"صام صام وفطر على بصلة"

والصيام هنا هو بالدرجة الأولى صيامٌ عن الكلام السياسي، حيث أن الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديمرتاش، قد أساء اختيار المكان وتناوله لوجبة الظهور الاعلامية عقب التزامه الصمت لأيامٍ بعد تقدمه بالانتخابات النيابية التركية، وظهوره المثير فيما بعد من على القناة التابعة لحزب الله اللبناني، التي لها دور سيء جداً في الترويج لقمع الثورة السورية والمؤيدة لجرائم نظام الأسد، وبدا وكأن اختيار ديمرتاش لتلك المحطة الطائفية كان من باب إظهار الاختلاف، والوقوف ولو من باب النكاية مع من تُجاهر بمعاداتهم حكومة العدالة والتنمية في تركيا.

وثمة مخاوف واضحة لدى الشارع التركي من أن يكون ديمرتاش مجرد أداة بيد جماعة قنديل أو ممن لا يستطيع ديمرتاش رد إملاءاتهم، وهو ما ينذر بخسارة الكرد اللاحقة بالرغم من دخولهم البرلمان بعددٍ لا بأس به من المقاعد، عموماً فبعد تصريحات ديمرتاش بدأ الشوط الأول من المباحثات التي يجريها رئيس الوزراء التركي مع الكتل الفائزة، حيث توقع نائب رئيس الوزراء، نعمان قورتولموش تشكيل حكومة ائتلافية، بعد أول جولة مباحثات يجريها أحمد داود أوغلو مع الأحزاب الأخرى.

هذ وقد أعرب قورتولموش عن اعتقاده بأن رئيس الحكومة “قادر على تقديم خيار حكومة ائتلافية، ترضي الشارع التركي”، وذلك بعد أول جولة محادثات يجريها أوغلو مع أحزاب البرلمان، عقب تكليفه بتشكيل الحكومة، حيث قال في تصريحات لقناة سي إن إن التركية، يوم الأحد، إنه في حال عدم التوصل إلى هذه النتيجة، سنلجأ إلى الشعب مرة أخرى وسنعمل على إجراء انتخابات مبكرة.

لذا فأمام هذه المشاورات الجانبية يبدو وكأن ثمة محاولة تركية حثيثة لتطويق صلاح الدين ديمرتاش وقطع الطريق أمامه من خلال رغبة حزب العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة مع الأعداء القوميين لديمرتاش، وبذلك حرمان مناصري ديمرتاش من استكمال الفرح بفوز الحزب في الانتخابات التي أجريت منذ أيام، والتي حصل حزبه من خلالها على 79 مقعد من اصل 550 في البرلمان التركي بنسبة تصويت 13.12، خصوصاً بعد إدلائه بالتصريحات المتضاربة التي أعقبت الانتخابات والتي رفض في احدى تصريحاته تشكيل الحكومة مع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

ومع أن هناك شيء مميز ومثير للاهتمام وفارق جوهري بالنسبة للحضور اللافت للإناث بين مرشحي حزب ديمرتاش مقارنة بالأحزاب الثلاثة الأخرى، حيث سيمثل الحزب نحو 30 امرأة، ما نسبته 38 % من ممثليه في البرلمان، بينما سيمثل الأحزاب الثلاث الأخرى، حزب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري والحركة القومية مجتمعةً 67 امرأة، ما نسبته 14% من مجموع ممثليهم في البرلمان التركي المنتخب منذ أيام.

وبالرغم من أن ديمرتاش وحزبه أحدثا هزة ملحوظة في بنية موازين القوى والأطراف السياسية في تركيا بعد فوزه المفاجئ بالانتخابات، والتي كانت المرة الأولى في تركيا والتي يدخل فيها حزب سياسي كردي رسمياً البرلمان، بعد أن كان حضور الكرد في البرلمانات التركية مقتصراً على المستقلين، ومع أن ديمرتاش المحامي الأنيق غدا نجماً لامعاً خلال وبعد فترة الانتخابات، ولكن كان لظهوره على قناة تابعة لجزب الله اللبناني ردود فعل سليبة جداً ليس فقط من قبل مناوئيه، إنما حتى من بعض المتعاطفين معه الذين لم يستسيغوا ذلك الظهور بعد فوز حزبه بأيامٍ معدودات، حيثُ شُبهت طلته تلك بالذي يصوم النهار كله ويكسر وجبة الإفطار بالبصل، إذ ترك السيد ديمرتاش كل القنوات العالمية والعربية والمحلية ليذهب الى تلفزيون مشهور بطائفيته، ومشهور بدعمه للأعمال الارهابية التي تقوم بها الميليشيات الشيعية ضد الشعب السوري.

ومع أن ديمرتاش كان قد لمح في مقابلة مع شبكة تلفزيون «سي إن إن» أنه في حال مشاركتهم في حكومة ائتلافية مع العدالة والتنمية "ستقوم الحكومة المؤتلفة حسب قوله بإدخال تغييرات مهمة على سياسة انقرة تجاه سوريا، ولن يكون بمقدورها مواصلة دعم جماعات مثل الدولة الاسلامية وغيرها من الجماعات المتطرفة في سوريا، أي بدا أن شرط التخلي عن دعم تنظيم داعش هو أحد مطالب حزب الشعوب الديمقراطي من العدالة والتنمية، هذا عدا عن ملف الزعيم عبدالله اوجلان والقضية الكردية في تركيا بوجهٍ عام، كما نوه ديمرتاش بأن تنظيم داعش‬ يقف وراء سلسلة تفجيرات استهدفت حزبه أثناء حملته الانتخابية لدخول البرلمان والتي راح ضحيتها 3 اشخاص، و200 جريح، وطالب الحكومة بالتحقيق في الجريمة.‬‬‬‬

ولكن تبقى لطلة ديمرتاش على قناة المنار آثارها المخيبة لآمال الكثير، وخاصة السنة الذين يرون بأن حزب الله يقوم بأفظع الأعمال مع النظام السوري، وذلك من خلال ظهوره في مقابلة ضمن برنامج "بانوراما اليوم" وهي كانت بحق السقطة الاعلامية الأولى لديمرتاش بعد الانتخابات وذلك من خلال ما قاله عبر تلك الفضائية، وإدلائه بعباراته الغامضة والتي حيا من خلالها الشعب اللبناني، والذي وصفه بالمناضل والمقاوم الذي حقق الانتصارات الكثيرة"، والذي أعرب حينها عن "دعم المقاومة الشريفة على الرغم من البعد الجغرافي"، حيث أن المقاومة الشريفة التي تكلم عنها ديمرتاش لا يُفهم منها غير أنها موجهة الى حزب الله اللبناني تحديداً، باعتباره الحزب الذي لا يزال يرفع لوحده لواء المقاومة منذ سنوات، من غير أن يسمح لأحدٍ مشاركته لقرار السلم والحرب حاله كحال حزب العمال الكردستاني، الحزب الذي احتكر خطاب المقاومة في كل لبنان على غرار أنصار حزب عبدالله أوجلان في تركيا، والغريب أيضاً في تصريح ديمرتاش وقوله بأن عليهم معاً مواجهة الهجمة الإمبريالية على المنطقة، وهي نفس الشعارات البراقة التي حملها حزب العمال الكردستاني أكثر من عشرين سنة، فأية امبريالية يتحدث عنها ديمرتاش والقوات التي يصفها بالإمبريالية هي التي ساعدت في تحرير كوباني من تنظيم داعش كما هي نفسها التي مهدت لتحرير مدينة تل أبيض من التنظيم المذكور؟ ولكن الظاهر بأن السيد ديمرتاش لم يتحرر بعد من السطوة القنديلية عليه، ولا تخلص من الثقافة الأوجلانية التي كانت ترفع مثل حزب الله اللبناني تلك الشعارات الطنانة والرنانة لعشرات السنين.

عموماً يظل أسوأ سيناريو محتمل أمام كرد تركيا بوجهٍ خاص، ومؤيدي ديمرتاش من باقي الأطياف في عموم تركيا بوجهٍ عام، هو أن يبقى ديمرتاش الشاب الجامعي والمديني المتحضر رهين الإملاءات القادمة من مغاور قنديل.&