ملاحظة : تقديم صفة "الشيعي" على "العراقي" مقصودة و سنعرض لها لاحقا

لا يوجد تقريبا مثقف شيعي عراقي يعترض على امتلاك ايران سلاحا نوويا. بعض الاستثناءات لا تلغي القاعدة. هذا اذا لم نقل أن أغلبية من هؤلاء تدعم امتلاك ايران لسلاح نووي. توجد مقاربة واضحة المعالم و جلية بين موقف المثقفين القوميين العرب من نووي صدام حسين و موقف المثقفين الشيعة العراقيين من النووي الايراني، و اذا ما قال القوميون العرب ان نووي صدام يدعم الامة العربية بصراحة و بدون مواربة فإن مثقفي شيعة العراق يتراوحون بين الدعم المعلن و المواربة.
كل مثقفي الشيعة الذي عارضوا امتلاك صدام حسين لسلاح نووي، و بعضهم حرض ضده، هم في عين الوقت داعمون لامتلاك ايران سلاحا نوويا، التبرير الغالب : ان نظام صدام حسين هو نظام ديكتاتوري و لا ينبغي أن يسمح لنظام ديكتاتوري بامتلاك سلاح نووي و هم بذلك على حق تماما. و لكن السؤال الذي يطح نفسه: هل أن النظام في ايران نظام ديمقراطي، و من سيمتلك القرار في استخدام مثل هذا السلاح، الرئيس المنتخب أم المرشد الاعلى غير المنتخب باعتباره قائدا عاما للقوات المسلحة؟
و كما قاد الهوس القومي و الدعم الغوغائي صدام حسين إلى أن يستمر في غيه و من ثم إلى حتفه فإن الداعمين لامتلاك ايران سلاحا نوويا سيقودون النظام الى حتفه اذا ما اصر على السلاح النووي.
يرغب البعض في التصديق في أن الغرب ضمن مساومات و تنازلات ما سوف يسمح لايران بامتلاك سلاح نووي ، هذا وَهمٌ مطلق ، فسواءٌ كانت الادارة الامريكية تحت قيادة اوباما أو قيادة أخرى، فإن خيار الضربة العسكرية قائم و الولايات المتحدة جادة في ذلك و إن امتلاك ايران لسلاح نووي هو خط احمر لا يمكن تجاوزه تحت اي ظرف و وفق اية مساومة. على أن الولايات المتحدة و الغرب يفضلون الوصول الى اتفاق سلمي لتجنب الضربة العسكرية دون ان يعني ذلك إنها مستبعدة.
و مع ذلك، لو أن ايران امتلك سلاحا نوويا، على سبيل الافتراض لا غير، فإن ذلك لن يحقق اي اختراق حاسم للتوازنات في الشرق الاوسط وسوف ينقلب الامر ضدها. فمقابل كل رأس نووي سيكون لدى امريكا و حلفاءها في المنطقة مئات الرؤوس النووية ناهيك عن منظومة الصواريخ و القدرات الاعتراضية التي تم تطويرها منذ مبادرة الدفاع الستراتيجي (SDI) في زمن رونالد ريغان& و التي تعرف أيضا بـ "حرب النجوم"، هذا اذا لم نشر الى الترسانة النووية الاسرائيلية و التفوق الستراتيجي الاسرائيلي في وسائل الايصال.
يترتب على المثقف الشيعي العراقي اذا كان نصيرا لايران أن يكون حريصا على شعبها و ينصح حكومتها بالتخلي عن البرنامج النووي، هذا ما يجب أن يكون عليه موقف المثقف الايراني ايضا، و كما ادرك مثقفون عراقيون خطل طموحات صدام حسين فإن على هؤلاء المثقفين أن يلجئوا الى العقلانية في تحليل الاحداث و ليس الى الاماني في امتلاك قنبلة ذرية شيعية على غرار الحلم الموءود بامتلاك قنبلة الامة العربية.
يحاجج هذا البعض كما حاجج انصار صدام حسين: اسرائيل لديها ترسانة نووية، لماذا لا يحق لنا ذلك؟
من السذاجة في السياسة اللجوء الى الحقوق المجردة، الحسابات السياسية هي الحكم هنا و لا مجال لمقارنات اخلاقية و قانونية. إيران لن يسمح لها تحت اي تبرير بامتلاك سلاح نووي و سوف تجر شعبها و البلد الى مواجهة غير متكافئة و من هنا يجب أن ينطلق الحريصون على مصالح الشعب الايراني.
المماطلات و التسويف و عدم استعجال الحسم في مفاوضات مع ايران بخصوص مشروعها النووي لا تعني امتيازا أو انتصارا لإيران تحت ايٍ من الاعتبارات، العكس صحيح، الغرب و الولايات المتحدة مسترخيان و يطبقان خططا لاستنزاف ثروات ايران و استنفاذ احتياطياتها النقدية المنهكة اصلا في مشروع هيمنة واسع.
ربما هناك من يقول أن مشروع ايراني النووي هو، و كما اعلنت، مشروع سلمي. عندها لن تكون هناك مشكلة، المقال هنا يتحدث عن السلاح النووي، مع التنويه أن الغرب قد طور منظومة متقدمة من وسائل التحقق لا يمكنها أن تخطأ فيما اذا كان المشروع للاغراض العسكرية و فيما اذا كان يحمل امكانية تطويره للاغراض العسكرية بسرعة.
الحرص على مصالح الشعب الإيراني تعني ان يقوم المثقفون المعجبون بالنموذج الايراني بدورهم في تجنيب ايران ضربة عسكرية تقود كامل المنطقة التي هي هشة اصلا الى التمزق و المزيد من التناحر.
صدام حسين و ايران، تشابه في الاستراتجيات اختلاف في التكتيك
ان مشروع صدام التوسعي الذي لم ير النور دخل مراحله التطبيقية الاولى باحتلال الكويت و اوقف عند هذا الحد ، مشروع ايران التوسعي لا يزال مستمرا. المشروعان يتشابهان ستراتجيا لكن التكتيك الايراني ابرع، و هذا لن يؤدي الى الانتصار في نهاية المطاف، بل كما رأينا سيؤدي الى استنزاف اكبر و يتوج كسابقه الصدامي بالفشل.
&