أدى سقوط مدينة الرمادي في 17 أيار/مايو الماضي عن نتيجتين مهمتين في سياق محاربة العراق لما يسمى تنظيم "الدولة الإسلامية" أولهما إضعاف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مقابل خصومه السياسيين، لاسيما رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والميليشيات الموالية لإيران المتحالفة مع المالكي. وثانياً، أدّى إلى تفاقم الطبيعة المذهبية للنزاع عبر منح هذه الميليشيات تفويضاً لاستعادة السيطرة على الأنبار.
جاء سقوط الرمادي بعدما مُنِعت قوات الحشد الشعبي من المشاركة في القتال في محافظة الأنبار ليقضي على أي رأسمال سياسي ربما كان العبادي يتمتع به كقائد حربي في تلك المرحلة. ومع تراجع وحدات جيشه نحو شرق الأنبار لتنظيم صفوفها من جديد، لم يكن أمامه من خيار سوى دعوة الحشد إلى التدخل في الأنبار. وكذلك وضع ديوان محافظة الأنبار تحفّظاته جانباً وصوّت لصالح تدخّل الحشد في الأنبار.
لم يخف قادة الميليشيات الإعلان بوضوح بأن سقوط الرمادي يعني أنهم باتوا أصحاب الأمر والنهي. وسرعان ما ذهبوا بعيداً في خطوتهم هذه، متّخذين الهتاف المذهبي "لبّيك يا حسين!" شعاراً لعملية واسعة في محافظتَي صلاح الدين والأنبار. وأعلنت قوات الحشد أن هادي العامري، رئيس منظمة بدر الموالية لإيران، سيكون "القائد الميداني" في الأنبار. في الثالث من حزيران/يونيو الماضي، حمّل العامري رئيس الوزراء مسؤولية سقوط الرمادي متّهماً إياه بالإذعان للضغوط الغربية التي طالبته بمنع قوات الحشد من التدخل. بعد الانتقادات، جرى تغيير اسم العملية ليصبح "لبيك يا عراق"، بيد أن قادة الميليشيات استمروا في تثبيت وجودهم بكل تبجّح. وقد صدر أحد أقوى التصاريح على لسان زعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، الذي تكلم بلهجة قائد حربي يمثّل الأكثرية الشيعية. فقد وجّه الخزعلي سهامه إلى العبادي لافتاً إلى أنهم غيّروا اسم العملية بناءً على طلب رئيس الوزراء، "لكننا مازلنا نقول ‘لبيك يا حسين!’"
في الرمادي، وبعد انسحاب بعض قوات الحشد، لم يعد الجيش قادراً على السيطرة على المدينة بحسب الخطة. وأصدرت فصائل متفرّقة بيانات متواصلة عن عمليات جديدة وانتصارات ميدانية من دون إلحاق أية هزيمة فعلية بالعدو. وتختلف في مابينها حول الجهة التي يجب الإقرار بفضلها في نجاح العمليات - ففي الكرمة، شمال شرق الفلوجة، تبنّت كل من منظمة بدر والجيش وأحرار الكرمة (تنظيم محلي سنّي تابع لقوات الحشد) مسؤولية الانتصارات الأخيرة في المنطقة. وعلى الرغم من هذا السجل العسكري المتفاوت، اكتسبت قوات الحشد مكانة عامة بحيث لايستطيع العبادي ولاأية شخصية شيعية أخرى انتقادها فعلياً. في 13 حزيران/يونيو الماضي، شدّد العبادي خلال مشاركته في فعاليات نظمتها قوات الحشد في الذكرى الأولى للفتوى التي أعلن فيها آية الله علي السيستاني الجهاد ضد تنظيم داعش، على الرؤية غير المذهبية لقوات الحشد. بالفعل، لم تؤسّس فتوى السيستاني قوات الحشد أو حتى تأتي على ذكر الميليشيات تحت أي مسمّى.
تعود النواة الفعلية لقوات الحشد إلى الدعوة التي وجّهها المالكي لتعبئة "جيش احتياطي" في 11 حزيران/يونيو 2014، بعد يوم من سقوط الموصل. وقد سعى العبادي إلى وضع يده على قوات الحشد حتى في الوقت الذي أبدى دعمه لها، معتبراً أنها تستمد شرعيتها من خضوعها لحكمه.
التحدّي الأساسي المطروح على العبادي الآن هو أن يحاول إيجاد طريقة لضبط قادة الميليشيات، الأمر الذي قد لا يكون ممكناً إلا بعد تكبيدهم هزيمة نكراء في هجومٍ يكونون هم في طليعته. وفي المدى الطويل، بما أن العبادي يملك سلطة القرار في الأمور المالية فإنه يستطيع أن يقرّر ماهي الميليشيات التي سيحصل عناصرها على رواتب، ومن شأن ذلك أن يمنحه نفوذاً، على الرغم من أن الدعم الذي تقدّمه إيران للميليشيات الموالية لها يقوّض هذا النفوذ. لكن المفارقة بالنسبة إلى الحكومة العراقية هي أنه من شأن تحقيق قوات الحشد نجاحات متواصلة أن يقوّض عملية تثبيت دعائم الدولة، وفي الوقت نفسه لا تستطيع التخلي عن خدماتها في الوقت الراهن!

هشام منوّر... كاتب وباحث