من الناحية القانونية والدستورية ستنتهي فترة رئاسة مسعود بارزاني للاقليم في 9/8 من هذه السنة، بعد ان شغل المنصب لفترتين ونصف فترة اي 10 سنوات كاملة، في مرحلة تعد من اهم واخطر المراحل التي مرت على المنطقة وعلى اقليم كردستان بشكل خاص،حيث تغيرت الملامح الاساسية للعراق وتحول من النظام العروبي القمعي الى النظام الديمقراطي الدستوري ولم يلبث ان انحرف عن مساره وتحول الى نظام طائفي تابع لايران، يخوض حربا طائفية ضروسا ضد شعبه، ونتج عنها ظهور تنظيم"داعش"الارهابي الذي احتل اكثر من 40% من مساحة العراق، وكادت قواته ان تدخل عاصمة اقليم كردستان"اربيل"لولا سرعة تحرك القوات الامريكية لمواجهة العدوان، وازاء تفاقم الاوضاع، وتهديد داعش بسقوط بغداد،تشكلت ميليشيا الحشد الشعبي بفتوى من المرجعية العليا الشيعية والتي مثلت بدورها تهديدا خطيرا آخر على تجربة الاقليم.

في هذه الفترة العصيبة قاد"مسعودبارزاني"الاقليم، وهي مهمة غير هينة ولا سهلة خاصة مع وجود رئيس وزراء طائفي عنيد مثل"نوري المالكي"الذي لديه نوازع فردية يحاول اخضاع العراق برمته لهيمنته المباشرة ومن ضمنه كردستان ورئيسها الذي رفض الخضوع للمالكي رفضا قاطعا ودخل معه في صراع بيزنطي مرير امتد لسنوات عديدة ـــ ربما كانت لعبة سياسية من المالكي والداعمين له لجر بارزاني لصراع عبثي طويل الامد ــ استنزف وقت الاقليم وطاقته كثيرا، كان من الممكن لبارزاني ان يتجنبه ويتفادى اثاره الجانبية على الشعب الكردي، ولكنه آثر المواجهة وقبل التحدي، رغم معرفته بانه سيواجه ايران قبل ان يواجه"المالكي"، وهذا كان اكبر اخطاء"بارزاني".. والخطأ الاخر ـــ ان جازلنا ان نسميه خطأ ــ انه استقبل اقطاب المعارضة السنية وعلى وجه الخصوص اولئك الذين اتهمتهم المحاكم العراقية بالارهاب، وهذا ما اعتبره حكام الشيعة والمتحالفين معهم عملا استفزازيا مقصودا واخذوا منه موقفا عدائيا، رغم ان هذه الخطوة اظهرت الاقليم للعالم بمظهر حضاري وديمقراطي محترم، يأوي الهاربين من قمع النظام الطائفي ويحافظ على حقوق الانسان ويدافع عنها، ولكنه عرض الاقليم الى مزيد من العقوبات الاقتصادية من جانب بغداد، هذه الاخطاء وغيرها، منها؛ انه لم يواجه الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية، ولم يستطع تحويل النظام السياسي في الاقليم الى النظام المؤسساتي خلال فترة حكمه وظل يدير الاقليم بعقلية حزبية ضيقة.. قد يكون كل هذا صحيحا ولكن اين كانت الاحزاب الاربعة(الاتحاد الوطني وحركة التغيير والاتحاد الاسلامي والجماعةالاسلامية)التي تريد اليوم محاسبته عندما كان يرتكب هذه الاخطاء؟ هل كانت تعيش في المريخ؟الم تكن معه خطوة بخطوة، تشاركه الحكم وتدير معه ادارة الاقليم وفق توافقات سياسية وتحالفات استراتيجية طوال الفترة الماضية؟اذا كان"بارزاني"يتحمل وزر نصف هذه الاخطاء،فان هذه الاحزاب تتحمل النصف الاخر"بحسب سياسة"المناصفة"(ففتي ففتي)المعمول بها في الاقليم منذ قرابة عشرين عاما!.

واذا كانت هذه الاحزاب تتخوف من نشوء حكم دكتاتوري في الاقليم ان هي سمحت ل"بارزاني"بتولي الحكم لفترة اخرى، كما صرحت بذلك، فانها ربما تكون قد نسيت ان الاقليم تحكمه دكتاتورية حزبية منذ 1992، وما يزال مقسما بين حزبي"بارزاني"و"طالباني"ارضا وشعبا وقوة ومنطقة نفوذ، اربيل ودهوك من ممتلكات حزب بارزاني والسليمانية ومعظم كركوك من ممتلكات حزب طالباني، لا يستطيع احدهما ان يتعدى على ممتلكات الاخر، سواء بالقوة العسكرية او بالدستور والديمقراطية والبرلمان..هذه هي الحقيقة المرة والحقيقة الثانية ان الاحزاب الاربعة تتمتع بعلاقة ممتازة مع ايران بحكم موقعها الجغرافي ولديها علاقات تجارية وسياسية ممتازة معها، كما لدى حزب"بارزاني"ايضا علاقة ممتازة مع تركيا لنفس السبب، وكلا الفريقين لا يستغنيان عن هذه العلاقة.. ومن المحتمل جدا ان تكون ايران وراء هذه الزوبعة الجديدة التي اثيرت في البرلمان الكردي، كل شيء جائز في زمن التبعية الجغرافية والولاءات الاقليمية وفي ظل الاصرار على التقسيم الاداري للاقليم..

نصيحة ؛ قبل ان تبدأ بأي مشروع اصلاحي او ديمقراطي، عليك ان تعالج مسألة الثنائية الادارية في الاقليم وتوحد مؤسساته اولا، وكل عمل قبل هذه الخطوة يعتبر باطلا وغير مجدي.&