ما بال كثير من المسلمين و رجال الدين خاصة "يتعفرتون" عندما يسمعون ان الجنّة سيدخلها من غير المسلمين؟ أليس في الجنّة متسع من مكان؟ ان توافر المكان فقلوب اولئك لا تسع رحمةً للبشر، و ان وسعت قلوبهم شيئا من الرّحمة فليس في عقولهم مجال لفكرة أنّ الله سيرحم غيرهم من العالمين، على اعتبار أنهم خير أمّة أُخرجت للناس.

تخيلوا أن تكون الجنّة حِكراّ على الأنانيين!!

و هل كان لهم فضل أن كانوا مسلمين او كانوا مؤمنين؟ أم أن الله يَمُن عليهم أن يجعلهم مسلمين؟ هل أنهم مسلمون حقا؟ هل بحثوا في معنى كلمة "مسلمين" في القرآن و فهموا على من تطلق؟

هل أنهم مِمّن وعد الله الجنّة؟ هل كانوا لأماناتهم و عهدهم راعون؟ هل هم من غير المغضوب عليهم؟&

هل كانوا من بني اسرائيل الذين فضّلهم الله على العالمين؟ – البقرة 47

أينكرون ما انزل الله افتراءا عليه "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" البقرة (62)

جاءت افكارالتكفير وعدم قبول الآخر من دول الخليج فهي دول أُحاديّة الدّيانة و العِرق ممن لم يألفوا معايشة المختلف و كانوا يسمعون صوت مشا يخهم "الذين لا يرون أبعد من أنوفهم" فيُصدّقون.

قد أنكر الشيوخ على الآخرين دينهم و تجرّأوا على انكار ايمانهم و أخذوا بظاهر الآيات و لم يفهموها مختارين متعمدين، أو ليس من البديهي أن سمّى القرآن كل المؤمنين المصدّقين بالأنبياء "بالمسلمين"؟ فادّعوا أن الجنة لا يدخلها سواهم أأنتم أعلم أم الله، صحيح "ان كنت لا تدري فتلك مصيبة، و ان كنت تدري فالمصيبة أعظم". في زمن ثورة تكنولوجيا المعلومات على الجاهل أن يصمت. تفرض بعض دول الخليج الاقامة الجبرية على شيوخها ممن عرفوا بالتحريض الديني الاقامة و الطائفي و لكن ما ان تُطلقهم عادوا "كما كنت".

ألم يعرفوا بأن صلاة المسيحيين تبدا بالتوحيد "بسم الأب و الابن و الرّوح القدس الاله الواحد آمين"؟ فاتهموهم بالشّرك.&

كان المسيحيين الأوائل مُوحّدين، و قد بنوا حضارة وعمّروا دور العبادة عندما كان بعض أهلنا من بدو الجزيرة و حضرها يعبدون الأوثان و يؤدون الحج "للّات و العزّى و هُبل"، و لا زالت آثارهم شاهدة الى اليوم و كنائسهم تعانق السماء في اقدم بقاع العالم حضارةّ، في مصر و سوريا و العراق، أجداد المسيحيين في الجنّة و أجدادنا في النار.

قرأت قبل أيام للكاتب "محمد الساعد" موضوعا تحت عنوان "نصيحة لتنظيم الاخوان المسلمين" أقتطع منه المقاطع التالية لعلاقتها بموضوعي من قريب او بعيد:&

"تلك القصة تلخص بالضبط ما الذي حدث قبل التزاوج بين الحركيين السعوديين وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، وما نتج منه من تشويه هائل للإسلام في العالم، الذي ولّد لنا وللإنسانية كلها تنظيمات إرهابية تمثلت في «القاعدة»، و«داعش» و«النصرة» و«بوكو حرام»... إلخ.

&بدأ التزاوج باكراً في أواسط الستينات الميلادية، عندما التف بعض أعضاء جماعة الإخوان على كرم الخليجيين وطيبتهم، لكنه لم يثمر عن أجندته القبيحة إلا بداية الثمانينات الميلادية. التزاوج الذي حدث كان سببه فقر الجماعة المالي، وغنى الحركيين السعوديين والكويتيين على وجه الخصوص.

ولذلك أصبح المستثمر الحركي السعودي هو صاحب الصوت الأمضى داخل الجماعة، وغلب بماله الجماعة ذات الهيكل والقيادة المصرية، وفي ظل هذه الهيمنة الحركية السعودية لم ينجذب الإخواني السعودي إلى الفقه المصري المتسامح، ولم يُرْضِه إلا أن يرى في شوارع القاهرة والإسكندرية، ما يراه في شوارع البطحاء والعليا وبريدة وحائل والطائف، فهام بالتراث القطبي المتشدد المحرض والدموي، وزواج بينه وبين مفاهيمه عن الفنون والمرأة والاختلاط والحريات، ليخرج لنا هذا الغول الذي أكل أخضر العرب ويابسهم." انتهى الاقتباس.

حقيقة أن الخطاب الديني لدول الخليج لا يناسب دول كالعراق و سوريا و مصر، غنيّة بتعدّد الأعراق و تنوّع الديانات و المذاهب، فمنذ أن تحوّلت القنوات الخليجية المحلية الى فضائية و نحن نسمع ما لا نحب مما لم نعتد و مما يخالف عقيدتنا التي نشأنا عليها، حيث يصدح الخطباء بصوتهم الجهوري في أمسيات رمضان المبارك مناديا: اللّهم دمرأعداء الدين، فنتلفت حولنا علنا نعثر على أحدهم، فمن هم أعداء الدين؟ وهل للدين أعداء؟ نقرأ كثيرا أن الحياة في هذا العالم انما هي صراع من أجل البقاء. و أن الدول الصديقة ممكن أن تتعادى ان تعارضت مصالحها، فهل تعارضت مصالح اعداء الدين مع مصالح الدين و أهله، مثلا كأن هم يريدون الاستيلاء على الجنّة التي وعدنا الله بها؟

كتبت "احلام اكرم" تحت عنوان "ستقتلنا الحروب الطائفية و حروب الاديان":

"إن حرب الطوائف وحرب الأديان التي يشهدها العالم. وإن كان بنسب متفاوته هو أساس المصيبة التي تعاني منها المنطقة العربية.. وهي أساس تفريخ كل التنظيمات المتطرفة التي إعتنقت الجهاد دينا وساعدها على ذلك الخطاب الديني الذي اكد أن الإسلام يعلو ولا ’يعلى عليه.. وأن الإسلام هو المنتصر....

إن هذا الإنتصار والذي يتحقق يوميا على يد الدولة الإسلامية المقيته ليس بإنتصار.. وإنما خراب للإنسان وللمنطقة. نعم لأنهم يحملون عقيدة جهادية وحشية وبربرية تحض على قتل النفس البريئة.

علينا الإعتراف بأن داعش وأخواتها, ليسوا بمؤامرة غربية.وليسوا بحرب صليبية جديدية يشنها الغرب على المسلمين فكريا وإجتماعيا وعسكريا وسياسيا.. كما يقول الشيخ العريفي.. بل هي نتيجة اللغة الخشبية التي إستعملها ولا يزال فقهاء الدين لإغلاق العقول والقلوب وقتل الضمير." انتهى الاقتباس.

كثيرا ما يشار الى الصليبيين، فمن هم الصليبيون؟ و هل يعرفهم "العريفي" حقا؟ نحن في بلادنا نعرفهم حقّ المعرفة عاشرناهم و عشنا معهم مئات السنين. هم أناس آمنوا بربهم و اتخذوا من الصليب رمزا لدينهم، وتعلقت قلوبهم بحب الله فاتخذوا من الصليب زينة و يتباركون به، فلماذا نستعديهم؟ أ نكره من تعلّق بدينه؟

ليس في الدول الخليجية نصارى. سألتني احدى الصديقات الاماراتيات الفاضلات قبل أكثر من عشرة أعوم باستغراب، هل في العراق نصارى حقا؟ فأجبتها: انهم سكان العراق الاصليّون و هكذا تعلّمنا في دروس التاريخ. ان يستغربون فهذا متوقع، فالانسان بطبيعته يخاف ما يجهل، نحن نعرف النصارى جيدا و نقدرهم، كيف لا و هم من نصروا نبينا عيسى عليه السلام. ذكرهم القرآن في أكثر من موضع و طلب من المؤمنين الاقتداء بهم:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ" الصف ( (14

أيحق للمؤمن أن ينكر أنصار سيدنا عيسى عليه السلام و من آمن بدينه؟ أيستهينون بذات الله تعالى؟ و هل بعث الله برسول أو رسالة سهوا؟ أم كان حاشاه مترددا فبعث بدين لم يناسبه بعد أن تبين له أنه كان يهوديا، فاتبعه بالمسيحية فلم تعجبه، فألحقه بالاسلام فاستقر رأيه عليه و قال لنفسه: "هذا الدين الذي كنت أتمنى"، ألا يفقه شيوخنا؟ انما هي رسالة واحدة بدأت بابراهيم. أيكره شيوخنا أن يعبد الله في ارضه؟

انما دول الخليج أحادية المنشا شعوبها من العرب فقط تدين بدين واحد، تعير أسماعها لشيوخها الذين يجهلون عن الأديان الأخرى و يسعون جاهدين لانكار تعدد المذاهب في الدين الاسلامي. لتعتقد ما تشاء فيما يعنيها لكن ليكن خطابها موجها للداخل لمواطنيها وعليها أن تبقيه داخليا و في قنواتها المحلية الارضية لا الفضائية، فما يصلُح لها لا يصلح لغيرها من دول الجوار. يكفينا ما صدّرت لنا من مجاهدين "مزعومين" قتلونا في ديارنا، فجرونا و مزقونا.&

نحن لا نلوم كل ما يحدث في العراق دول الخليج، و لكن نقول لخطبائهم: "دعونا و شأننا و اللّي فينا مكفينا ويكفينا ما أرسلتم لنا من هدايا ملغومة". شعوب الخليج لا تعرف الكثير عن النصارى، فالنصارى بالنسبة لهم كلمة يقراونها في القرآن لا اكثر و يفهمونها كما يفهمونها، فدول مثل العراق و سوريا و مصر، النصارى فيها مكوّن أساسي شريك في الوطن، و أحباب و أصحاب، أهل و اخوان، هم بالنسبة لنا "سكان العراق الأصليون و بناة حضارة عمرها آلاف السنين" لا يتذكرها حديثو الولادة.&

الحقيقة: أن تكفير مؤمن مثل "رحلة الميل" تبدأ بخطوة، قد تنتهي بتكفير البشر، و التكفير اليوم هو بداية طريق الهلاك و تبرير للقتل الذي طال الكل، و خصوصا المسلمين و بكل طوائفهم، فهل يمكننا الآن أن نعرف من هم "أعداء الدين"؟

&