عاد القادة والمسؤولين العسكريين الايرانيين في الفترة الأخيرة إلى ترديد الشعار "المهجور" الذي اختفى من ساحة الخطاب السياسي الايراني منذ سنوات مضت، وهو مصطلح تصدير الثورة.
من يتابع تطورات المشهد السياسي الايراني، يدرك أن العودة إلى هذا الشعار ليست بمنأى عن الأزمات المتفاقمة في الداخل الايراني، فإيران هي نظام ثوري أيديولوجي بامتياز، ودولة ثيوقراطية لا خلاف على ذلك بين الباحثين والمتخصصين، ومن ثم فإن إحدى أبرز سمات هذه الأنظمة هو افتعال الأزمات الخارجية بغرض صرف الأنظار عن أي أزمات داخلية.
هذا هو مايحدث تحديدا من الجانب الايراني، الذي يعاني خيبات استراتيجية اقليمية عدة، سواء في اليمن أو سوريا، فضلا عما يعانيه نظام الملالي من فوران داخلي في أقاليم إيرانية عدة، حيث تشهد إيران احتجاجات متزايدة للاقليات التي يسيطر عليها النظام بالحديد والنار، فقد اندلعت في الآونة الأخيرة احتجاجات على خلفيات اثنية في الأحواز (عربستان) جنوبا، واقليمي كردستان وبلوشستان، وآخر هذه الاحتجاجات ماشهدته مدينة مهاباد ذات الاغلبية الكردية بولاية أذربيجان الغربية.
تدرك إيران أنها تواجه لحظة تاريخية فارقة تهدد بزوال نظام الملالي، فأذرع هذا النظام في لبنان وسوريا واليمن تواجه مصيرا مدمرا في ظل الهزائم التي تتعرض لها في مناطق تمركزها مايعني بالضرورة إهدار مليارات الدولارات التي استثمرها الملالي من أموال الشعب الايراني في نشر الاضطرابات والقلاقل في دول المنطقة. وعندما ينتقل الخطر إلى الداخل فإن المسألة تبدو ضاغطة بقوة على أعصاب النظام الايراني، الذي اهتزت الأرض تحت أقدامه بعنف عندما تابع هتافات عرب الأحواز بالاستقلال، في حين تنامت أيضا أصوات الأكراد المطالبة بالانفصال، وبعض دول الجوار الايراني الشمالي تنتظر لحظة الانتقام من ممارسات طهران ضدها طيلة العقود والسنوات الماضية.
من يتابع الفضائيات الايرانية وتلك الموالية للنظام الايراني في دول عربية عدة، يدرك بسهولة أن إيران تحاول التغطية على هزائم استراتيجية تتوالى عليها في الملفات التي تمسك بها، والتي دفعتها مؤخرا إلى التباهي بانها تسيطر على أربع عواصم عربية، وأن الامبراطورية الفارسية ستعود إلى أمجادها التاريخية!!.
ماتفعله إيران في الوقت الراهن هو محاولة تصدير الأزمات الداخلية إلى محطيها الاقليمي، لصرف أنظار الشعب الايراني عما يحدث داخليا، وتجييش المشاعر القومية الايرانية في مواجهة حروب وهمية يخوضها النظام في الخارج!. النموذج الأبرز لمحاولة النظام الايراني افتعال صراع عسكري في المنطقة هو سفينة المساعدات الانسانية التي سعت طهران جاهدة إلى جعلها شرارة إطلاق حرب مع المملكة العربية السعودية!!.
لا يمكن الاقتناع بأن مايربط إيران باليمن يجعل طهران تجازف بالدخول في مواجهة عسكرية مع جار قوي مثل المملكة العربية السعودية من أجل ايصال حفنة مساعدات إلى اليمنيين!! الواقع يؤكد أن دول مجلس التعاون تأخذ باعتبارها الوضع الانساني في اليمن، وتكثف جهودها من أجل ايصال المساعدات الانسانية والاغاثية إلى هذا الشعب الشقيق، الذي يربط دول مجلس التعاون به روابط دم وقربى وصلات عائلية لا يمكن بأي حال مقارنتها مع الجانب الايراني. ومع ذلك تصر إيران من خلال ذراعها الحوثي على تحويل الوضع في اليمن إلى أزمة انسانية متفاقمة بهدف إحراج المملكة العربية السعودية والحلفاء العرب دوليا واقليميا، حيث تدرك طهران حساسية الأزمات الانسانية بالنسبة للمملكة وحلفائها وتضغط في هذا الاتجاه بهدف الضغط على الرياض لوقف عملياتها العسكرية.
كل ماسبق يشير إلى أن إيران تعاني مأزقا داخليا وخارجيا حقيقيا، وتتخبط في سياساتها، وهي حالة تنذر بالخطر وينبغي الانتباه لها من مخططي السياسات الخليجيين، لأن معطيات المشهد الايراني قد تدفع النظام إلى ارتكاب حماقات استراتيجية يصعب التنبؤ بها في الوقت الراهن.
&