفوذ ما جعل من المسيرة الديمقراطية تتقهقر عشرات السنين الأخرى الى الوراء. ويبدو أن هذا المبدأ اللعين إنتقل كعدوى الى إقليم كردستان،وأصبح يفرض على العملية السياسية منذ تراجع شعبية الحزبين الحاكمين بالإنتخابات الأخيرة، وظهور قوة أحزاب المعارضة والتي يبدو أن الحزبين الحاكمين لايتحملانها ولايستطيعان هضمها كحقيقة أفرزتها إرادة الشعب عبر الإنتخابات. فهذان الحزبان (الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والإتحاد الوطني الكردستاني) اللذان يتقاسمان السلطة بكردستان منذ مايقرب من ربع قرن،لايبدو أنهما سوف يتخليان عن السلطة حتى لو كانت نتائج الإنتخابات الببرلمانية في غير صالحهما..

وإذا كان الإتحاد الوطني الذي خسر جزءا كبيرا من شعبيته في الإنتخابات الأخيرة بسبب تقربه من حزب بارزاني وموافقته على تمديد ولاية مسعود بارزاني لسنتين إضافيتين على ولايتيه المنتهيتين، قد راجع نفسه بعد أن دفع تلك الضريبة الباهضة، وعاد الى تنسيق مواقفه مع بقية الأحزاب الكردستانية الثلاثة التي كانت محسوبة على المعارضة السابقة، فإن حزب بارزاني ماض في تسلطه وتفرده بالقرارات السياسية وفرض إرادته على الأحزاب الأخرى تحت ذريعة " التوافقات السياسية"، فهو لا يقبل بالمطلق أن يكون لأي حزب من أحزاب كردستان بما فيها الأحزاب المشاركة معه بحكومة الإقليم رأي مخالف لرأيه أو موقفا مغايرا لسياساته على إعتبار ذلك يخالف التوافق السياسي ما يهدد وحدة الصف الكردي.فأي رأي مخالف لرأيه يصوره هذا الحزب كعداء له، وأي موقف موحد تتبناه الأحزاب الأربعة يعتبره مؤامرة ضده، وقد صرح عدد من قيادات الحزب بمثل هذا لوسائل الإعلام المحلية، بل أن بعض قيادات حزب بارزاني لم يتورعوا من توجيه التهديدات الى الأحزاب الأربعة من مغبة تنسيقهم وتوحيد مواقفهم المشتركة.

مع إقتراب نهاية الولاية الممدة لمسعود بارزاني يسعى حزبه الى الترويج لتجديد الولاية رغم عدم وجود أي سند قانوني لذلك، ويطلق قادته تصريحات مكررة حول ضرورة ترشيح مسعود بارزاني لولاية رابعة متوهمين أنه لابديل له بتولي الرئاسة،ويروجون لفزاعة أن كردستان ستصبح بمهب الريح إذا لم يتول بارزاني ولاية رابعة، وأن مشروع الدولة الكردية سيفشل بغياب بارزاني عن السلطة رغم أن بارزاني لم يتطرق الى هذا الموضوع كما كان منتظرا منه مع رئيس الولايات المتحدة وإدارته في زيارته الأخيرة بحسب البيان الصادر عن تلك الإدارة..

بالتزامن مع ذلك فإن برلمان كردستان شكل مؤخرا لجنة من 21 عضوا لتعديل مشروع دستور الإقليم الذي من شأن إقراره أن يجيز لبارزاني الترشح لولايتين أخريين بواقع أربع سنوات لكل ولاية، بمعنى أنه بعد إقرار الدستور فإن بارزاني ستصفر ولاياته السابقة وسيكون له الحق بالترشح لولايتين أخريين،وبالمقابل فإن الأحزاب الأربعة الرئيسية الأخرى تسعى بدورها الى تعديل الدستور بما يؤدي الى تغيير النظام السياسي بإقليم كردستان من النظام الرئاسي الى النظام البرلماني ثمنا لتجديد ولاية بارزاني. وهناك خلاف آخر حول تعديلات الدستور وهو إصرار حزب بارزاني على ضرورة إنتخاب رئيس الإقليم ويقصد به مسعود بارزاني من قبل الشعب، وهذا مخالف للنظام البرلماني الذي يوجب إنتخاب الرئيس من قبل البرلمان ليكون بذلك خاضعا لسلطة البرلمان..والسجال قائم لحد الآن على الرغم من نفاذ الوقت على تعديل الدستور..

رغم أنه ليس هناك على الإطلاق أي نص قانوني أو دستوري أو قرار برلماني يجيز لمسعود بارزاني أن يترشح لولاية أخرى كرئيس للإقليم، ولكن يبدو أن التوافق السياسي البغيض سيتم الإلتزام به من قبل بقية الأحزاب لإهداء ولاية أخرى لبارزاني، ومادام الأمر سيقرر في المطابخ الخلفية للأحزاب، فإني أقترح على الاحزاب الاربعة القبول بمطلب حزب بارزاني بإجراء إنتخابه من قبل الشعب، ولكن بشرط أن تكون هناك منافسة قوية وليست شكلية لترشح مسعود بارزاني لكي تتجسد الديمقراطية بأعلى معانيها على أرض الواقع ولكي نبين للعالم أجمع بأننا شعب نلتزم بالديمقراطية ونعمل على ترسيخها لمستقبل دولتنا الكردية المستقلة القادمة. وبناءا عليه يفترض بالقيادات الكردستانية أن تجرؤ على طرح منافس قوي لبارزاني لكي لا يتحول الى دكتاتور آخر على غرار ديكتاتوريي المنطقة الذين يأتون بمرشحين ضعفاء أوشخصيات هامشية من أجل أن يفوزا بالإنتخابات ويحكموا الى نهاية العمر؟.

هناك عشرات القيادات السياسية المعتبرة بإستطاعتها منافسة بارزاني وهم لا يقلون شأنا ولا دورا عن مسعود بارزاني، مثل الزعيم السياسي الكبير نوشيروان مصطفى، وغيره من قيادات الأحزاب السياسية المحترمة التي تحظى بشعبية لدى الجماهير قد تفوق شعبية بارزاني مثل الدكتور محمود عثمان وهو مرشح سابق لقائد الحركة التحررية، والقيادي عادل مراد رئيس البرلمان الحزبي للإتحاد الوطني، وصلاح الدين بهاءالدين الأمين العام السابق للإتحاد الإسلامي، وغيرهم من قيادات الصف الأول للأحزاب الكردستانية الثورية، فليس هناك أي معنى لكي يستصغر هؤلاء القادة أنفسهم أمام بارزاني ويسلمون قيادهم إليه وهو الذي فشل وحزبه فشلا ذريعا في إدارة شؤون الإقليم منذ ربع قرن وأغرق حزبه كردستان بالفساد والخراب؟. أفلا تستحق المباديء والشعارات الديمقراطية التي ناضل من أجلها هؤلاء القادة، أن يتجرأوا بمنافسة بارزاني ليؤكدوا للعالم أنه ليس وحيد زمانه والحريص الوحيد على مصلحة شعبه وأمته؟.

إذا أخذنا بنظر الإعتبار نتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة بكردستان وعدد مقاعد كل حزب في البرلمان، فإن شعبية حزب بارزاني لاتتجاوز 38 بالمائة وهو عدد مقاعد حزبه في البرلمان، ففي الإنتخابات الرئاسية الأولى والثانية كان حليفه الإتحاد الوطني متضامنا معه، حتى أن الرئيس جلال طالباني كان يقوم بجولات إنتخابية لدعم بارزاني، وكان أعضاء وأنصار الإتحاد الوطني يصوتون لصالح بارزاني، ولكن في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة حين تجرأ الإتحاد الوطني بخوض الإنتخابات بقائمة منفردة، ظهر الوزن الحقيقي لحزب بارزاني والذي لم يتجاوز ربع مقاعد البرلمان،وهذا يؤكد بأن هناك فرصة حقيقية لمنافسة بارزاني على منصب رئاسة الإقليم.

أدعو الاحزاب الكردستانية الأربع الرئيسية الى قبول مقترح حزب بارزاني بإجراء انتخابات رئيس الاقليم من قبل الشعب مباشرة، على شرط أن يكون لدى كل حزب مرشح قوي لمنافسة بارزاني لإنتزاع الأصوات منه، أو الإتفاق بين الأحزاب الأربعة على مرشح قوي يحظى بموافقتها مجتمعة وطرحه منافسا لبارزاني مع التأكيد على أعضاء وأنصار الأحزاب الأربعة بالتصويت لصالح هذا المرشح، ويمكن ترشيح منافس لبارزاني من قبل الأحزاب الأربعة حتى لو جرى الانتخاب من داخل البرلمان وعند ذلك سيتبين الوزن الحقيقي لبارزاني وحزبه، وبذلك سنتمكن من إنقاذ إقليم كردستان من التحول الى الحكم الديكتاتوري.

&