من القرن الثالث الميلادي ولحد اليوم تبرز مساهمة محمد بن موسى الخوارزمي في إغناء العالم والحضارة الإنسانية بتحويله الأرقام الهندية الى العربية في وضع دقيق للأرقام من صفر الى 9 في النظام العشري الذي لايقبل الخطأ والتأويل. هذا الأنجاز المذهل حوّل ثقل ألأوزان والمعايير الى عمليات حسابية وأدخل علم الرياضيات والجبر على كل الأجهزة الرقمية المستخدمة في العالم اليوم.&

عندما كنتُ أستاذاً أمارس تدريس اللغة ودراسات الشرق الأوسط، وضعتُ مجموعة أسئلة لمجموعة من الطلبة كانوا من دول وقارات مختلفة غرضها التذكير بأسباب أرتباطنا الأنساني بالعالم وكان من جملتها:

&ماهو سبب معاناة الأنسان؟

What is the cause of human suffering ?&

وكانت النسبة الكبرى في معظم الأجابات تتعلق بالجهل والهوة الكيبرة بين ماتعلمته الشعوب بمعرفة دقيقة وتوفر الأجهزة الجديثة لأستخدام الأرقام في المختبرات الطبية والهندسية والأجهزة الصناعية والتكنولوجية والحاسبات الألكترونية الحالية وهي أول ماتُدرّس في المدارس الأبتدائية في الصين واليابان وكوريا والهند ودول أوروبا وأمريكا.

&وقبل أن تظهر علامات التخلف والتأخروالجهل والتجاهل الحالية بإنتشار قرود الموز في السياسة والإعلام، كنت أُذكّر معارفي والمقربين من الأهل والأصدقاء بشغفي وأهتمامي ورغبتي التعرف على أشخاص من قوميات وثقافات مختلقة وقياس مدى مايشدّهم الى النظريات الرأسمالية والشيوعية والأشتركية وعلاقة دولهم ومؤسساتهم التعليمية بما هيأه لهم الخوارزمي في علوم الجبر والأرقام والرياضيات التي تشد بطبيعتها الشباب الى مجتمعاتهم وتربطهم في نفس الوقت الى حضارات سبقتنا وسبقتهم في العلم والتطور التكنولوجي الرقمي.&

&

&الخوارزمي على طابع بريدي&

ارتباطنا بالعالم هو جهاد يومي وإجتهادغذائي روحي. إرتباطنا بالعالم مسؤولية وضرورة، وإلتصاقنا بالمجتمعات كذلك، مسؤولية وضرورة، ومشاركتنا العلم والعلوم أيضاً مسؤولية مجتمعية لاتخضع لرأي احد، فكر أحد،إعتقاد أحد، قول أحد أو حتى إدعاء أحد.

صفر الخوارزمي لم يتبع حزب سياسي معين،أو قومية معينة للترويج لأختراعه الذي تلاقفته الشعوب والأمم للفائدة العارمة التي أغنت العالم الصناعي وثورة الأجهزة الرقمية. ولعل أحلى ماشاركني فيه أحد الطلبة الأمريكيين عن حياة الخوارزمي، وهو كراس وزعته كنيسة أمريكية على الحضور المجتمعين في حلقات دراسات دينية. وجاء فيه مايثلج الصدر بالخيط الرفيع الذي يربطنا الى شعوب العالم وجاء في جزء منه:

Hero of Arabic Mathematics:&

AL-Khawrizmi wrote about the practical use of decimals and also clarified and popularized a method for solving certain mathematical problems. He explained the method in his work” The Book of Restoring and Balancing”. The term Al-Jabr in its Arabic title ”Kitab al-Jabr wal-muqabala” is the source of of the English word al-jabra. It is the single most important mathematical tool ever devised and one that underpins every facet of science.&

فتصور ماتوزعه المؤسسات والجمعيات الفرنسية واللاتينية واليونانية والروسية والصينية واليابانية وبلغاتها على تلاميذها وطلبتها عن هذا الرجل النابغة وإنتفاع البشرية من علومه.&

ليس هناك خطأ في تماسكنا مع شعوب العالم حضارياً وإجتاعياً وعلمياً وطبياً وتكنولوجياً وإغتراف ما أضافوه من خدمة جليلة للأنسان أينما كان. ومايشدنا الى العالم الخارجي عرباً ومسلمين التقدم الحضاري والعلمي والتكنولوجي الذي نرتع منه ونُطعمه لأبنائنا بشغف ونحسد مجتمعات شرقية وغربية على إستقرارهم الحياتي وكل ما سعوا لتقديمه لنا ولأنفسهم. نحن الذين تعثرت بنا الحياة وعدم إستقرارها واضطراب معيشتنا وصحتنا وامراضنا المستقرة في اجسامنا دون علاج من وباء إنتشر بيننا ونرضخ له بدعوات أناس منعهم الجدل الزمني الديني من الأنتقال الطبيعي الى الحضارة وتجديد البيئة العلمية للشباب. ونجد البعض منهم ناموا مع كتبهم الفقهية في مؤسساتهم الدينية لأن الأرقام في هذه الأجهزة هي كفر شيطاني. الخوارزمي ليس منا أو بيننا، ونظرية الجبر والصفر لاتتناسب مع ترتيل وتفسير سورة البقرة أو سورة النحل في مدارس الأقبية التي يخضعون أبنائهم وأجيالهم لها لاتناسب الخوارزني بأي شكل من الأشكال.

لقد أحلَّ هؤلاء النكبة الثقافية و"الكارثة حلّت فعلاً" ومنعوا، مجتمعياً، الاستجابة الى من يجرأ الخروج من سجن البدع المذهبية ويعارضها بالعقل والمنطق. والى أن تشرق شمس وضاءة ونبدأ بمراجعة المناهج العربية وتطيعمها بالعلوم لا بمراجعة القرآن وجرنا للخلاف على تفسير آياته بالصحيح والأصح، في وقت ومايزال أنصارهم من المسلمين المؤمنين يركبون أول زورق يقلهم من بنغازي ومصراته وطرابلس وبيروت والاسكندرية وصنعاء في الجزء الأفريقي والأسيوي الى أول ساحل في الجزء الأوروبي في ايطاليا واسبانيا واليونان أو أي دولة تقبلهم كلاجئين متحملين مشقة رحلة عذاب مرهقة مهددة بالغرق بلا وثائق ثبوتية أو عنوان. فلم تعد الكتب الدينية، كما هي امامنا اليوم، تؤهلنا للحديث عن المحبة والسلام والأخوة والتسامح وتمنح المسلمون القدر اليسير من الأيمان بقدر حثها على القتل والتمثيل بالجثث " وأسود متعطشة للدماء تصرخ الله أكبر "بل وحرقها للأبرياء كما هي ماثلة بعقيدة قرود الفرق الجهادية ووعاضهم. لنتذكر هذه الرحلة التاريخية وإتجاهات سيرها إنسانياً، والتي بدأت بالهجرة اللبنانية والسورية وقبلها بالهجرات الأوربية الى أمريكا وكندا واستراليا وأسبابها التي تتلخص بالأبتعاد عن الأضطهاد والمعاناة والتمييز العنصري والديني والقومي.

&

باحث وكاتب سياسي&