&&تتكاثر التساؤلات عن ظهور تنظيم القاعدة ومن ثم داعش ويحاول الكثير من المثقفين العرب الاجابة على هذه التساؤلات من اين ظهر هذا التطرف؟؟ من يموله؟؟ وكيف يتقبل الناس وجوده؟؟&

هناك الكثير ممن اعتاد على ترك الامور لنظرية المؤامرة ودس راسه تحت رمادها، فيتهم الغرب الاستعماري بانه من اوجد داعش وغيرها، لكن السؤال الذي لا يطرحه هؤلاء هل فرخت مختبرات الولايات المتحدة ومن قبلها بريطانيا التطرف الاسلامي منذ زمن الحشاشين في اقليم الري" ايران حاليا" ام ان ظاهرة الانتحار لها سمة اسلاموية بحته، ظهرت منذ عصوره الوسطى تحت عناوين مختلفة جلها من اجل الصراع على السلطة، بل ان حقيقة الخلاف الشيعي السني قائمة ضمن هذا المبدأ في منظور الاكاديميات السياسية ونظريات القانون الدستوري، ما بين تلك السقيفة التي بايعت ابا بكر الصديق خليفة لرسول الله "ص" وتلك المطالبات بان تكون الخلافة للامام علي بن ابي طالب، التي اتضحت في اكبر نموذج لها في ثورة الامام الحسين بن علي على بيعة يزيد بن معاوية، تلك البيعة التي رفضها الحسين وانتهت باستشهاده لكن الدولة الاموية نجحت في اعادة السلطة الى اصحاب الثروة وسحبتها من تحت اقدام اصحاب الحق الشعبي - ان صح التعبير وفقا لمصطلحات اليوم-،لكن هذا الاختلاف الازلي في التاريخ الاسلامي لم ينته في طيلة عصوره الزاهرة وفي الخلافتين الاموية والعباسية من ثورات شعبية بمختلف الاتجاهات تطالب بالحق الشعبي من اصحاب السلطة الذين حكموا العباد بنثر الدنانير الذهبية على زعماء القبائل ورجال الدين الذين يصفهم الدكتور علي الوردي ب" وعاظ السلاطين" حتى بات الانسان العربي، لاسيما في مشرقه، امام ثنائيات اجتماعية غارقة في التضليل الفكري، فهو تارة مصفق للسلطان من اجل نيل عطاءه، واخرى معارض له لعله يحظى بنصيب من السكينة الروحية وهو يشهد الثورات واحدة تلو الاخرى تحت عنوان اعلاء راية الحق الشعبي من خلال نبرة دينية تستحضر ذات معايير ثورة الامام الحسين بن علي "ع" حتى انتهى امر المسلمين الى اصحاب الثروة الذين تنازلوا عن السلطة من اجل الحفاظ على ثرواتهم للسلاجقة الاتراك او الفرس، لينتهي بيت الخلافة الاسلامية كصاحب "خراج" فحسب، فامسك كل من الفرس والاتراك بزمام السلطة من جديدة في دورة تاريخية لاستعادة نموذج دولة فارس وبيزنطة بعد سقوط الدولة البابلية الثالثة عام 536 ق.م، وهو ذات النموذج الذي طبقته الولايات المتحدة لادارة الصراع الاقليمي في المنطقة بنموذج العمودين " ايران الشاه - السعودية " ولكن هذه المرة ليس لصالح النموذج الاسلامي في طور امجاده الزائلة، بل من اجل الحفاظ على مصالح النفط والثورة لكارتيلات الشركات متعددة الجنسيات، مما ادى الى ظهور المد القومي العربي من تحت عباءة الاسلام السياسي لكنه سرعان ما تحول الى نموذج الصراع ما بين الفكر القومي العروبي وبين الفكر الاسلام السياسي الحديث ونموذج العراق وسوريا يكفي للاستدلال عليه.

&كل ما تقدم، يؤشر بعجالة السيرة التاريخية للتطرف الاسلامي،فالدين الاسلامي لم ينشر عبر الحوار وقصائد الشعراء، انما من خلال السيف، هذه حقيقة لا يريد الكثير منا الاعتراف بها لكي يفهم حقيقة ادارة التوحش التي جاءت بها داعش وتلقى قبولا عند اثرياء الخليج العربي المؤمنون بالفكر السلفي وهم يمولونها، وهناك اكثر من دراسة امريكية ترسم مخططات هذا التمويل من خلال بيوت الزكاة وليس غيرها، لذلك يمكن الاجابة على التساؤلات اعلاه بالاتي :

&اولا : ان الفكر الاسلامي يقرأ بروايات متطرفة او متسامحة حسبما هي نظرة الذي يطرح فكره الحديث المستنبط من الاصول الفكرية للإسلام ولعل القران الكريم ابرزها واعادة قراءة فكر شيخ الاسلام ابن تيمية خارج مرحلته التاريخية، ينطبق عليه ما قاله الامام علي بن ابي طالب "ع" حينما رفعت المصاحف في معركة صفين، فالواقع الذي كان ابن تيمية يعش فيه غير واقع اليوم، والتمسك بالتفسير المتطرف ما جاء به فكره، يمكن ان ينتهي الى ان يكون دستورا لتنظيم داعش ومن قبله لجماعة التكفير والهجرة المصرية، نواة تنظيم القاعدة، ونوعا من توسيع قاعدة الجهاد في الفكر السلفي الوهابي، لذلك لا يملك اي رجل دين عربي نقد هذه الاصول الفكرية المتطرفة لتفسير ايات بذاتها من القران الكريم مثل قوله تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم.."، هذه الآيات التي تحتاج الى فهم عصري يتناسب مع الفكر الذي يتحاور مع الاخر لتقبله عبر المناصحة والسلوك القويم متمثلا في اذى ذلك اليهودي للنبي الكريم "ص" حتى اسلم نتيجة اخلاق النبي "ص" معه وليس سيفه، وارتقاء مثل هذه الافكار المنابر هو ما يرد الشبهات عن تطرف الاسلام، حينما يؤكد ان الاسلام هو المعاملة وليس الشعائر والمسلم من سلم الناس من يده ولسانه، هذه المقولة المثلى التي غابت اليوم عن حياة النفاق الاجتماعي والتزلف للسلطان من اجل دنانير الذهب التي تنثر على اصحاب المنابر الدينية والاعلامية!!

&ثانيا: الثقافة مورد عن حياة البشر، تنبع من اعراف كانت اصلا مظاهر اجتماعية، مقبولة او مرفوضة، لكن مع مرور الزمن قبلت من اغلبية الناس، فتحولت الى تقاليد، وانتهى الامر بها الى اعراف لها قوة الدستور في الحياة الاجتماعية، وتفسير "التابو" الاجتماعي في التعامل مع الاخر ما زالت تتعامل مع نموذج المخاوف الطوطمية من المجهول، التي يوظفها الحاكم من خلال رجال الدين، بشتى المسميات، لترسيخ حكمه، هكذا كانت نماذج الحكم ما قبل التاريخ، وهكذا انتهت الى ذات النموذج في توظيف "مخافة الله عز وجل شأنه " لطاعة الحاكم، فكان الفرعون ابن الاله امون، وكان القيصر حكم روما ما بعد المسيحية باسم الرب، والخليفة نموذج مقترن بسلطة دينية، واي دستور وضعي حديث يشير الى نموذج الحكم العلماني، لم ينجح في تغيير هذا " التابو الثقافي" ما دامت ادواته في السلطة لم تغادر انموذج" وعاظ السلاطين" الذين يدعون بالخير والزهو للراعي الابوي، ووضعت مقاليد السلطة بيد اصحاب الثورة وليس بيد "الرعاع او الغوغاء" الذين يمثلون اغلبيه الشعب في مقاييس السلطان، فانتهى العقد الاجتماعي المزعوم الى نموذج من النار تحت الرماد لتوليد الثورات على السلطان مهما كانت مصادر سلطته، وفقا للمشروعية الدينية ام الدنيوية بشقيها المعروفين، المشروعية الثورية والمشروعية الدستورية.

&ثالثا: لان الكثير من الشعوب العربية، رزحت تحت نير الاستعمار بمختلف انواعه، ومنها الشعب العراقي الذي رزح تحت نير الاستعمار منذ سقوط الدولة البابلية الثالثة حتى اليوم، فان المتغير المتطرف مقبول عنده اجتماعيا، وهكذا نجحت الاحزاب الاسلامية بالفرز الاجتماعي الطائفي، الرافض للأخر، لاسيما وان هذا الفرز كان نتيجة رغبة ايرانية جامحة للدخول من بوابة العراق الى النفوذ الاقليمي، مقابل تردد عربي في دعم العراق ما بعد 2003، والانتهاء من تطبيقات عدم بقاء حجرا على حجر فيه نتيجة اثام غزو الكويت وحرب الخليج الثانية، فانتهى الوضع الى ظهور الميل المتشدد لاستخدام التطرف الديني لتنظيم القاعدة في مواجهة ما عرف بالهلال الشيعي، لكن هذه المواجهة التي لها اصولها الفكرية وتطبيقاتها الحزبية، والقبول الاجتماعي بها، انتهى الى الفرز الواضح ما بين معسكر شيعي يوافق على النفوذ الايراني، مقابل مجتمع سني يوافق على نفوذ تنظيم القاعدة وهوما ورثه تنظيم داعش عنها، وهي عملية لها اطراف داخلية وخارجية معروفة عراقيا، تخضع لمساومات اجتماعات 5+1 لمناقشة الملف النووي الايراني، فالأحزاب الشيعية ترى ان هذه المواجهة نوعا من الولاء المذهبي الشيعي عامة او لولاية الفقيه الإيراني خاصة، فيما يرى فيه سنة العراق نموذجهم المستقبلي لدولة الخلافة التي وضع معلمها الشيخ ابن تيميه.&

رابعا : ما هو الحل؟؟.... الواضح ان الحلول الانية لإبقاء دولة عراقية بحدودها المعروفة لم يعد ممكنا الا بجهد عراقي وطني، وهو غائب، او بجهد اقليمي دولي، ويحتاج الى تسوية كبرى تقارب تسوية يالطا بعد الحرب العالمية الثانية، وهي بانتظار نتائج 5+1، او بجهد ذاتي ربما بظهور شخصيات عشائرية لها امكانية المرحوم الشيخ عبد الستار ابو ريشة، قائد تنظيم صحوة العراق، وهو امر خاضع للمساومة ايضا كون الكثير من العشائر السنية منقسمة اليوم ما بين الولاء لداعش او القبول بها على مضض، او رفضها دون قتال، او تلك التي تقاتل وهي نسبة ضعيفة.

&مرة اخرى ما الحل؟؟

أميركيا، الابقاء على الوضع ضمن ضبط شدة العنف التي لا تؤثر على المصالح الاميركية، واقليميا، فشل منظومة التعاون الخليجي اخراج داعش من قمقمها دون ان تؤذي دولها وما حدث في جامع علي بن ابي طالب "ع" في القطيف مؤخرا نوعا من الاكتواء بنيران اشعلتها لمواجهة الهلال الشيعي، عندها تبقى فقط التسوية المباشرة ما بين ايران وهذه المنظومة، لعل وعسى عندها ينقلب السحر على الساحر ومثل هذه التسوية ترحب بها ايران وتدعو لها، لكن تبدو هذه المنظومة بواقعها الفكري والاجتماعي والامني غير قادة على الآتيان بما لم يأت به الاوائل الا حينما تتأكد بان نيران صديقة هي من تصيب امنها في مقتل وليس تلك النيران التي تراها معادية!!

&