عندما دعا الرئيس الأمريكي – الثاني من إبريل الماضي - قادة دول مجلس التعاون إلي لقاء تشاوري في البيت الابيض يومي 13 و 14 من شهر مايو الجاري أعقبه مباحثات في منتجع كامب ديفيد الرئاسي حول ضمانات أمن الخليج في ظل معطيات إتفاق إيران والدول الخمسة الكبار + 1 نهاية الشهر القادم ، كان يعرف تماماً الأدوات التي سيستخدمها لكي يتحظي بالتوافق الذي يرمي إليه دعماً لمصالح بلاده العليا من ناحية و خدمة لتطلعات حزبه افنتخابية الرئاسية من ناحية ثانية..&

لا خلاف بيننا..&

كان لا بد لواشنطن أن تقدم تطمينات عملية لحلفائها الخليجيين بعد ما تناقلت وسائل الإعلام والتقارير السياسية مختلف بواعث القلق التي ثارت لديهم عقب الإعلان عن فحوي الإتفاق المبدئي مع طهران ، خاصة وان بعض العواصم المؤثرة في ميزان السياسات الدولية أفتي بأن الاتفاق سيمنح إيران اليد الطولي في المنطقة شاء من شاء وأبي من أبي ، مكافأة لها علي الإستجابة منها لأنه يكون ملفها النووي سلمياً..&

قبل الموعد المحدد للإجتماع ، تناقلت الكثير من التحليلات أنه سيرتكز علي محورين اساسيين.. الأول تعزيز التعاون الأمني والمعلوماتي بين واشنطن وهذه المجموعة من الدول للوقوف في وجه أي تهديد إيراني قد يلوح في الأفق.. الثاني تقديم المشورة إلي قادتها لكيفية تلافي أسباب القلق الداخلي علي مستوي شعوبها بسبب غياب الإصلاحات والمساواة من ناحية ومحاربة الإرهاب الذي يتهددها جميعا علي يد تنظيم داعش وغيره من تنظيمات أضحي بعضها قريب من حدود الدول الست السيادية من ناحية ثانية..&

وبعد أن انتهي اللقاء وضح للكافة أنه اهتم بالشق الاول بنسبة 90 %..&

والسؤال الذي يطرح نفسه..

هل دول مجلس التعاون الست في حاجة ماسة إلي أسلحة جديدة ومنظومات دفاعية متقدمة؟؟ أم أن المسألة برمتها تُمثل إنتهازية أمريكية تسعي لإستغلال الفرص المتاحة لكي تحقق ما تقدر عليه من مكاسب مادية ومعنوية؟؟..&

من جانبي ازعم أن إدارة الرئيس الأمريكي نجحت إلي حد كبير في توظيف الإتفاق المبدئي مع إيران لكي تحقق هدفين..&

الأول.. بيع مزيد من السلاح ومن المنظومات الأمنية لهذه المجموعة من الدول..&

والثاني.. الترويج للحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس أوباما علي مستوي الإنتخابات الرئاسية التى يستعد لها الحزبان الكبيران بما أوتي كل منهما من مهارات ظاهرة وباطنة..&

العلاقات الأمريكية الخليجية التى هي في معظمها عسكرية بالدرجة الأولي ، مرت بمرحلتين واحدة عقب غزو عراق صدام حسين للكويت عام 1990 ، والثانية عقب إندلاع ما وصف بثورات الربيع العربي عام 2011..&

كلا المرحلتين أسست لتواجد عسكري أمريكي دائم علي مستوي المنطقة كلها وقاعدتين عسكريتين في قطر ، وقاعدة بحرية ضخمة للأسطول الخامس في البحرين قادرة علي مراقبة ما يجري في الخليج وإمتداته إلي بحر العرب ومدخل البحر الاحمر وشرق أفريقيا ، بالإضافة إلي قاعدتين في جبل علي بدولة الإمارات..&

أما المرحلة الثالثة..&

فيمكن القول أن بيان مباحثات كامب ديفيد ( 13 من الشهر الجاري ) أرخ لها ، حيث أكد أن العلاقات الثنائية بين الطرفين " ستحكمها إستراتيجية جديدة " تهدف في المقام الاول إلي " بناء أوثق " للثقة بينهما في كل ما يتعلق بالنواحي الدفاعية والأمنية..&

وهذا إعتراف ضمني أن الثقة التى كانت قائمة بينهما لسنوات طوال ، إهتزت أو تراجعت بعض الشئ ، ولكي تستعاد يتطلب الأمر..&

1 – إلتزام واشنطن باستخدام كافة عناصر القوة علي وجه السرعة لحماية المصالح المشتركة في الخليج ، ولردع أي عدوان خارجي قد يقع ضد الحلفاء والشركاء العرب..&

2 - ان يتبادل الطرفان المشورة قبل أن يخطط الجانب الخليجي لأي عمل عسكري خارج حدود دوله الست الجغرافية..&

3 – أن يشترك الطرفان عن طريق تبادل المعلومات الأمنية في التصدي لأي نشاط من شأنه أن يزعزع الأمن والإستقرار في المنطقة برمتها..&

4 – أن تتعهد واشنطن بأن تبدي إيران تفهماً لمبادئ حسن الجوار فيما يخص علاقتها بالدول الست ، وان تبتعد عن كل ما يمكن أن يوصف بأنه تدخل في شئونها الداخلية وفق نصوص القانون الدولي ، وأن تسعي لحل المشاكل والنزاعات التى بينها وبينهم بالطرق السلمية..&

أميل إلي القول أن..&

هذه الإستراتجية الجديدة تتعارض جملةً وتفصيلاً مع التوجه السعودي المصري لبناء القوة العربية العسكرية المشتركة!! لأن الرئيس الأمريكي حرص علي إحياء المشروع الدفاعي الذي عرضته إدارته علي الدول الست قبل نهاية عام 2013 الذي يتطلب إنشاء نظام دفاعي صاروخي موحد + شبكة رادار جماعية + نظام إنذار مبكر يدعمه أجهزة إستشعار عن بعد ، ليكون بديلا لكل ما تفكر فيه الدول الخليجية من انظمة فرنسية او صينية او حتى تعاون عسكري مشترك مع مصر !!..&

هناك شبه إجماع بين الخبراء العسكريون أن هذا النظام ليس بالكفاءة التي كانت تتوقعها الدول الست التى لم تستفد كثيراً من النظام الدفاعي الذي أقامته وزارة الدفاع الأمريكية في المنطقة عام 1990 علي أثر هجمات صدام حسين علي السعودية ، كما لم تستفد بنفس القدر من التطوير الذي لحق به بعد ذلك بعشر سنوات.. يزيد من قوة هذا الرأي رفض واشنطن لبيع دول الخليج طائرات قتالية من أي طراز متطور..&

إذا كانت هذه الإستراتيجية لم ترق إلي مستوي عقد معاهدات أمنية ودفاعية تعكس شكلاً من أشكال التحالف الإقليمي القادر علي التصدي بقوة وفاعلية للقلاقل التى تهدد أمن وإستقرار منطقة الخليج !! فليس أمامنا إلا نتيجة واحدة تقول ان واشنطن سعت إلي طرحها لكي تجني من وراءها مكسبين.. احدهما مادي ، والآخر معنوي..&

أما المادي فسيعود في جانب منه إلي شركات إنتاج الأسلحة والأنظمة الدفاعية التى ستتولي تصنيع وتجهيز هذا النظام وما يتعلق به من شبكة الرادار وما سيلحق بها من أجهزة نظام مبكر وووسائل إستشعار عن بعد ، وفي جانب آخر إلي وزارة الدفاع الأمريكية التى ستتولي تدريب وإعداد الأطقم الخليجية التى ستشارك في إدارة وتشكيل هذه الأنظمة تحت إشراف وإدارة مجموعة من المستشارين العسكريين الأمريكين لفترة قادمة من الزمن..&

المكسب المعنوي لا يقل حجماً عن المكسب المادي لأنه يرتبط بالنتائج التى سيُحققها هذا الإتفاق علي أرض الواقع ، خاصة إذا ربطنا بينه وبين النتائج المباشرة التى سيتترتب علي الإتفاق المزمع إبرامه مع طهران نهاية الشهر القادم..&

عمليا سيصب كلاهما في مصلحة الدعاية الإنتخابية التى يمكن ان توفرها الإدارة الأمريكية وعلي رأسها باراك أوباما للحزب الديموقراطي في صراعه مع الحزب الجمهوري من أجل الفوز بمنصب رئيس الجمهورية القادم..&

الدعاية الإنتخابية في مثل هذه الأحوال ستركز علي واقع عملي ملموس ، يبرز..&

- فتح الطريق أمام مكاسب مادية – مليارات متتالية لعدة سنوات - لعدد لا بأس به من شركات إنتاج الأسلحة والأنظمة الأمنية ، وما يمثله ذلك من ضغوط سيتم توظيفها لصالح الحزب الديموقراطي..

- أن الإتفاق مع طهران حد من قدراتها النووية العسكرية علي الأقل لعشر سنوات قادمة ، ووضعها تحت الإشراف الدولي ، وإلزمها بإتخاذ سياسات تعبر عن حسن الجوار مع حلفاء واشنطن الخليجيون..&

- التوصل إلي أقرار إستراتيجية جديدة مع دول الخليج الست وفرت لهم إطار من التعاون الجماعي مع واشنطن لحماية مصالح الطرفين المشتركة ، وللتشاور معها عند التخطيط لأي عمل عسكري..&

مثل هذه الأساليب الدعائية التى تنطلق من حقائق موثقة ، تمنح الحزب الديموقراطي..&

ا – الحق في بلورة مجموعة من التعهدات المستقبلية التى يؤكد الواقع أن مرشحه سيكون في إمكانه تحقيقها ، خاصة إذا كانت ستأتي بنتائج إيجابية مع طهران ، التى عانت إدارات أمريكية متعاقبة من جراء عدم القدرة علي استقطابها..&

ب – التركيز علي أن الحزب الديموقراطي الذي إستطاع ممثله الحالي في البيت الأبيض أن يحقق العديد من المكاسب السياسية التى جنبت القوة العسكرية الأمريكية كافة أنواع الخسائر ، يستحق أن يفوز مرشحه بالمنصب الرئاسي القادم لكي يواصل تحقيق المزيد من الإستقرار في منطقة الخليج بضفتيها خدمة للمصالح الأمريكية الإقتصادية والأمنية..&

ج – التنويه بأن الأفعال الواقعية التي بدأت السياسة الأمريكية تَجني ثمارها تُمثل عنوان لما يمكن ان يأتي تالياً لها ، علي عكس الأقوال التى لم تُختبر بعد..&

* استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]

&