أمضينا خمسة عقود من عمرنا أسرى للتابوات الثلاثة // الدين والسياسة والجنس //، وبات هذا الثالوث من المحرمات يفقأ عيون حريتنا وفكرنا وانسانيتنا.
في الشرق لم تكن مضطراً لِتتذكر هراوة الشرطي القابع في رأسك لتبعد هذه الظنون "الآثمة" من كلامك وكتاباتك، فتصبح صوتاً مبحوحاً ككل الاصوات التي لم تصرخ لعقود من الزمن فتبلدت حبالها الصوتية وعندما ارادت ان تصرخ جاءت صيحتها مكتومة مقهورة.
في الشرق لم تكن بحاجة لتتذكر أن للحيطان اذان مخابراتية لتصمت، فكل من حولك يشبعك تلقيناً لمفردات القمع المشبعة به شخصيته، ولا يتوانى الجميع من الاشمئزاز من حوارات عن المحرمات الثلاث.
هكذا أمضينا أجمل العمر....
وهربنا إلى الغرب لنعيش ما تبقى من نذر العمر اليسير، لعلنا ننسى بحة صوتنا ونحّلق في فضاءات جديدة.... ولكن.
هنا في الغرب تتقلص التابوات الثلاثة لتصبح اثنتين // الدين والسياسة // ؟؟!!.
من المؤكد ان هذا الكلام صادم للكثيرين، وسيثير حفيظة المهاجرين القدامى الذين اصبح الكثير منهم "ملكيين أكثر من الملك " مع تعمق أعراض " متلازمة ستوكهولم " في اعماقهم.
في الغرب عندما تدخل المدرسة لتعلم اللغة الجديدة يستقبلونك بترحاب مبالغ فيه ومفتعل أحياناً، ثم تبدأ قائمة التعليمات والتحذيرات والممنوعات و... // التابوات //.
يمنع التحدث بالسياسة والدين واللون والمذهب والطائفة تحت بند "ملغوم " أن الجميع سواسية هنا، ولكن تحت هذه الممنوعات الملغومة تكمن نظرة دونية للمهاجرين، وهذه النظرة فيها من التعميم الخاطىء والظالم الكثير، فالغربي لايزال ينظر اليك على انك متخلف ولست مؤهلاً للاندماج إلا إذا تم " ترويضك " من قبله، فتجده مندهشاً عندما يعرف أن بين المهاجرين كتاباً و صحفيين و فنانين و مبدعين و اطباء ومهندسين، بالطبع هذا الامر لا ينبع من رؤيته واستخفافه بامكانياتنا بل هو ايضا ضحية للصورة المشوهة التي يقدمها الاعلام وفشلنا منذ قدوم أول المهاجرين و حتى الان في تقديم صورة حقيقية عن بلادنا وثقافتنا وحضارتنا.
لذا فاننا نجد المهاجر الجديد (( المهجّر )) يقع بين مطرقة الرؤية القاصرة من الغربي، وسندان القمع المتأصل في نفوس ابناء البلد الذين سبقوه بسنوات طويلة، فالغربي يطلب منه الاندماج بالمجتمع متناسياً أن هذا المفهوم الفضفاض لا يمكن تطبيقه من طرف واحد بل هو علاقة متكاملة تعتمد على تفهم الطرفين وتقبلهما لبعضهما البعض، ومن هنا كان الجواب صادماً لي عندما طلبت من المسؤولة عن دورة " المجتمع السويدي " بأن تمنح كل جنسية من الجنسيات المهاجرة وقتاً قصيراً لتعبر عن ثقافتها وعاداتها وتقاليدها لتصبح الفجوة بين السويدي والقادم الجديد أقل عمقاً، عندها قالت لي بحزم وحسم : (( لاوقت لدينا )) ؟؟!!!.
أما سندان أبناء البلد فهو يسعى لتجاوز مرحلة التأقلم الى ترويض قمعي وكأن التأقلم "كبسة زر " ليس إلا.... متناسين أن الحرب لاتزال تعيش داخل الناس ولم ولن تغادرهم بقرار قمعي ممن سبقوهم للغربة بكامل ارادتهم...
وبعد.....
يبقى التساؤل قائماً....
الى متى سنبقى أسرى التابوات؟؟
وهل سيسعفنا العمر لاستعادة صراخنا وحريتنا وهويتنا؟؟.
&