بما أن الأثر أهم من صاحبه فهناك اقتراح يخطر ببال المواطن السوري ألا وهو لما يا ترى لا تلجأ الأمم الى اختراع أسرع وسيلة للتخلص من الأصحاب فور الانتهاء من تقديم آثارهم؟ وينتهي من بعدها مباشرةً مفعول واحدهم، كما ينتهي مفعول النحلة بعد أن تلسع أحدهم بشوكتها، ومن ثم العمل على تخصيص لجنة تعرِف ولديها القدرة على اكتشاف أهم أثرٍ قد يتركه المرءُ في حياته، لتسارع بعد تقديم الشخص لمنتجه الى قطف رأسه والتخلص منه لأجل الاحتفاء بالأثر الذي سيتركه خلفه، فمثلاً إذا كان المرءُ شاعراً، فعلى المُختص بالحفاظ على أثره والمعني باستخراج الاكسير منهُ، أن يعرف أي مُنتجٍ من منتجاته يمكن أن يختزل كل تجربته، وبناءً عليه تؤخذ المادة الثرية منه ويتم إرسال صاحبها الى محكمة الدواعش، ليتكفلوا به ويبعثوه الى ديار خالقهم بأقصى سرعة ممكنة، حتى لا يُشكل ازدحاماً على الخارطة الكونية التي ضاقت ذرعاً بوجوده، وهكذا دواليك يتبع مسلسل اختيارات آثار الأوادم إن كانوا علماء أو فلاسفة أو باحثين أو رواة...الخ، ومن ثم العمل قدر الإمكان على سحب الرحيق الإبداعي لواحدهم حتى قبل أن يأتي أجله، بما أن المادة الصادرة عنه هي أكثر أهميةً منه، كما كانت الرؤوس أهم من أصحابها لدى السيد تايلور بيرسي، في قصة أحد صيادي الرؤوس في غابات الأمازون التي استفتح بها الكاتب الغواتيمالي أوغستو مونتيروسو مجموعته القصصية المعنونة بـ: "أيها القناع الصغير أعرفك جيداً"، ذلك الصائد الذي تحول من فقيرٍ مهملٍ جائع يبحث له عن فتاتٍ من الطعام في الغابات ليتحول فيما بعد الى تاجر ومُصدر مُهم للرؤوس البشرية في الأمازون.

وباعتبار أن الأشياء التي يتركها الإنسان هي أهم منه، والأثر أكثر قيمة لدى المجتمع الدولي من صاحب الأثر نفسه، لذا جاء الاهتمام الدولي بآثار تدمر أكثر من سكانها وقبلها كل سكان سوريا، لذا دفع هذا الحرص العالمي كل العاملين في منظمة اليونسكو ليشعروا بارتفاع ضغط الدم لديهم وسرعة خفقان القلب فور سماعهم نبأ سقوط تدمر بأيدي داعش، حيث عبّرت اليونسكو عن مخاوفها على الإرث التاريخي في المدينة، فيما دعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند العالم إلى التحرك الدولي مطالباً إياها بالاستنفار لأجل هذا الخطب الجلل، قائلاً: "إنه يجب على العالم أن يتحرك لأن سيطرة داعش على مدينة تدمر تشكل تهديداً للآثار التي هي جزء من تراث الانسانية"، باعتبار أن التراث البشري هو أبدى وأهم قيمةً من البشر أنفسهم، هذا حيث تعالت المخاوف الدولية من تدمير داعش للمعالم السياحية في المدينة التاريخية على غرار ما فعله بمناطق أثرية مماثلة في العراق لا سيما في الموصل، وذلك بعد سيطرة التنظيم

العابر للقارات على مدينة تدمر منذ يومين، بعد انسحاب قوات النظام السوري منها، كما انسحب الجيش العراقي من الموصل واضعاً مصير البشر والحجر بين أيدي هذه العصابة، وكما فعل الجيش العراقي للمرة الثانية أيضاً يوم قام منذ أيام بتسليم الرمادي للتنظيم نفسه، هذا ومن جهته قد عمد التنظيم بعد سيطرته على تدمر إلى اعدام العشرات، وسط مخاوف السكان من المغادرة خوفاً من مواجهتهم نفس المصير الذي لاقاه غيرهم على أيدي مخترعي طرائق الموت التي تناسب مزاجهم الأيديولوجي وربما تُرضي رغبات واجديهم.

وبما أن المواطن السوري اسمه غير موجود على أية لائحة كونية تضمن حقه في البقاء والمحافظة على بقاياه، وذلك على غرار آثار تدمر الموجودة على لائحة التراث العالمي والتي دفعت بمديرة اليونسكو ايرينا بوكوفا لتعبر عن قلقها العميق إزاء ما يحصل في تدمر، وهي القائلة: "بأن علينا إنقاذ الموقع الذي منذ أربع سنوات يعاني من النزاع، وهو المحتوي حسب قولها على كنز لا يعوض للشعب السوري وللعالم"، وكذلك ما صرح به مدير الآثار والمتاحف في سوريا مأمون عبدالكريم الذي لم يتحدث ولو عن مجزرة واحدة بحق البشر منذ أكثر من أربع سنوات، فقال بخصوص تدمر في ندائه الموجه للعالم "يجب أن يكون هناك ضغط من المجتمع الدولي لمنع تقدم تنظيم داعش باتجاه مدينة تدمر الأثرية" والقائلُ أيضاً "بأن سقوط هذه المدينة يعد بمثابة سقوط للإنسانية جمعاء" حيث أن مدينة تدمر بحسب المهتمين بها هي بمثابة جوهرة أثرية وواحدة من ستة مواقع أثرية سورية مدرجة على لائحة اليونسكو، لذا ولأهمية أطلالها فالخوف لا يزال يراود المراقبين من المصير الذي قد تنتظره لُقى وأقراط وعواميد الملكة زنوبيا، خاصة وأن عناصر التنظيم المذكور مهرة في التخريب ولهم تجارب سابقة شَهِدَ عليها العالم بفظاعتهم في تدمير الأوابد والمستحاثات التاريخية، كما حصل في مدينة نمرود الأثرية بالعراق، لذا وأمام هذه المفارقة الغرائبية التي تجعل الأثر أبدى وأكثر قيمةً من صاحبه، فما على المواطن السوري إلا أن يُقدم عريضة لليونسكو تؤكد بأن مثله مثل أية قطعة أثرية لا روح فيها، وذلك حتى من خلالها يكسب ود المنظمات المعنية بجمع اللقُى والأثار التي تركها الأسلاف في الصحراء، حتى يسارع المجتمع الدولي على أثرها الى تأمين طوقٍ أمني لحمايته، ومن ثم انتزاعه اسوة بالآثار من بين براثن رُعاع الدينِ والزبانية الذين أعلنوا عن مكان قيامتهم بدون العودة الى الله ونيل الرخصة منه، أو استشارته بكل ما يقومون به في سوريا والعراق.

&