الحفظ فقط لم ولن يبني حضارة وإنما الفهم الصحيح الذي يتوافق مع الإرادة الإلهية التي تعمل من أجل أن يكون للإنسان حياة أفضل هو الذي يبني الحضارات ويحقق للإنسان الأمن والسلام والرخاء. ولكي تكون الفائدة أشمل وأعظم نقترح أن تكون المسابقة ليس فقط لحفظ القرآن بل والإنجيل، والتوراة أيضاً، وفهمهم فهما صحيحا يتوافق مع طموحات إنسان القرن الحادي والعشرين ولا يعاند المقاصد العليا للمشيئة الإلهية. فهذا هو الصواب الذي نقصده إذا كان ثمة حاجة من إقامة مثل هذه المسابقات... ولما لا؟؟؟

فما دامت الدولة المصرية مصممة على أن يكون الدين هو العنصر الأهم في تكوين هويتها الوطنية، ومادام الدستور المصري ينص على ذلك صراحة عندما أشار في المقدمة إلى الجذور الفرعونية والمسيحية لمصر والتي امتدت إلى آلاف السنين. وكما بين ذلك أيضاً في مواده التي تنص على مبدأ المساواة والمواطنة وعدم التفرقة على أساس الدين، وما دام المسلمون يؤمنون بالرسالات الإبراهيمية الثلاث فما الذي يمنع إقامة مسابقات لحفظ الكتب السماوية للأديان الإبراهيمية جميعها وليس فقط في حفظ القرآن الكريم. وخصوصا أن مسابقة حفظ القرآن الكريم التي تقيمها وزارة الأوقاف في ليلة القدر يتحمل مصاريفها دافعي الضرائب من المسيحيين والمسلمين وكل سكان الدولة المصرية على حد سواء.

ولذلك أقترح أن يتم تغيير المسابقة شكلاً وموضوعاً. فمن ناحية الشكل تصبح مسابقة بعنوان "القيم الإنسانية في الأديان السماوية" أو "القيم الإنسانية في الهوية المصرية" بحيث يسمح بالمشاركة فيها لجميع المصريين مسلمين ومسيحيين وغيرهم ممن يحفظون ويفهمون معاني القيم الإنسانية والأخلاقية للأديان السماوية، وللحضارة المصرية، وبحيث تشرف عليها وزارة الأوقاف المصرية والكنيسة القبطية، ووزارة الثقافة. ويحضرها رجال الدين الإسلامي والمسيحي والمثقفين والكتاب والتربويين وكل المؤسسات ذات الصلة.

ومن حيث المضمون يجب ألا تقتصر على حفظ بعض آيات من الكتب السماوية ولكن فهمها فهما عصريا يتوافق مع تغير الزمان وتطور الوعي الإنساني. ولا يشترط فيها أن يحفظ المسلم آيات من القرآن فقط أو المسيحي آيات من الإنجيل فقط وإنما من أياً من كتب الأديان أو حتى من كتب القيم الإنسانية التي علمتها الحضارة الفرعونية للعالم أجمع ودونت في المسلات والمعابد والبرديات المصرية القديمة. وبشرط أن يقدم المتسابق تفسيراً عصريا لما يحفظ يسهم في علاج المشكلات التي تواجه الأمة

المصرية سواء كانت اجتماعية أو أخلاقية، أو اقتصادية أو غيرها. فعلى المتسابق أن يقدم فهما صحيحا لما يتلو.. فهماً يسهم في تعميق التعاون والأخوة بين أبناء الوطن الواحد... فهما يجمع ولا يفرق، فهماً يبني ولا يهدم... فهما يرسخ لقيم الانتماء وحب الوطن.

المصريون اليوم لا يقبلون أن يعتلي المنبر أحد الشيوخ ليحدثهم عن الثعبان الأقرع أو يحكي لهم عن جناح الذبابة، ولا يقبلون أن يعتلي المنبر أحد القساوسة ليحكي لهم حكايات ويقص عليهم قصصاً بعيده عن الواقع العملي وعن متطلبات حياتهم اليومية. فإذا تلي عليهم الشيخ "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ" فإنهم يتطلعون إلى سماع المفهوم الحديث للقوة. ففيما كانت القوة قديما تعني قوة البدن أو قوة السيف أو المدفع فإنها اليوم أصبحت أيضاً قوة العلم وقوة الاقتصاد وقوة الوحدة الوطنية وقوة الرؤى السياسية وغيرها فقد اختلفت المفاهيم!!!

وإذا تحدث القس عن الآية " أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ. فَإِذَا فَسَدَ الْمِلْحُ، فَمَاذَا يُعِيدُ إِلَيْهِ مُلُوحَتَهُ؟ إِنَّهُ لاَ يَعُودُ يَصْلُحُ لِشَيْءٍ إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجاً لِتَدُوسَهُ النَّاسُ" فإنهم بحاجة إلى أن يسمعوا أن الإنسان الفاسد مثل الملح الفاسد تدوسه الأقدام ولا قيمه له فإما أن تكون مثل الملح الجيد للطعام وإما أن تداس بالاقدام ولا يكون لك شأن ولا منفعة في هذه الحياة. وعلى الإنسان أن يتعامل مع الأشياء بقدر وبمعيار لأن الملح الزائد في الطعام يضر بصحة الإنسان وقلة الملح تفسد الطعم والمذاق!!

نحن بحاجة إلى فهم الدين فهما يدفع نحو إعمال العقل ورفض النقل... فهذا ما تحتاجه مصر الآن لتعبر نفق التخلف المظلم المذري وتصطف مع دول العالم المتحضر جنباً إلى جنب..

&

[email protected]