مع اختراق الطيران الحربي التركي للأجواء السورية و العراقية يكون الذئب التركي قد استيقظ من غيبوبته السياسية بعد أن استشعر الأتراك عقم علاقتهم مع تنظيم الدولة الارهابي للقيام نيابة عنهم بمحاربة العمال الكردستاني, الحزب الذي وقع اختيار نظام البعث عليه عبر فرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي كشريك أساس، ذلك الاختيار الذي لم يكن محض صدفة بل لاعتقاد النظام السوري بأن الحزب المذكور يعمل وفق أجندات محددة متجهة إلى الداخل التركي, نفس الدافع الذي شجع الأسد الأب لدعمه و تأمين معسكرات تدريب لعناصره في الثمانينات من القرن الماضي في منطقة البقاع اللبنانية الخاضعة حينها لدمشق. القيادة التركية اكتشفت أيضا أن تلك السياسة أعطت نتيجة معاكسة لتوقعاتهم، الاستمرار في تحدي حلفائهم في الناتو, عدم التعاون معهم للقضاء على تنظيم الدولة في سبيل اضعاف الحركة الكردية الموالية لحزب العمال الكردستاني قد أكسب الحزب المذكور المزيد من التعاطف الدولي مع قضيته على حساب علاقات الأتراك مع العالم الخارجي عموما و الغربي خصوصا كمحصلة لسياسة حكومة العدالة و التنمية الخاطئة هذا بالإضافة إلى اتساع شعبيته داخل كردستان التركية الأمر الذي سهّل على الحزب تعبئة المزيد من الشبان و الشابات في صفوفه و مضاعفة أعداد مناصريه سياسيا حيث تمكن من خلال دعمه لحزب الشعوب الديمقراطي جناحه السياسي في الحصول على نسبة الأصوات التي أهّلت دخوله البرلمان التركي.

من وجهة نظر تركية فان تعاظم دور منظومة العمال الكردستاني على حدودها الجنوبية يهدد بلا شك أمنها القومي الأمر الذي فرض على الحكومة التركية تغيير نهجها مؤخرا عبر التحول من التدخل الغير مباشر من خلال تنظيم الدولة الإرهابي إلى التدخل المباشر.

في ظل هذا التحول في الموقف التركي على الحزب الكردي السعي بدوره لإيجاد استراتيجية تتسم ببعد النظر و ذلك بعد حقبة من التأقلم مع الظروف و السير وفق تكتيك الاستفادة من التحولات السياسية والنزاعات الاقليمية بين الدول التي تتقاسم جغرافية كردستان. الأتراك سوف لن يدّخروا جهدا في سبيل تقويض الادارة الذاتية للمقاطعات الكردية الثلاث لإجهاض نشوء كيان كردي تابع للعمال الكردستاني عبر مسمياته المختلفة في حال سقوط حكومة دمشق المتهالكة.

كرديا الكرة في ملعب العمال الكردستاني لاتخاذ قرار مصيري فإما أن يكون فعلا كما اعتقد الأسد الأب و الابن بأنه حزب يعمل وفق أجندات لا علاقة لها بالداخل السوري و متوجهة فقط نحو الداخل التركي وما الادارة الذاتية اليوم إلا فرصة مؤقتة للطرفين: النظام حيث تفرغ بقواته في محاولة لسحق المناهضين له في المناطق الأخرى من خلال تفويض أمر المناطق الكردية للعمال الكردستاني عبر فرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي للعمل بالنيابة عنه مقابل بسط نفوذ الأخير على حساب القوى السياسية الكردية الأخرى و استغلاله الظروف المتاحة لتقوية مركزه كحزب شمولي على مختلف الأصعدة السياسية, الاقتصادية و العسكرية أم أنه سوف يثبت عكس ذلك أي أنه يخدم قضية الكرد كشعب لدرجة أن يسمح للأطراف السياسية المخالفة معه فكريا بتحمل مسؤولياتهم الوطنية و القومية بما فيها السماح لقوات البيشمركة التابعة للمجلس الوطني الكردي التي تلقت تدريباتها العسكرية في اقليم كردستان العراق بالمشاركة في الدفاع و الادارة.

ليس من المستبعد أن تنجح تركيا في اقناع الأميركان و الغرب إن لم تكن قد فعلت في الأيام الأخيرة بضرورة اطلاق يدها في المناطق الكردية السورية مقابل تعاونها التام مع قوى التحالف للقضاء على داعش و كما هو معروف فان مصالح الأمن القومي للدول العظمى هي الأهم نظرا للدور المحوري الذي يمكن أن تقوم بها الحكومة التركية العضو في حلف الشمال الأطلسي، حينها يكون الأكراد السوريون أول الضحايا و آخر المستفيدين من التغييرات التي ستطرأ على المنطقة و سيفقد حزب العمال الكردستاني حاضنته الشعبية بينهم نظرا لإصراره المستمر في التفرد بالسلطة.

&

ستوكهولم

[email protected]