تتعدد زياراتي لجنوب أفريقيا.. الدولة التي عانت من التمييز العنصري وعدم المساواة لعقود طويلة.. والتي أقرت الديمقراطية والمواطنة والمساواة على يد الزعيم العالمي الراحل مانديلا الذي إختار السلام بدل الحرب بين الأبيض والأسود وأقر بحقوق كلا الطرفين.. وعمل على جعل جنوب افريقيا مثلا ’يحتذى به في التسامح من أجل مستقبل أفضل لكل مواطنيها. الحق ’يقال بأنها من أروع بلاد العالم طبيعة.. وثروات مدفونه واخرى ظاهرة للعيان مزدهرة.. وإن كانت لم تصل بعد إلى لمحو البطالة كما تتمنى.. أما أحداث العنف الأخيرة ضد المهاجرين من الدول الأفريقية المجاوره.. فقد جعلت كل مواطنيها يتحدون مرة اخرى لنبذ العنف وإعلاء قيمة التعايش.. وإن أدت أيضا لوضع سياسات حكومية صارمة للحد من المهاجرين وإعطاء فرص عمل لمواطنيها أولآ.... المهم في كل ما كتبته.. هو أنه وبرغم إلغاء كل مظاهر التمييز.. سواء في المواصلات والمستشفيات أو السكن بمعنى سقوط سياسة التمييز العنصري إلا أن هناك حاجزا نفسيا داخليا بين السكان أنفسهم.. ربما لطول سنوات التمييز العنصري.. خلقت مجتمعات إلتفت حول نفسها بشكل تلقائي ظانة انها بذلك تخلق مجتمعآ أكثر أمنا.. وبالتالي فإن أمامها مالا يقل عن جيلين أو ثلاثة لكسر هذا الحاجز النفسي...ولكن الأهم هو تعزيزها وحمايتها من خلال ثقافة تسامح وثقافة سلام وتعايش زرع بذورها الراحل مانديلا وتبنتها الأغلبية الشعبية.

هذه الثقافة هي الغائبة عند الأغلبية الشعبية في المنطقة العربية.. في إحدى مقالاتي تحت عنوان ""خطاب كاميرون وخطاب الأزهر إتفاق ام إختلاف "" بيّنت فيها كيف يقع الخطاب الديني الذي يحارب الشيعة تماما فيما تروج له الدولة الإسلامية المقيته.. ويؤجج للفتنه الداخلية ما بين الطوائف.. ليس فقط في مصر وإنما في المنطقة العربية.. وهو الخطاب الذي قد يدفع البعض من الشباب إلى إعتناق هذه الأفكار المتطرفة وربما الإنضمام لداعش.

نعم التدخل الغربي كان احد أسباب النزاعات الطائفية بعد دخول القوات الغربية إلى العراق.. ولكن الثقافة العنصرية موجودة أصلآ من خلال الخطاب الديني الذي غذاها بتوظيف النصوص.. وهذا التدخل لم يعطي رخصة للحكام والأنظمة على إستعمال سياسات عدم مساواة وسياسات تهميش واقصاء وتفضيل طائفة على أخرى!

ليس من المنطقي ولا المقبول ونحن الذين ’يصرّون على أننا خير امة أخرجت للأرض.. أن نتعلل بأنه وحتى أمريكا وبعد عقود لا زالت تعاني من عدم المساواة.. وتنامي العنصرية ضد الأميركيين من أصول أفريقية.. فشتان ما بين نضال الأقليات في بلداننا العربية وبين كفاح هؤلاء في اميركا.. وللتدليل على ذلك إنتخاب رئيس منهم... بينما ’يحرم القبطي والشيعي من تولي منصب حكومي قيادي في مصر وغيرها من الدول العربية بتفسيرات دينية!!! ويحرم من خلال هذه التفسيرات من المساواة وحرية ممارسة شعائرة الدينية ويعاني الإضطهاد في المدرسة والجامعة.

نعم لا يمكن ان يتحقق العدل ولا المساواة كاملين في أي بقعة من العالم ولم يتحققا خلال الخلافة الإسلامية أيضآ.. ولكن الفارق الكبير بين معاناة الأقليات في بلداننا المباركة.. ومعاناة الأقليات في الدول الغربية لا يمكن قياسه.. نظرا لأن الدول الغربية تعمل بقانون سيادي واحد لا يفرق بين مواطنيه, و’يجرم كل من ’تسوّل له نفسة بالتعدي على الاخر المختلف. بينما تخضع كل الأقليات في العالم العربي وتعمل بقوانين مختلفة تبعا لطائفتها ودينها... ولكن ومع التأكيد على حق المسلمين بكذا وكذا... إضافة إلى غياب الوعي والتوعية الصادقة بين المواطنين لترويج ثقافة سلام وحقوق إنسان مواطن.

إن حرب الطوائف وحرب الأديان التي يشهدها العالم. وإن كان بنسب متفاوته هو أساس المصيبة التي تعاني منها المنطقة العربية.. وهي أساس تفريخ كل التنظيمات المتطرفة التي إعتنقت الجهاد دينا وساعدها على ذلك الخطاب الديني الذي اكد أن الإسلام يعلو ولا ’يعلى عليه.. وأن الإسلام هو المنتصر.. كما في كتاب الدكتور محمد عمارة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر “شهادات غربية لتراث الاسلام” والذي تضمّن شهادة القسيس الانجليزي الشهير مونتجمري الذي شهد بفشل المسيحية وانتصار الإسلام... إنتصاره على ماذا.. وأي إنتصار هذا بينما يعشعش الفقر والتخلف وعدم المساواة وإنعدام العدالة في كل المنطقة العربية... ثم وماذا بعد هذا الإنتصار.. متلاحما مع الفقر والتخلف.

إن هذا الإنتصار والذي يتحقق يوميا على يد الدولة الإسلامية المقيته ليس بإنتصار.. وإنما خراب للإنسان وللمنطقة. نعم لأنهم يحملون عقيدة جهادية وحشية وبربرية تحض على قتل النفس البريئة وقتل نفس مفخخة بالكراهية وبالعنف كلاهما يدفع ثمنا للنصوص ولتجار الدين.. ولا أتمنى أن يتبناها لا غربي ولا عربي لقتالها بنفس أسلوبها.

علينا الإعتراف بأن داعش وأخواتها, ليسوا بمؤامرة غربية.وليسوا بحرب صليبية جديدية يشنها الغرب على المسلمين فكريا وإجتماعيا وعسكريا وسياسيا.. كما يقول الشيخ العريفي.. بل هي نتيجة اللغة الخشبية التي إستعملها ولا يزال فقهاء الدين لإغلاق العقول والقلوب وقتل الضمير.

نعم سيفشل الغرب في محاربتة عسكريا للدولة الإسلامية المقيتة لأنه لن يستطيع حربها بنفس أسلوب مقاتليها الإنتحاريين.. وستفشل الدول العربية أيضا في حربها.. لأن التطرف لا زال ’يغذى عبر ميكروفونات الجوامع. والقنوات الدينية.. والكتب الدينية.. مما يعمل على البلبلة الفكرية في الثوابت.. والجهاد أحد أهم هذه الثوابت كما ’يصرون!&

الحل الوحيد والأمثل هو محاربتها فكريا.. ومن خلال المسلمين في الشرق وفي الغرب.. وكل من لدية ضمير أخلاقي.. لإقتلاعها من الجذور.. مع خطاب ديني يحمل تسامحا حقيقيا. مبتعدا عن العين بالعين والسن بالسن.. مبتعدا عن فقه الذمي.. وفقه الولاية.. في دعوة صادقة للعدالة والتعايش لخلق بيئة ثقافية إجتماعية جديده ’تجسّد التسامح والمحبة وتعيد الإعتبار إلى العقل في الحرية بكل أشكالها وفي العدالة في قانون سيادي واحد يعلو.. ولا ’يعلى عليه.

&