حاول الكثيرون تبرير ما قامت به منظمة القاعدة في 11 أيلول 2001 وما قبلها وما تلاها، وما قامت به منظمات الإسلام السياسي المختلفة، بحجة الظلم الواقع على المسلمين بسبب القضية الفلسلطينية، وفي الكثير مما كتبناه فندنا ذلك، لاسباب منطقية ومعتمدة على مسار القضية الفلسطينية ومسار وممارسات الحكام والقوى السياسية التي تحكمت بالمنطقة. فالعرب دفعوا الفلسطينيين لرفض قرار التقسيم رغم انه كان ينصفهم الى حد كبير، وكل ذلك باعتبار ان فلسطين ارض عربية. ليس هذا بل ان الممارسات الحكومية لمعظم الحكومات العربية بعد عام 1948 اتسمت بالعنف تجاه كل مكونات الشعوب التي حكمتها، مع تزايد في وتيرة العنف ونوعيته بمرور الزمن. مما يثبت ان القضية الفلسطينية لم تكن لب المشاكل في المنطقة، بل سيطرة نوع من الأيديولوجية الرؤوية وتدعي حمل رسالة انقاذية للعالم، اتسمت هذه الأيديولوجية بانقسامها الى شكلين في التطبيق والشعارات وان اتفقت في الأساس كونها المنقذة للعالم.

الأيديولوجية الاسلاموية والتي اتخذت من الإسلام منهجا ومرجعا حسب ادعاءها، وادعت ان الإسلام هو الحل، ولكن هذا الشعار بقى ضبابيا وغير معرف، أي اسلام. الا ان جميع الحركات التي نبعت من تحت عباءة الإسلام، حملت خصائص محددة ومشتركة، وهي كونها منقذة الامة والعالم، وكونها تستمد تعاليمها من الإسلام وبالتالي ان أي نقد لها هو نقد للاسلام، ولكن الأهم اعتمادها على طبقة واسعة من المؤيديين غالبيتها العظمى من الطبقة الفقيرة والامية التي تم حشدها في خط الإسلام السياسي تحت شعار الدفاع عن الإسلام، لان الإسلام مهدد. والإسلام المهدد هو أيضا شعار لم يوضحه احد، من يهدد الإسلام ولماذا؟

الأيديولوجية القومية التي استمدت أيضا ثقلها من التاريخ الإسلامي وادعت العمل من اجل العروبة، وادعت بحملها رسالة انقاذية، اعتمدت أيضا على الطبقة الفقيرة في الغالب او الطبقى الدنيا من الطبقة الوسطى. لتحقيق حلم ادعت هذه الأيديولوجيا انها تريد تحقيقه وهو وحدة العرب والعروبة، هذه الوحدة التي تدعي ان الاستعمار كان السبب في تفتيتها.

هذه المنابع الأيديولوجية، اشتركت بمهمة أساسية، لم تأخذ انتباه الكثيرين، وان كانت هذه المهمة احدى اخطر ما أصاب شعوب المنطقة من افات مرضية يصعب معالجتها لسنوات طوال، الا وهي القيام بتدمير الطبقى الوسطى، وتقسيم المجتمع من خلال الممارسات والقوانين الى فقراء معدمين لا يتمكنون من الدفاع عن انفسهم، فهم على الدوام بحاجة الى معونة الحكومة لكي يستمروا في الحياة، او طبقة غنية من الاقرباء الموثقين بهم.

يدرك كل المطلعين ان الطبقة الوسطى، هي ضامنة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فالاستقرار السياسي يتحقق لانها هي التي تنتج الطبقة السياسية التي تقود البلد، وان اختلفت بعض التوجهات في الطبقة الوسطى، والتي قد تاتي بمتغييرات في الحكم، الا ان الطبقة الوسطى ضامنة لبعض الأسس التي تجعل التغييرات تحدث بوتيرة سلسلة من خلال القوانين والاليات التي يتم الاتفاق عليها. ان الطبقة الوسطى تشيع في المجتمع قيم شبه موحدة، عابرة للاختلافات الدينية والقومية، مثل الحريات الفردية والعمل الخاص. لا بل ان التغييرات الأولية وان كانت بشكل انقلابات عسكرية والتي لم تمس الطبقة الوسطى، كانت الدولة والشعوب تتحملها لانها كانت في اطار المبادئ العامة وان حملت شعارات أخرى.

امام ما حدث في المنطقة خلال نصف قرن الماضي، من استيلاء أيديولوجية تؤمن بالمؤامراتية على الحكم، وخصوصا تجاه الاخر المختلف قوميا ودينيا، فرغم ان اغلب الأنظمة في المنطقة كانت تعتبر صديقة لاميركا كمثال، الا ان هذه الأنظمة انتجت الناطقين باسمها، من المتسلقين ومرددي شعاراتها، كانت تعتبر اميركا دولة تتامر على العرب والإسلام. واحد اكبر أعداء انتشار وسيادة ايديولوجيتهم الانقاذية.

حاولت اميركا مسايرة الأنظمة وعدم التدخل في شؤونها، لان المهم لها كان ان هذه الأنظمة ورغم كل ما تقوله خلف الأبواب او داخليا في تحميلها مسؤولية أوضاعها المزرية، كانت تسير حسب بما يرضى اميركا من كون اغلب نشاطها الاقتصادي مرتبط معها وتطلعاتها الأنظمة السياسية لا تتعدي بقاء الحكام لاطول فترة ممكنة، وعداءها هو من مهام تجميل الأيديولوجية ليس الا.

الا ان نتائج شحن العداء القومي والديني، ظهر في بروز حركات وتنظيمات سياسية راديكالية، رفعت شعار محاربة اميركا وحاولت كما في 11 أيلول 2001 ضربها في عقر دارها، وحازت هذه الحركات الراديكالية صيتا ودعما شعبيا وجد صيته بمظاهر الفرح والدعم التي اجتاحت الكثير من بلدان الدول العربية، باعتبار ما قامت به القاعدة ماهو الا ضربة الاهية لجرائم اميركا بحق المسلمين. وقد تطور هذا الشحن الى ان ولد داعش في نسخة فاقت القاعدة في اجرامها. والحقيقة ان داعش أيضا لقت دعما كبيرا من الكثير ممن يظهرون في الاعلام العربي في الآونة الأخيرة، او حاول البعض تبرير اعمالها بحجة تهميش السنة. التطور الجديد الذي يمكن توجسه داخل المنطقة هو اتجاه الحركات الراديكالية للداخل الاعمق وهو الانتقام ممن تعتبرهم اعداءها من نفس دينها او حتى طائفتها، بعد ان تخلصت او كادت من أبناء الديانات الأخرى.

باعتقادنا ان الصبر الغربي وخصوصا الأمريكي بداء ينفذ، ليس للتطورات الأخيرة، بل لان على هذه الدول ان تعي مسؤولياتها وتكف عن رمي مشاكلها على الخارج، وهنا لا اعتقد ان هناك خلاف في نفاذ الصبر بين الجمهوريين او الديمقراطيين، بل هو يضم الجميع، وعليه فان السيد أوباما حاول تسمية الأمور بمسمياتها، ان ازمة المنطقة ليست إسرائيل وليست الدول الأجنبية. انها لاسباب داخلية بحتة، ان الإرهاب منبعه الداخل، وهذه الأسباب تشمل الثقافة والسياسية والاقتصاد والزيادة الهائلة بعدد السكان، ولكي يتم معالجة الإرهاب يجب على هذه الدول ان تنخرط في حرب تشكل كل جوانب الحياة، وكفى رمي المسؤولية على عاتق العالم. ان إعادة النظر بكل مناحي الحياة وخصوصا التربية والتعليم والتثقيف، يتطلب البدء بإعادة بناء طبقة وسطى تكون دعامة للوطن، ولكن على الحكام دفع ضريبة لاحياء هذه الطبقة وهي الاستعداد للتنازل عن الكثير من الصلاحيات ان لم نقل من الحكم.

&